التمرد بإقليم بني شنقول الإثيوبي: هل من دور مصري؟

التمرد بإقليم بني شنقول الإثيوبي: هل من دور مصري؟

11 ابريل 2020
يبعد سد النهضة نحو 40 كيلومتراً عن السودان(ميناسي وونديموهايلو/الأناضول)
+ الخط -

مع تعثّر ملف المفاوضات في سد النهضة في الفترة الأخيرة، بدأت تظهر تحركات ميدانية مرتبطة به لاستخدامها قبل أي تجدد للمباحثات، لجهة تصاعد حدة التوتر الحدودي بشكل مفاجئ بين السودان وإثيوبيا في المنطقة المحاذية لولاية القضارف السودانية، وكذلك توسع أعمال المواجهات المسلحة بين عناصر الجيش الإثيوبي ومتمردين محليين بمناطق منبوك وقلقل بإقليم بني شنقول، الذي يشهد بناء السد المثير للجدل. وكان الجيش السوداني قد أعاد انتشاره الحدودي في الأسابيع الماضية على الحدود مع إثيوبيا، للمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن، وتحديداً الحدود المحاذية لولاية القضارف، شرقي البلاد، بعد شكاوى من الأهالي من توغل إثيوبي جديد داخل الأراضي السودانية، واختطاف مواطنين إلى الأراضي الإثيوبية. وشكلت زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لمناطق الحدود بين السودان وإثيوبيا، يوم الأربعاء الماضي، واحدة من مظاهر التوتر، لا سيما بعد تصريحاته بشأن قدرة القوات المسلحة السودانية على حماية الحدود وحماية المواطنين، وعدم السماح بالاعتداء على الأراضي السودانية.

في هذا الإطار، كشفت مصادر دبلوماسية سودانية لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمكن أبداً الفصل بين التطورات المفاجئة التي حدثت على الحدود السودانية الإثيوبية وتصاعد النزعة الانفصالية داخل إقليم بني شنقول في إثيوبيا مجدداً، وبين مجريات أزمة سد النهضة والتحركات المصرية في هذا السياق، بعدما وصلت المفاوضات إلى مسار مسدود. وأضافت المصادر أنه "خلال الأيام التي تلت فشل مفاوضات واشنطن في فبراير/ شباط الماضي، كانت هناك تحركات مصرية على أكثر من صعيد، وشاهدنا رئيس المخابرات المصرية عباس كامل يزور الخرطوم ويلتقي رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وهكذا تابعنا زيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو إلى القاهرة بعدها ملتقياً الرئيس المصري وسط أحاديث عن تشاور بشأن أزمة السد، في وقتٍ بدا واضحاً أن هناك خلافات عريضة بين المكونات المدنية والعسكرية لمجلس السيادة بشأن أزمة السد، في ظل انحياز حكومي للموقف الإثيوبي".

في المقابل، أفاد مصدر مصري لـ"العربي الجديد"، بأن مصر عبّرت أكثر من مرة عن أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التعنت الإثيوبي، خصوصاً بعد تأكد صانع القرار المصري من أن أديس أبابا لا ترغب إلا في إطالة أمد المفاوضات من أجل الوصول لمرحلة ملء السدّ بقواعدها الخاصة من دون الالتفات للملاحظات المصرية، مؤكداً أنه "باتت القناعة لدى القاهرة أن السد هو محبس للمياه لخنق مصر في أي وقت وليس مجرد مشروع تنموي". وأشار المصدر إلى أنه "في ظل صعوبة التوصل لحل سياسي نظراً للأزمة العالمية الراهنة (وباء كورونا) وانشغال القوى الإقليمية والدولية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة بالأزمة، لم تعد الخيارات كثيرة أمام صانع القرار المصري الذي أكد أن كافة الحلول متاحة أمامه".



وفي الوقت الذي أكد فيه المصدر صعوبة الحل العسكري المباشر، أشار إلى أن "هناك حلولاً كثيرة أخرى بعيدة عن المسار الدبلوماسي يكون اللجوء إليها خياراً مطروحاً لإجبار الطرف المتعنت على العودة للمفاوضات بشروط غير مجحفة، عندما يتأكد لديه أنك لن تتركه ينفذ مخططاته في هدوء". وحول ما إذا كان دعم متمردين محليين ضد الحكومة الإثيوبية ضمن تلك الحلول التي أشار إليها، قال المصدر: "لمَ لا؟ طالما أن الطرف الآخر مُصرّ على عناده لإجبارك على الرضوخ في قضية تمثل حياةً أو موتاً بالنسبة إليك". وتابع "في مراحل سابقة، وتحديداً في مطلع عام 2016، كان هناك موقف مشابه أصرّ فيه الجانب الإثيوبي على موقف مماثل، ولم يتغير ذلك الموقف إلا بعد استضافة القاهرة لزعيمة جبهة تحرير الأورومو حينها أمجيتا شارو، وتسهيل إقامة مؤتمر حاشد لأنصارها".

ويقع إقليم بني شنقول، الذي يشهد تمرداً في الوقت الراهن، غربي إثيوبيا، وتوافقت معه أديس أبابا لإقامة مشروع سد النهضة فيه على النيل الأزرق، على بعد نحو 40 كيلومتراً من الحدود السودانية، وتبلغ مساحته حوالي 50 ألف كيلومتر مربع، ويقطنه قرابة 4 ملايين نسمة، معظمهم من أصول سودانية، وما زالت عاداتهم سودانية، رغم محاولات إثيوبيا الدفع بسياسات التغيير الديمغرافي. ويؤكد مؤرخون أن أصل قبائل بني شنقول سوداني، وقد فرّوا من الحملات التي أطلقها الوالي محمد علي باشا للاستعانة بهم للانضمام إلى الجيش المصري، ولعبت تلك القبائل دوراً محورياً في مقاومة الاستعمار الإيطالي. وكان إقليم بني شنقول تابعاً للسودان ولكن البريطانيين اتفقوا مع الإثيوبيين على ضمّه لأديس أبابا قبل استقلال السودان. وبعد ضم إقليم بني شنقول إلى الإمبراطورية الإثيوبية، لم يجدوا الترحيب الكافي من السلطات واعتُبروا مواطنين من الدرجة الثانية، وفي عام 1931 خاضوا أول تمرد رسمي على الإثيوبيين، مطالبين بالعودة للأراضي السودانية وبحكم ذاتي، وهو ما قوبل بالرفض.

يذكر أن مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل ووزير الري محمد عبد العاطي اجتمعا، أول من أمس الخميس، في العاصمة السودانية الخرطوم مع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، وذلك في إطار التحضير لزيارة قريبة لحمدوك إلى مصر، وهي الزيارة التي كانت مقررة خلال الأسبوع الماضي، وتم تأجيلها قبل ساعات من القيام بها، من دون ذكر أسباب التأجيل. وقال مصدر دبلوماسي مصري إن الاجتماع شهد استطلاع رؤية حمدوك للدور الذي يجب أن يؤديه السودان قريباً في الوساطة بين مصر وإثيوبيا لحل قضية سد النهضة، مع التأكيد على تمسك مصر بالقواعد التي تم الاتفاق عليها في مفاوضات واشنطن الأخيرة، قبل انقلاب إثيوبيا على المسار التفاوضي. وأضاف المصدر أن المسؤولين المصريين دعوَا حمدوك لزيارة القاهرة في القريب العاجل للتباحث بشكل أوسع حول شروط السودان للانضمام لمصر في التوقيع على مسودة اتفاق تشغيل وملء السد، التي ترفض إثيوبيا التوقيع عليها حتى الآن. وكان حمدوك قد أعلن الشهر الماضي نيته التوجه لمصر وإثيوبيا لإحياء المفاوضات، لكن أديس أبابا ما زالت ترفض جميع ما انتهت إليه مفاوضات واشنطن.