توتر بين السودان وإثيوبيا: أبعد من نزاع حدودي

توتر بين السودان وإثيوبيا: أبعد من نزاع حدودي

10 ابريل 2020
المشكلة الحدودية بين السودان وإثيوبيا قديمة (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
تصاعد التوتر الحدودي بين السودان وإثيوبيا، بصورةٍ غير مسبوقة، ومن دون سابق إنذار، ما ترك أكثر من علامة استفهام حول ​توقيته، ومدى ارتباطه بالتعثر الحاصل في ملف سدّ النهضة، عدا التساؤل عن إمكانية وجود دورٍ مصري خلف الكواليس.

وشكّلت زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى مناطق الحدود بين السودان وإثيوبيا، يوم الأربعاء الماضي، واحدةً من مظاهر التوتر، لا سيما بعد تصريحاته القوية بشأن قدرة القوات المسلحة السودانية على حماية الحدود والمواطنين، وعدم السماح بالتعدي على الأراضي السودانية. كما اجتمع البرهان خلال زيارته، التي رافقه فيها رئيس هيئة أركان الجيش، الفريق أول محمد عثمان الحسين، ومدير جهاز الاستخبارات جمال عبد الحميد، ونخبة من قيادات الجيش، بالقيادات العسكرية الموجودة في المنطقة، وتلقى منهم تقارير عن الأوضاع الأمنية.

وكان الجيش السوداني قد أعاد انتشاره خلال الأسابيع الماضية على الحدود مع إثيوبيا، للمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن، وتحديداً الحدود المحاذية لولاية القضارف، شرق البلاد، بعد شكاوى من الأهالي عن توغل إثيوبي جديد داخل الأراضي السودانية، واختطاف لمواطنين والذهاب بهم إلى داخل الأراضي الإثيوبية، فضلاً عن عمليات النهب التي يتعرض لها المزارعون السودانيون والسيطرة على أراضيهم. وهذه الأمور كلها تردها أديس أبابا إلى عصابات معروفة منذ القدم باسم عصابات "الشفتة"، التي تمارس نشاطاتها على الحدود منذ عشرات السنين.

ويدور التوتر القديم في منطقة الفشقة السودانية، التي تنقسم إلى قسمين، الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى، وتبلغ مساحتها الكلية 252 كيلومتراً مربعاً، وتضم مساحة كبيرة صالحة للزراعة، لكن جزءاً كبيراً منها يقع تحت سيطرة عصابات "الشفتة" الإثيوبية.

ويقول السفير السوداني السابق في أديس أبابا، الطريفي كرمنو، لـ"العربي الجديد"، إن عصابات "الشفتة" ليست مجرد عصابات، إنما هي قوات شبه نظامية تتغاضى السلطات الإثيوبية عن تصرفاتها، على الرغم من قدرتها على مواجهتها والقضاء عليها. ويضيف أن "المشكلة الحدودية قديمة كذلك، وتدور في منطقة هي سلّة غذاء السودان، لإنتاجها محصولي الذرة والسمسم"، عازياً تفاقم الأزمة إلى "ضعف الكثافة السكانية، وضعف الخدمات والبنى التحتية وضعف مظاهر السيادة السودانية على تلك الأراضي". ويشير كرمنو في هذا الصدد إلى أن "انتشار الجيش في المناطق الحدودية حالياً لحماية الحدود غير كافٍ، ويحتاج إلى تكثيف، خصوصاً أن البلدين اتفقا منذ فترة طويلة على ترسيم الحدود ووضع العلامات، وأنه لا بد من وقف التوسع الإثيوبي في المنطقة".


من جهته، يقول الممثل السابق لمنطقة الفشقة في البرلمان، مبارك النور، لـ"العربي الجديد"، إن التوغل الإثيوبي بلغ 840 ألف فدان بوساطة 700 إثيوبي، ويتصاعد بصورةٍ سنوية، ولا يشمل ولاية القضارف وحدها، بل هناك آلاف أخرى من الأفدنة تحت سيطرة إثيوبيا في مناطق سنار والددر"، موضحاً أن "جملة الأراضي الواقعة تحت الاحتلال الإثيوبي تصل إلى مليون فدان، بينما ما تقوم به الحكومة غير كافٍ لتأمين الحدود والمزارعين من الهجمات الإثيوبية". ويرى أن "لا حل إلا باسترداد هذه الأراضي ووقف ابتزاز الجانب الإثيوبي"، مقللاً من أهمية زيارة البرهان إلى المنطقة، ومن تأثيرها على الأمن، إلا بنشر المزيد من القوات وتأمين المزارعين وتنمية المنطقة من حيث الطرق والخدمات والمدارس والمستشفيات.

أما الرشيد عبد القادر، عضو لجنة استرداد أراضي الفشقة، وهو تنظيم شعبي، فيرى أن الوضع حالياً ينذر بما لا تحمد عقباه، خصوصاً أن الجانب الإثيوبي ردّ على الحشود السودانية بحشود مماثلة في أربعة محاور، وهو ما يفرض زيادة الحشود السودانية والتحسب لكل الاحتمالات. ويشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة تطبيق حديث البرهان عن قدرة الجيش على حماية الحدود على أرض الواقع، وإنهاء معاناة عقود من الزمن لأهالي المنطقة الذين تضرروا من النشاط الإثيوبي.

لكن رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النيلين، فتح الرحمن أحمد، يستبعد حدوث مواجهة عسكرية بين البلدين لعدم توفر شروطها وظروفها، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الأسباب الظاهرية للتوتر الحالي هي عصابات "الشفتة"، لكن جوهره يربطه بوضعية التوازن السياسي في السودان، والنزاع بين المكون العسكري الأقرب لمصر والمكون المدني الأقرب لإثيوبيا، وبالتالي يلقي الصراع المصري - الإثيوبي حول سد النهضة بظلاله على الحدود الإثيوبية - السودانية.

ويرى أحمد أن المكون العسكري أراد فقط من تحشيد القوات والحديث عن حماية الحدود، وضع رسالة في بريد أديس أبابا، مفادها بأن المكون العسكري موجود وله تأثير كبير على المشهد السياسي، وأنه لا بد من وجود الجيش في أي معادلة، لا سيما بالعلاقة بين الخرطوم وأديس أبابا، مجدداً التأكيد على أن المواجهة العسكرية مستبعدة تماماً، ولن يسمح بها المجتمع الدولي خصوصاً في الظروف الدولية الراهنة.

من جهته، يقول الكاتب الصحافي، عبد الماجد عبد الحميد، لـ"العربي الجديد"، إن التحركات المصرية وتواصلها مع المُكون العسكري، ليحل بديلاً للمكون المدني في مفاوضات سدّ النهضة الإثيوبي المتعثرة، يؤشر إلى عملية تنسيق في نشاط العسكريين في كثير من الملفات، ومنها التعامل مع إثيوبيا وفتح الملفات القديمة، ومن بينها قضية الحدود. ويلفت عبد الحميد إلى أن إثيوبيا نفسها حاولت التصعيد، لأنها أصلاً غير راضية من المواقف السودانية في سدّ النهضة، لا سيما أنها لعبت دوراً سياسياً كبيراً في التوافق بين المدنيين والعسكريين في السودان بعد وساطة رئيس الوزراء آبي أحمد، فهي (أي أديس أبابا) تريد سقوفاً أعلى من المدنيين، متفقاً مع الجميع على استبعاد فرضية الحرب، إنما الأمر عنده كله "محسوب كلعبة سياسية ومحاولة كسب نقاط سياسية سريعة".