هل تؤدي حرب ترامب مع القضاء إلى مأزق دستوري؟

هل تؤدي حرب ترامب مع القضاء إلى مأزق دستوري؟

11 فبراير 2017
يلوح البيت الأبيض بإصدار ترامب قراراً جديداً (وين ماكنامي/Getty)
+ الخط -

تسير ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لا محالة، إلى مأزق مصيري. فقبل أن يمضي عليه شهر في الحكم، اصطدم مع كافة المؤسسات، المفترض أنه يعمل معها: الاستخبارات، وقسم كبير من الكونغرس، ومنه بعض الجمهوريين، وبعض القيادات العسكرية، ولو من دون ضجة، مثل استبعاده لرئيس هيئة الأركان من غالبية اجتماعات مجلس الأمن القومي. والآن يشتبك مع القضاء، بالإضافة إلى معركته المتواصلة مع الصحافة.

وخرج ترامب من غالبية المشكلات من دون ضرر كبير. لكن مواجهته الحالية مع القضاء تبدو خاسرة. وقضت محكمة الاستئناف الفدرالية بتثبيت أمر القاضي المنفرد بوقف تنفيذ قرار ترامب، الذي يمنع دخول رعايا سبع دول إسلامية إلى الولايات المتحدة. على الفور وصف الرئيس قرار المحكمة بانه مسيّس، ورد بالوسيلة التي اعتمدها حتى الآن لإبداء غضبه واستيائه، وشن هجمات على منتقديه، فكتب على "تويتر"، "أراكم في المحكمة، أمن بلادنا على المحك!". وقبل ذلك استهزأ بالقاضي الذي أمر بوقف العمل بقراره.

ويجد ترامب نفسه أمام خيارين، إما التراجع عن قراره بصيغته الراهنة، وهو أمر يبدو أنه غير وارد في حساباته، وإما مواصلة معركته القضائية، عبر مطالبة المحكمة الاستئنافية ذاتها بإعادة النظر في القضية، وهو أمر غير ممكن، لأن المحكمة لن تناقض نفسها، وإما رفع الأمر إلى المحكمة العليا التي قد ترد القضية وترفض النظر فيها لعدم الصلاحية، باعتبار أن البت بمثل هذا النزاع يعود إلى محكمة أدنى. وحتى لو ارتضت النظر فيها، فلا ضمان بخروجها بقرار لمصلحة الرئيس، لأن نصابها، ثمانية قضاة والتاسع شاغر، منقسم مناصفة بين جمهوريين وديمقراطيين، ما يجعل من المتعذر عليها التوصل إلى قرار حاسم. وفي هذه الحالة يصبح قرار محكمة الاستئناف هو الحكم الفاصل، وعلى الرئيس التقيد به. لكن البيت الأبيض يلوح بعدم الخضوع لوقف قرار المنع، من خلال استصدار نص آخر أو التذرع بصلاحيات الرئيس الواسعة في قضايا الأمن القومي. وفي الحالتين، ستكون هناك عودة إلى القضاء الذي لا يحبذه ترامب، ما سيؤدي إلى دوامة مرشحة للتفاقم. ويشدد معسكر ترامب على أن القضاء لم يبت في جوهر القضية، وأن المسألة لم تحسم بعد، إلا أن الرمز خلف هذا القرار يبقى قوياً، ولا سيما أن القضاة الثلاثة، الذين رفضوا بالإجماع استئناف الإدارة، عينهم رؤساء ديموقراطيون وجمهوريون هم جيمي كارتر وجورج بوش وباراك أوباما.


ويزيد من التأزم أن هناك احتقانات تتفاعل، وقد تتداخل مع بعضها البعض لتشكل أزمة، يستعصي حلها. فالرئيس على خلاف علني مع الكونغرس، خصوصاً مع أقطاب جمهوريين، مثل السناتور جون ماكين. وتتصدر العلاقة مع روسيا والعقوبات الأميركية عليها الخلاف بين ترامب وجمهوريين، خصوصاً عندما وضع، أخيراً، أميركا وروسيا في سلة واحدة، عندما لمّح إلى أن بلاده "ليست بريئة" أيضاً من القتل، ما زاد من النقمة عليه.

وكانت العملية الأخيرة في اليمن موضع انتقاد واسع، من باب اعتبارها فاشلة، إذ سقط فيها أحد عناصر القوة الأميركية المهاجمة وعدد كبير من المدنيين اليمنيين، فيما أصر البيت الأبيض على اعتبار العملية ناجحة. ورافق ذلك تزايد التذمر من سلوك الحاشية والمقربين من ترامب، الذي يبدو وكأنه يسخر موقع السلطة من أجل خدمة مصالح العائلة وامبراطورية أعمالها. وكانت أحدث حلقاته، تبرع مستشارة الرئيس، كيليان كونواي، بالدفاع عن ابنة الرئيس في نزاعها التجاري مع إحدى شركات الألبسة. وأثارت كونواي جدلاً جديداً حول تضارب المصالح في البيت الأبيض، عندما دعت الى شراء منتجات إيفانكا التي قرر متجر أميركي كبير وقف بيعها. وكتب النائب عن الحزب الديموقراطي، ايلاجا كامينغز، في رسالة إلى مكتب الأخلاقيات الحكومية، إن "تصريحات كونواي انتهاك على ما يبدو لقواعد السلوك الفدرالية"، وطلب منه درس القضية وإعطاء توصيات. إن مشهد الاشتباكات والتجاوزات والاعتراضات الذي يحيط بإدارة ترامب، يهدد ليس فقط رئاسته، بل أيضاً وصول الحكم إلى مأزق دستوري، لم يعد الحديث عنه في واشنطن مسألة مبالغاً فيها.

المساهمون