ألغاز "لوشاريك" تحيي التساؤلات بشأن سلامة أسطول الغواصات الروسية

ألغاز "لوشاريك" تحيي التساؤلات بشأن سلامة أسطول الغواصات الروسية

06 يوليو 2019
تتميز غواصة "لوشاريك" بسرّية خاصة(Getty)
+ الخط -

أقيمت في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، اليوم السبت، جنازة رسمية لتوديع 14 بحاراً عسكرياً، بينهم سبعة يحملون رتبة عقيد بحري، قضوا في الحريق الذي شبّ في غواصة الاستطلاع النووية "لوشاريك" في أعماق بحر بارنتس في الأول من يوليو/تموز الحالي، ليرقدوا إلى جوار ضحايا حادثة غواصة "كورسك"، التي غرقت عام 2000، والتي تعد أسوأ حادثة تتعرض لها غواصة في التاريخ الحديث.

ولا تزال الكثير من التساؤلات بشأن ملابسات الحادثة من دون أجوبة. كما أعاد الحريق طرح علامات استفهام حول أسطول الغواصات الروسي وحجم المشكلات التي يعاني منها، خصوصاً بعدما سعت روسيا منذ وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم قبل عقدين، لاستثمار مبالغ طائلة في تطوير الجيش وأسطوله البحري، بما فيه أسطول الغواصات الذي بات يضم 13 غواصة نووية مزودة بصواريخ بالستية، و27 غواصة نووية مجهزة بالطوربيد، و19 غواصة "ديزل"، وثماني غواصات نووية ذات مهام خاصة، وغواصة "ديزل" واحدة ذات مهام خاصة، وفق الأرقام الواردة بموقع "فلوت دوت كوم" العسكري.

وخلال السنوات الماضية، لم تعد مهام الغواصات الروسية تقتصر على المياه الإقليمية للبلاد، بل شاركت في العملية العسكرية الروسية في سورية، حيث اُستخدمت لإطلاق صواريخ "كاليبر" المجنحة من حوض البحر الأبيض المتوسط.

إلا أن "لوشاريك" ليست غواصة عسكرية تقليدية، بل تتميز بسرّية خاصة، ومن المهام التي تستطيع تنفيذها، تدمير كابلات الاتصال تحت المائية وزرع نظم التنصت وغيرها من المهام، سواء في أوقات الحرب أو السلم، وفق ما يوضحه المحرر العسكري، إيليا كرامنيك.    

ويقول كرامنيك لـ"العربي الجديد"، إن "الغواصات من هذه الفئة ذات مهام خاصة، وهي تختلف عن غيرها من حيث المواصفات، مثل عمق الغوص والحجم الصغير نسبياً، وكذلك من ناحية التجهيز، إذ لا يتم تزويدها بالسلاح، وإنما بالمعدات المخصصة للعمل على أعماق كبيرة وإطلاق غواصات أخرى أوتوماتيكية".

ولما كان نصف ضحايا الحادثة من أصحاب رتب رفيعة، يشير كرامنيك إلى أن اجتماع مثل هذا العدد من الضباط الرفيعين على متن غواصة واحدة، قد يدل على إعداد الغواصة لمهمة هامة معينة، لافتاً إلى أنه "لا أطقم تضم مثل هذا العدد من الضباط الرفيعين، ومن الواضح أنهم يتبعون لوحدات مختلفة، وربما اجتمعوا في إطار زيارة لجنة ما إلى الغواصة أو مجموعة قيادة التدريبات أو اختبار معدات جديدة. ربما كان يتم إعداد الغواصة لتنفيذ إحدى المهمات المسؤولة، فاجتمع الخبراء من أصحاب رتب رفيعة للتأكد من جاهزيتها". 

وتتميز غواصة "لوشاريك"، التي تمّ تصميمها في الثمانينيات من القرن الماضي، باستقلالية عالية، وإمكانية إجراء مختلف الأعمال على أعماق تصل إلى ستة كيلومترات، كما أنها تتبع للإدارة العامة للبحوث على أعماق كبيرة الخاضعة لوزير الدفاع مباشرة وتتميز بدرجة عالية من السرية وتُعرف كـ"استخبارات تحت مائية".   

وسبق لمسؤولي الاستخبارات الأميركية والبنتاغون، أن حذروا في عام 2015 من أن نشاط الغواصات الروسية بالقرب من الكابلات المائية، قد يدل على خطط روسيا مهاجمة خطوط الاتصال تلك في حال نشوب توتر أو نزاع. 

تعتيم على المعلومات

على الرغم من التعتيم الذي تفرضه موسكو على تفاصيل الحريق بغواصة "لوشاريك"، إلا أن الصحافة الروسية والخبراء العسكريين الروس واصلوا التساؤل حول ملابسات الواقعة ومهام تلك الغواصة عالية السرية.

وذكرت صحيفة "إزفيستيا" أن طاقم الغواصة كان يجري مسحاً لقاع البحر، ويجتاز اختبارات السير المستقل، متسائلة عما إذا كانت أمام البحارة فرصة النجاة.

ورأى الخبير العسكري، فلاديسلاف شوريغين، في حديث لـ"إزفيستيا"، أن الطاقم كانت أمامه فرصة لمغادرة وحدة الغواصة فور رصد الاشتعال، لكنهم قرروا إجلاء الفرد المدني فقط، وواصلوا الكفاح من أجل إنقاذ الغواصة.

وقال شوريغين: "عند مكافحة الحريق، يتم عزل الوحدة ويحظر فتحها حتى الانتهاء من عملية الإخماد. ولكن بحاراً ذا خبرة، تمكن من فتح البوابة والدفع بالفرد المدني عبرها، ثم إغلاقها مرة أخرى. بعد ذلك، كافح الضباط لساعة ونصف الساعة من أجل إنقاذ الغواصة".

وفي ما يتعلق بأسباب مثل هذه النتائج الكارثية للحريق بـ"لوشاريك"، اعتبر الضابط البحري الاحتياط، مكسيم كليموف، في صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا"، أن اختناق مثل هذا العدد من الأفراد دفعة واحدة ما كان له أن يحدث إلا في حال عدم ارتدائهم أجهزة التنفس المحمولة، أو عدم تمكنهم من اللجوء إليها قبل فوات الأوان.

وفي مقال بعنوان "فاجعة مبرمجة في بحر بارنتس"، حذر كليموف من أن الحادثة تكشف عن وجود مشكلات نظامية كبيرة بأسطول الغواصات الروسية، بما في ذلك في مجال التدريب على سلامتها.  

وخلص كاتب المقال إلى أن الخطر هو عامل لا مفر منه في خدمة البحارة تحت سطح الماء، ولكنه يجب أن يقتصر على "الصدف الحتمية في البحر"، وليس نتيجة للمشكلات النظامية بقطاع بناء الغواصات أو في مجال تدريب الأطقم.

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد كشفت يوم الثلاثاء الماضي، عن مقتل 14 بحاراً بحريق بغواصة أبحاث مخصصة لدراسة الفضاء الطبيعي وقاع المحيط العالمي لصالح الأسطول البحري الحربي الروسي.

وفي اليومين التاليين، أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، عن بعض تفاصيل الواقعة، مؤكداً على سلامة المعدات النووية بالغواصة.

وتعد هذه أسوأ حادثة من حيث عدد القتلى تتعرض لها غواصة روسية منذ واقعة الغواصة النووية "نيربا" في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، حين أسفر تشغيل عرضي لنظام الإطفاء عن ضخ غاز الفريون، ما أدى إلى مقتل 20 شخصاً وإصابة 21 آخرين.

أما أسوأ حادثة في التاريخ الحديث، فتعود إلى أغسطس/آب 2000، حين لقي 118 بحارا روسياً مصرعهم جراء غرق الغواصة النووية "كورسك" في بحر بارنتس أيضا على بعد 137 كيلومترا من مدينة سيفيرومورسك الشمالية. وتجاوز غرق كورسك آنذاك نطاق حادثة عسكرية، متسببا في أزمة سياسية حقيقية وانتقادات للامبالاة بوتين الذي كان في ذلك الوقت في إجازته، ولم يقطعها سوى بعد مرور بضعة أيام.  


دلالات

المساهمون