"المركز العربي" يفتتح ندوة التحوّل من "السلاح إلى السلام"

"المركز العربي" يناقش التحوّل من "السلاح إلى السلام" في العمل السياسي

03 نوفمبر 2018
الدكتور عزمي بشارة افتتح الندوة (معتصم الناصر)
+ الخط -
افتتح المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، الدكتور عزمي بشارة، اليوم السبت، في مقر المركز بالعاصمة القطرية الدوحة، ندوة "من السلاح إلى السلام: التحوّلات من العمل السياسي المسلّح إلى العمل السياسي السلمي".

وتناقش الندوة، على مدى يومين، 26 حالة تحوّل من منظمات مسلحة إلى أحزاب سياسية أو حركات اجتماعية سلمية، يتناولها أكاديميون وباحثون متخصصون وسياسيون وقادة لهذه التحوّلات. وتمثّل الحالات القارات الأربع: آسيا (الشرق الأوسط)، وأفريقيا (شمال الصحراء وجنوبها)، وأوروبا (الجنوبية والغربية)، وأميركا اللاتينية والكاريبي؛ وذلك في كل من الجزائر وسورية والعراق ولبنان وليبيا ومصر وفلسطين في العالم العربي، وإسبانيا وإثيوبيا وأفغانستان وأفريقيا الوسطى والأوروغواي وتركيا وتشيلي وجنوب أفريقيا وكوبا وكولومبيا ومالي، والمملكة المتحدة ونيكاراغوا.

وتُعدّ الندوة الأولى من نوعها في المنطقة العربية، من ناحية المضمون العلمي، إذ تبحث في حالات الانتقال من العمل السياسي المسلّح إلى النشاط السياسي غير المسلّح، من خلال نماذج مختلفة من العالم، ومن ناحية الخبرات السياسية والأكاديمية المشاركة في أعمالها عبر أوراق ودراسات علمية معمّقة.

وتستضيف الندوة مجموعة من قادة عمليات التحوّل من السلاح إلى السلام، ليقدموا شهاداتهم حول مسارات هذه التحوّلات وأسبابها ومعوِّقاتها.

مصطلح الإرهاب

وقدّم بشارة، خلال افتتاح الندوة، محاضرة بعنوان "أربع ملاحظات في موضوع التحول من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي"، أشار في مقدّمتها إلى أنّ هذا الموضوع يتطلب مقاربة منهجية تكاملية ومركبة الأبعاد في العلوم السياسية وعلم الاجتماع والتاريخ الراهن.

وقال إنّ الأنظمة السياسية تعرّف الإرهاب "بهويّة الفاعل وليس بهوية الضحيّة؛ أي ليس المهم، بالنسبة للدولة، في تعريفه الذي يميّزه تحليليًا عن أشكال العنف الأخرى حقيقة، أنّه عنف يستهدف المدنيين الأبرياء لأغراض سياسية، بل أصبح المهم (بالنسبة للدول) هو أنّ مرتكب فعل العنف كائنٌ غير رسمي (غير حكومي) بغض النظر عن هوية الضحية، سواء أكانت من المدنيين أم من الجنود ورجال الأمن".

واستشهد بشارة، بهذا الخصوص، بجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، للإشارة إلى تعريف الأنظمة السياسية لمصطلح "الإرهاب"، قائلاً "حتى لو قام نظام باستهداف صحافي مدني بالقتل لأغراض سياسية بعد استدراجه إلى قنصليته، فهذا لا يعتبر عملية إرهابية"، بالنسبة لهذه الأنظمة.

قبل أن يضيف: "لم أسمع أن أحداً من السياسيين استخدم مصطلح الإرهاب بشكل مفرد في وصف هذا الفعل، على اعتباره من مظاهر إرهاب الدولة، وهذه فضيحة بحدّ ذاتها".

من جهة ثانية، أوضح بشارة أن مصطلح "العمل السياسي المسلّح" أصبح يشمل حصرًا التنظيمات التي تتبناه، ويستثني الدولة، حتى لو تحولت قواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية إلى ما يشبه المليشيا المسلحة التي لا يحكمها قانون في صراع مع شعبها سوى الحفاظ على النظام القائم بغض النظر عن الوسائل.

وعرض بشارة ما حصل في العراق والسودان (في الماضي) إلى جانب عدد من الدول التي تستخدم مليشيات، قائلاً "كما شهدنا جيوشاً تتحول إلى مليشيات، كما حصل للنظام السوري ونظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي حين أصبحا في سلوكهما أشبه بالمليشيات المسلحة الأكبر في البلاد، مع الفرق أن الفاعل السياسي يحظى باعتراف دولي حسب مفهوم السيادة "البوتيني" الذي بموجبه تتجسد السيادة، بل تنحصر، في النظام السياسي لا في الدولة، والآخرون غير معترف بهم".

وقدّم بشارة في محاضرته بعض الملاحظات المتعلقة بمنهجية الرؤية والمعالجة البحثية، ففي عرضه للملاحظة الأولى، رأى بشارة أن أسوأ ما جرى لهذا الموضوع بوصفه موضوعاً للدراسة والبحث هو أنّه يُقارَب منذ بداية قرننا الحالي من زاوية ما نمّطته تسمية "الحرب على الإرهاب" وما أفرزته من أفكار وسياسات عملية، ما عرقل دراستَه بمنهجٍ علمي، وأخضعه إلى أجندات سياسيّة مباشرة من دول كبرى وأنظمة إقليمية ومحلية دخلت في لعبة تبادل المصالح في شراكات واتفاقات، أو معاهدات حول ما يدعى "محاربة الإرهاب".

أما الملاحظة الثانية، فتكمن، وفقاً للمفكر العربي، في مقاربة الموضوع تحت العنوان العام "الانتقال من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي"، وأكد بشارة أنه لا يجب أن تُطمس الفوارق بين أنواع العمل المسلح وأنواع العمل السياسي السلمي، "والعلوم السياسيّة، في سعيها للتخلص مما تسميه أحكام القيمة، غالبًا ما تنزلقُ إلى عدم التمييز بين سلاحٍ وآخر.

بينما جادل بشارة في الملاحظة الثالثة البحث في موضوع الانتقال إلى السلم ضمن إطار فروع العلوم السياسية المقارنة، فهي جميعها تبحث في الانتقال، وهو بحث تيليولوجي، أي أن غايته الوصول إلى السلم. ومهما أنكر العاملون فيه والمهتمون به انحيازاتهم، فإنهم منحازون غالبًا إلى ما ينظّرون للانتقال إليه بأدوات العلوم الاجتماعية.


من مسلحين إلى سلميين

بدوره، قدم رئيس برنامج الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا، ومنسق الندوة عمر عاشور، دراسة بعنوان "من مسلحين إلى سلميين: كيف ولماذا تتحول الجماعات المسلحة إلى النشاط السياسي اللاعنفي؟".

واستعرض عاشور في بداية الدراسة فكرة الندوة وأهدافها البحثية التي تتركز في توفير إطار نظري جامع للمداخلات المقدمة خلال الجلسات المختلفة، وطرح أهم الأسئلة النظرية والعلمية التي تشتبك معها الأوراق البحثية.

وانتقل بعدها إلى أهم الخلاصات العلمية للأجندة البحثية الخاصة بالتحولات من النشاط السياسي المسلح إلى النشاط السياسي السلمي. وعرض ما وصلت إليه الدراسات في ما يخص كيفية حدوث تلك التحولات وأسبابها، وشروط البدء والاستمرارية.

كما تناول ما ينقص الأجندة البحثية في هذا المجال، وإمكانية تحديثها وتطويرها، وكيف يمكن أن تؤثر إيجاباً في صياغة سياسات رسمية تساعد على دعم التخلي عن العنف والتطرف واستمراره والتحول نحو السلمية والسلام.


محاورة المسلحين

من جهته، قدم المفاوض الحكومي الأول لتنظيم "القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) – FARC"، فرانك بيرل، دراسة بعنوان "محاورة المسلحين: ملاحظات حول تنظيم القوات المسلحة الثورية "الفارك" واتّفاقات السلام الكولومبية".

وحملت الشهادة خبرة بيرل الشخصية في الحوار والتفاوض مع التنظيمات الثورية المسلحة في كولومبيا، وكيفية تحولها من السلاح إلى السلام، وتحديات بدء عملية التحول نحو النشاط السياسي السلمي، لا سيما أنه بدأ مسيرته المهنية في الحكومة الكولومبية عام 2006 بدور بارز في إطلاق عملية دمج المقاتلين السابقين الذين كانوا ينتمون إلى مجموعات مسلحة وشبه المسلحة في كولومبيا.

وفي عام 2009، أجرى بيرل اتصالات سرية أدت إلى إرساء عملية السلام مع جماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) وجيش التحرير الوطني، كما شارك ضمن الفريق الحكومي الكولومبي الذي وقع على اتفاقية السلام مع جماعة "الفارك".

حالات عربية

وركزت أعمال الجلسة النقاشية الأولى من الندوة على دراسة حالات عربية في كل من مصر والعراق وسورية.

وقدم أستاذ العلوم السياسية المشارك في برنامـج العلوم السياسية والعلاقات الدولية في "معهد الدوحة للدراسات العليا"، خليل العناني، دراسة بعنوان "تحولات جماعة "الإخوان المسلمون" في مصر: جدل العلاقة بين القمع والعنف والمراجعات".

وعالج العناني في دراسته العلاقة بين القمع الذي تتعرض له الحركات الاجتماعية المعارضة للسلطة، من خلال نموذج الإخوان المسلمين في مصر، واستجابة أعضاء تلك الحركات لهذا القمع.

كما حاولت الدراسة تجاوز الأطروحات والافتراضات الكلاسيكية والمختزلة حول العلاقة بين القمع والعنف إلى البحث في أسباب اختلاف استجابة أعضاء الحركات الاجتماعية للقمع.

جيش المهدي

في السياق ذاته، قدم الباحث في "المركز العربي" حيدر سعيد، دراسة حول "جيش المهدي" في سياق ظاهرة ما بعد الحزب".

وحاجج سعيد بأن جيش المهدي لم ينشأ بوصفه "ذراعاً مسلحة لتنظيم سياسي"، وأن العلاقة بينه وبين "التيار الصدري" هي ليست كالعلاقة التقليدية بين الأحزاب الإيديولوجية التي تنشأ ثم تؤسس لها لاحقاً ذراعاً عسكرية، بل إن الاثنين نشأا معاً.

ويرى الباحث العراقي أن "جيش المهدي يشكل إطاراً واسعاً وفضفاضاً لمجموعة من الوظائف، فهو مليشيات، وتنظيم سياسي، وهو مؤسسة خدمات".

في حين، يرى كثير من الباحثين أن النفوذ السياسي لـ"التيار الصدري" يتحقق من خلال ذراعه المسلحة، إلا أن الأطروحة الأساسية في هذه الدراسة هي أن "التيار الصدري تطور بالاتجاه المعاكس، وأن مساره السياسي نما بإضعاف الفصيل المسلح، وليس تقويته، أي أن المليشيات عُزلت لصالح الحزب، ولم يقو الحزب من خلال قوتها".



الحركات الإسلامية السورية

أما المداخلة الثالثة فقدمها الباحث في "المركز العربي"، حمزة المصطفى بعنوان "من السلاح إلى المفاوضات: تقييم تحولات الحركات الإسلامية السورية: دراسة مقارنة بين "أحرار الشام"، و"جيش الإسلام"، و"فيلق الشام".

وعرض المصطفى في دراسته التغيرات الخطابية والسلوكية والهيكلية التي مست الحركات الإسلامية المسلحة في سورية منذ التدخل الروسي في 2015 وتغير موازين القوى لمصلحة النظام السوري. وركز الباحث على نماذج "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" و"فيلق الشام" في محاولة لاستقصاء آليات عملها السياسي ومحدداته وسياقاته الظرفية والبنيوية، وتقييم مدى تأثيرها في استراتيجيتها الراهنة والمستقبلية.

تجارب في أوروبا

عُنيت الجلسة الثانية من أعمال اليوم الأول بحالات الانتقال في أوروبا، وعالجت المداخلة الأولى التي قدمها المحاضر في الأمن الدولي بجامعة ليدز البريطانية، غوردون كلوب تحت "عنوان انسحاب أم هزيمة؟ كيف انتقل الجيش الجمهوري الإيرلندي من السلاح إلى السلام"؛ حالة الجيش الإيرلندي والانتقال الحاصل ما بعد اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998.

ونص اتفاق الجمعة العظيمة، بحسب المحاضر، على دعوة البروتستانت إلى تقاسم السلطة السياسية في إيرلندا الشمالية مع الأقلية الكاثوليكية وإعطاء جمهورية إيرلندا رأيا في شؤون إيرلندا الشمالية، وبالتالي وضع حد للنزاع في صورة نهائية، وتحقيق التعايش السلمي بين طوائف إيرلندا الشمالية، وبينها وبين جمهورية إيرلندا.

أما المداخلة الثانية فعرضها لنيك هاتشين بعنوان "التحولات بعد الهزائم؟ منظمة إيتا (أرض الباسك والحرية) في إسبانيا نموذجًا".

وركزت دراسته في بحث أسباب وظروف تحول "إيتا" من حركة انفصالية عنيفة إلى حركة سلمية. كما طرح في الدراسة تأثير سياسة مكافحة الإرهاب، إضافةً إلى النقاش الداخلي ضمن منظمة إيتا نفسها، في التحوّل ضمن الحركة الانفصالية.

وقدم مدير الدراسـات الأمنية في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة، مراد يشلتاش دراسة حملت عنوان "عندما لا تكون السياسة كافية: فهم فشل انتقال حزب العمال الكردستاني من النشاط المسلح إلى النشاط السياسي غير المسلح".

وعرض في الدراسة العلاقات بين الهوية والأمن والسياسة؛ كمدخل لفهم أسباب فشل عملية الانتقال من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي لحل القضية الكردية، ولإجراء تعديلات على حزب "العمال الكردستاني" في تركيا.

وركز الباحث على مسألة سياسات الهوية وعوامل الأمن، وكيف أسفرت عن معضلة أمنية دائمة بين تركيا والحزب.

أميركا اللاتينية والكاريبي

وتعالج الجلسة الثالثة من أعمال الندوة، حالات الانتقال من السلاح إلى السلام في أميركا اللاتينية والكاريبي. وتقدم خلال هذه الجلسة أربع دراسات تنوعت مواضيعها ومناهجها ونماذج التحول المدروسة خلالها.

الورقة الأولى لأستاذ التاريخ في جامعة "الجمهورية" في مونتفيديو بالأوروغـواي، ألدو مارشيسيه وتتناول "تحولات بعد الهزيمة: حالات حركة التوباماروز في الأورغواي واليسار المسلّح في تشيلي والأرجنتين". وحاول من خلالها التوصل إلى نموذج تفسيري مركب لنجاح التنظيمات السياسية المسلحة سابقاً في بلدان جنوبي أميركا اللاتينية في التكيف مع الأنظمة الديمقراطية الجديدة خلال ثمانينيات القرن الماضي.

وفي السياق ذاته، تقدم الكاتبة والصحافية الكولومبية، ماريا جيمينا دوزان دراسة حول "إعادة الدمج السياسي للمقاتلين المسرَّحين في كولومبيا". وتعرض دوزان في بحثها نموذج "الفارك" في كولومبيا وعمليات التفكيك المبرمج الذي تعرضت له من الحكومة الكولومبية وما تلا ذلك من تسريح لمقاتليها وتحول جزء منهم إلى العمل السياسي.

أما المداخلة الثالثة التي حملت عنوان "من الحركة الثورية إلى الدولة الثورية: حالة كوبا"، يحلل فيها نائب مدير "مركز الأبحاث للسياسات الدولية والاستراتيجية في هافانا"، سنتياغو بيريز السياق الذي تشكّلت فيه حركة "26 يوليو" الثورية في كوبا.

ويستعرض بيريز ملامح الحركة والتقاليد السياسية للنشاطات الثورية الكوبية التي استمدت منها سلوكها.

كما يعالج الباحث سياق انتصار الحركة الثورية والتحولات التي حققتها الدولة الثورية في حقل الثقافة السياسية والتعبئة والأيديولوجيا والميادين الاجتماعية والتنظيمية، ومنها القطاعان العسكري والأمني.

واختتمت أعمال الجلسة الثالثة ببحث قدمه روبرتو كاخينا بعنوان "روح التغيير في جيش نيكاراغوا: ثلاث مراحل وثلاث هويات مختلفة"، حاول فيها الباحث تأطير المراحل المختلفة لتطور مؤسسة الجيش في نيكاراغوا وأسبابها والبيئة السياسية والاقتصادية المحيطة بها.

وتستأنف الندوة أعمالها غداً الأحد، وتعقد ثلاث جلسات نقاشية تتناول "أفريقيا" و"التحوّلات في العالم العربي"، ثم الجلسة النقاشية الختامية.