دفاع ترامب عن بوتين: الحيرة الأميركية تكبر

دفاع ترامب عن بوتين: الحيرة الأميركية تكبر

21 فبراير 2018
ترامب خاضع لتأثير بوتين (ميخائيل كليمنتييف/فرانس برس)
+ الخط -
مرّت يوم الإثنين الماضي، ذكرى ميلاد الرئيس الأميركي الأول جورج واشنطن، كان يوم إجازة، من دون احتفالات ولا حتى ذكر للرئيس المؤسس، سوى في استطلاع أجري بين 170 من أعضاء "جمعية العلوم السياسية الأميركية"، احتلّ فيه واشنطن المرتبة الثانية بعد الرئيس أبراهام لنكولن وجاء فرانكلين روزفلت في المرتبة الثالثة، في حين أتى الرئيس دونالد ترامب أخيراً قبل الرئيس جيمس بيوكانن الذي طالما احتفظ بالمرتبة الأخيرة في القائمة التراتبية للرؤساء الأميركيين.

المداولات والأضواء كانت من نصيب موضوع الساعة: روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين. وهو موضوع فرضته آخر تطورات التحقيقات الروسية التي انتهى إليها المحقق روبرت مولر في إدانته يوم الجمعة الماضي لـ13 روسياً بتهمة "العمل غير المشروع على الساحة الأميركية لتوجيه خيارات الناخبين الأميركيين والتشويش على العملية الانتخابية وصدقيتها". حضور هؤلاء بذرائع ووثائق مضللة إلى أميركا وتقديم أنفسهم خلال تواصلهم مع العامة على أنهم أميركيون، كان لغرض "إشاعة البلبلة ونشر أجواء عدم الثقة بالمرشحين وبالنظام السياسي خلافاً للقانون"، حسبما جاء في التهمة.

الإدانة قد تكون بمثابة "تمهيد للكشف عن تواطؤ ثم عن محاولة لعرقلة سير العدالة"، حسبما ذكر مرجع قانوني. كما كشفت عن التدخل الروسي وأسقطت الادعاء بأنه "خدعة مفبركة". وقد عززت ذلك، شهادة مدراء أهم ثلاث وكالات استخبارات أميركية: وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي إيه)، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) ووكالة الاستخبارات الوطنية، أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ يوم الأربعاء الماضي، الذين أكدوا بأن التدخل جرى وما زال والآن يستهدف انتخابات الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ثم انضم إليهم مستشار الرئيس الجنرال هربرت مكماستر في كلمته التي ألقاها يوم السبت الماضي، في مؤتمر ميونخ الأمني، في ألمانيا، بقوله إن "حصول التدخل الروسي أمر لا يقبل الجدل". وهو اعتراف سارع ترامب إلى الرد عليه بصورة لا يخفى فيها انزعاجه من مستشاره.

كما باشر مولر التحقيق في مساعٍ قام بها مستشار الرئيس، صهره جاريد كوشنر، لجذب مستثمرين أجانب ولا سيما من روسيا والصين لتأمين التمويل لشركته العقارية خلال الفترة الانتقالية بين انتخاب ترامب وتنصيبه، حسبما ذكرت شبكة "سي.إن.إن". وكانت تقارير سابقة ذكرت أن تحقيق مولر يتركز فقط على اتصالات كوشنر في روسيا، وتحديداً في ما يتعلق بتحليلات بيانات الحملة وعلاقات كوشنر بمستشار الأمن القومي مايك فلين، الذي أُجبر على الاستقالة وقد وُجّهت إليه التهمة رسمياً في هذه القضية. ويحقق فريق مولر في محادثات كوشنر خلال الفترة الانتقالية للحصول على تمويل لشركة "كوشنر كومبانيز" المالكة لمبنى المكاتب 666 على الجادة الخامسة في نيويورك بعد انتكاسات مالية. ووالد كوشنر هو مؤسس شركة التطوير العقاري.

كما أدى كوشنر دوراً بارزاً في اتصالات فريق الفترة الانتقالية مع حكومات أجنبية، ولمّح إلى أنه تحدث إلى أكثر من 50 جهة من أكثر من 15 دولة. وبعد أسبوع على انتخاب ترامب في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، التقى كوشنر برئيس مجلس إدارة مجموعة "إنبانغ" الصينية للتأمين ومسؤولين آخرين فيها، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز". وكان كوشنر ورئيس مجلس إدارة "إنبانغ"، وو شياوهوي، على وشك التوصل إلى اتفاق كانت مجموعته ستستثمر بموجبه في المبنى 666 على الجادة الخامسة، لكن المحادثات فشلت، وفقاً لـ"نيويورك تايمز". واشترى كوشنر المبنى في 2007 لقاء 1.8 مليار دولار، لكن الأزمة العقارية تسببت بانتكاسات مالية للبرج، ما دفع بشركة "فوناردو ريالتي تراست" إلى شراء 49.5 في المائة من أسهمه في عام 2011. كما التقى كوشنر أيضاً خلال الفترة الانتقالية بسيرغي غوركوف رئيس مجلس إدارة مصرف "فينشيكونوموبنك"، لكنه قال في إفادة أمام الكونغرس إن "اللقاء كان لأسباب رسمية حكومية"، غير أن "المصرف قال إن المحادثات كانت جزءاً من سلسلة اجتماعات عمل". 


لكن الأهم من الانزعاج هو المدى الذي بلغته الخلافات ليس فقط في واشنطن، بل داخل الإدارة حول الدور الروسي. كل مسؤولي وكالات الاستخبارات الذين جاء بهم الرئيس فضلاً عن مستشاره مكماستر، على الطرف النقيض للرئيس في هذا الملف، ومعهم قيادات من الجمهوريين في الكونغرس. بذلك بدت واشنطن وكأنها في حالة اشتباك مع نفسها: الجميع رفع الشكوى بحق روسيا، لكن ليس هناك من خطوات رادعة لتدخلها.

مع العلم أن الكونغرس أقرّ قبل أيام حزمة عقوبات على موسكو، لكن الرئيس استمهل تنفيذها. موقف طرح تساؤلات حول السبب الذي منع ترامب من التحرك والتصدي لموسكو. "أمر يدعو إلى الخوف" وفقاً للمؤرخ الرئاسي مايكل باشلوس، فعزوف ترامب عن المبادرة في هذا المجال خلق معادلة بدا معها وكأن بوتين يتحكم باللعبة.

الدور الروسي عطّل الدور القيادي الأميركي، حسب العديد من القراءات، خصوصاً تلك التي تابعت مؤتمر ميونخ الأمني، الذي حاول مكماستر خلاله طمأنة الحلفاء الأوروبيين، وحثهم على "التكاتف ضد الخصوم"، لكن بلا جدوى. تحالف جانبي الأطلسي مهدد بالتآكل. الخطاب الأوروبي في المؤتمر لمح إلى ذلك، حسبما رأى رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس. جزء من هذا الاهتزاز متصل بالتباس مواقف واشنطن من موسكو، وبالتحديد من بوتين الذي قال خصوم الرئيس، تحديداً في الكونغرس، بأنه "يساعده ولو من غير قصد على تحقيق مآربه، ومنها تأليب واشنطن على بعضها البعض وتعميق الشرغ بينها وبين حلفائها الأوروبيين". إدانة الروس زادت من عزلة البيت الأبيض ووضعت الرئيس في موقف دفاعي بحت. والعطب الأساسي في هذا الموقع أنه دافع وإن بطريقة غير مباشرة عن بوتين. وفي ذلك وصفة للمزيد من البلبلة والالتباس في واشنطن وبما انعكس بصورة مضطربة على صياغة قراراتها ورسم سياساتها.