تصنيف السعودية كـ"شريك رئيسي" يقرّب بين ديمقراطيي وجمهوريي أميركا

تصنيف السعودية كـ"شريك رئيسي" يقرّب بين ديمقراطيي وجمهوريي أميركا

06 يونيو 2019
احتضان أميركي تام للسعودية (Getty)
+ الخط -
في زمن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نادراً ما التقى الجمهوريون مع الديمقراطيين في الكونغرس على شيء كما يلتقون حول الاعتراض على "الامتياز الخاص" الذي تحظى به السعودية لدى البيت الأبيض، خصوصاً بعد جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي التي تحولت إلى محطة فارقة تردد بعدها بأن "زمن التعامل المألوف مع المملكة قد انتهى". لكن ذلك الزمن في الواقع لم ينته، بل تطور إلى وضع خاص. فالإدارة حوّلت العلاقة إلى احتضان تام للسعودية بحجة أنها "شريك رئيسي". أو كما يقول ترامب لأنها "مشترِِ" كبير من الولايات المتحدة.

تصنيف ترامب هذا أثار تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة. حيثياته غير المتماسكة بدت كواجهة لعلاقات أخرى وكذريعة لتغطية الرياض في مقتل خاشقجي وفي حرب اليمن كما في موضوع حقوق الإنسان واعتقال ناشطات سعوديات. وفي كل مرة كانت تعلو فيها أصوات الاحتجاج في الكونغرس على هذه السياسة، كان الرئيس الأميركي يطوقها لأنه يمون على الجمهوريين لمنع تحولها إلى قانون ملزم يحظى بالأغلبية من الحزبين في مجلسي الشيوخ والنواب.


في إبريل/نيسان الماضي، تحدّت هذه الأغلبية الرئيس وصوتت على مشروع قانون لوقف الدعم الأميركي لحرب السعودية في اليمن. لكن ترامب أسقطه بالفيتو الذي تراجع الجمهوريون عن تأمين أكثرية الثلثين لكسره. الآن تتحرك هذه الأكثرية استعداداً لجولة جديدة من تحدي البيت الأبيض. هذه المرة موضوع الاحتجاج أوسع يشمل صفقة سلاح كبيرة للسعودية والإمارات وتزويدهما بالتكنولوجيا النووية. والنقمة أكبر لأن الإدارة تفردت بالقرار من وراء ظهر الكونغرس. أعلنت حالة طوارئ لبيع الأسلحة بأمر رئاسي تنفيذي لتتحاشى طلب موافقة هذا الأخير المشبع بالنفور من السعودية.

كما تبيّن أن واشنطن، بعد تصفية خاشقجي بأسبوعين، سمحت لشركتين في مجال الصناعة النووية بتزويد السعودية بمعدات لبناء مفاعلين للأغراض المدنية. وحصل ذلك من دون التشاور مع المؤسسات الأميركية المعنية ومنها لجنة تنظيم الطاقة النووية. وجرى التزويد بالرغم من عدم توفر شرط انضمام المملكة إلى اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية. هذا الالتفاف على الأصول والقواعد المرعية، دعم موقف المعترضين ومنهم قيادات من الجمهوريين في مجلس الشيوخ، على معاملة المملكة بصورة متميزة. من جهة لأنها ليست "الشريك الرئيسي"، ومن جهة ثانية لأن مثل هذا التعاطي يعكس "حالة ضعف تجاه المال"، حسب السناتور كريس مورفي الذي حذّر من عواقب الاستمرار في تسليح المملكة، إذ إن من شأن هذه السياسة دفع إيران "لمواصلة مشروعها النووي".

وما عزز حركة الاعتراض أن ترامب قد دأب في الآونة الأخيرة على التمادي في استخدام صلاحياته التنفيذية على حساب الكونغرس من خلال إعلانه حالة الطوارئ من غير مبرر. لجأ إليها كوسيلة لتمرير صفقة السلاح للسعودية. وقبلها لتمويل جزء من الجدار الحدودي مع المكسيك، ومؤخراً لفرض تعرفة إضافية تصاعدية ابتداء من 10 الشهر الجاري على البضائع المستوردة من المكسيك، إذا لم تعمل هذه الأخيرة على وقف موجات اللاجئين والمهاجرين عبر حدودها مع الولايات الأميركية.


ممارسة حرّكت الدعوات لوقف تفاقم الخلل في التوازن بين السلطات، كما لمنع ولادة "رئاسة إمبريالية" يحذر منها المحللون منهم أستاذ التاريخ جوزف بارّوت. كما حرّكت معارضة قوية ضدها في الكونغرس. وبالذات في صفوف الجمهوريين الذين لوّح قسم كبير منهم بعزمه على التصويت على قرارات لوقف إجراءات التعرفة وصفقة السلاح. وإذا كان من المرجح أن يتراجع ترامب لأسباب انتخابية، عن التعرفة عبر تسوية مع وزير خارجية المكسيك الموجود الآن في واشنطن، إلا أنه من المستبعد أن يفعل ذلك بالنسبة لصفقة السلاح. فهو يعرف أن الجمهوريين لن يذهبوا بعيداً في التحالف مع خصومه الديمقراطيين في الكونغرس لإسقاطها، خصوصاً إذا استجاب للضغوط وتنازل في المشكلة مع المكسيك التي لا يستبعد أن يكون قد افتعلها لمقايضتها بتمرير صفقة السلاح التي كشف الجدل حولها مدى العطب الذي أصاب علاقة المملكة مع أصحاب نصف القرار في واشنطن.