عامان على سقوط الموصل: الموت والدخان يخنقان المدينة

عامان على سقوط الموصل: الموت والدخان يخنقان المدينة

10 يونيو 2016
اختفت القوات العراقية قبل سقوط الموصل بيد "داعش"(فرانس برس)
+ الخط -

في مثل هذا اليوم قبل عامين كانت نداءات الاستغاثة تنطلق من وسط الموصل العراقية إلى مقر قيادة الجيش في بغداد، تطالب بإرسال دعم وتعزيزات للمدينة قبل سقوطها بالكامل بيد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). 

تكشف إحدى البرقيات أن الجانب الأيسر من المدينة سقط بيد بضع عشرات من "داعش"، وأن قوات الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، الذي كان يشرف عليه آنذاك بشكل مباشر أحمد نوري المالكي، نجل رئيس الوزراء السابق، هربا من وحداتهما.

يوضح النقيب المقال حسن الحمداني، في استرجاعه لذكريات سقوط المدينة: "كانوا بضع عشرات. كان يمكن صدهم، لكن الموضوع كان عبارة عن تجربة داخل مختبر حكومة المالكي، بدأها ولم يعرف بالنهاية السيطرة عليها، وكله يتعلق بالانتخابات والسعي للانتصار على خصومه الأكراد والسنة، فضلا عن معاقبة أهل الموصل".


ويضيف الحمداني، في تصريح لـ"العربي الجديد" هو الأول له مع وسائل الإعلام، أن "المدينة سقطت مساء بشكل كامل، في الوقت الذي اختفى الجيش والشرطة والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب، ووحدة العمليات الخاصة، وقوات الطوارئ، ومجموعهم 60 ألف مقاتل، تاركين خلفهم معدات وأسلحة عسكرية متطورة تقدر بمليارات الدولارات، كلها صارت بيد "داعش""، قبل أن يشدد: "أهالي الموصل لم يخونوا مدينتهم، ومن خانها هو من تولى أمر أمنها وجرد الناس حتى من بنادق الصيد، ثم هرب".

ولتحديد المسؤوليات في ما جرى على نحو دقيق، أنهت لجنة تحقيق عراقية أعمالها في أغسطس/ آب من العام الماضي، حيث خلصت إلى اتهام رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، بالتسبب في سقوط الموصل بيد التنظيم، وارتكاب جرائم تدخل ضمن المادة 159 في الدستور ( الخيانة العظمى)، كما أمرت اللجنة بوضع 41 ضابطا ومسؤولا عراقيا قيد الإقامة الجبرية، والبدء في محاكمتهم عسكريا، إلا أن أيا من المتهمين لم يحالوا إلى القضاء، ولم يتم استدعاؤهم بسبب خضوع الجهاز القضائي العراقي لسيطرة الأحزاب الحاكمة.

وكان تنظيم "الدولة الإسلامية" قد سيطر، في يونيو/ حزيران من العام 2014، على مدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى، بعد انسحاب قوات الجيش العراقي دون معارك، لتتهاوى باقي مدن شمال العراق خلال أربع وعشرين ساعة، مثل تكريت والشرقاط وبيجي والحويجة، ثم امتدت سيطرة "داعش" إلى مدن غرب البلاد، وأعالي الفرات، في مساحة تعدل أكثر من ثلث العراق.

ما جرى بالموصل وباقي المناطق أدخل العراق في فوضى كبيرة، دفع ثمنها العراقيون وما زالوا، صاحبتها أعمال انتقام وعنف طائفية نفذتها مليشيات "الحشد الشعبي"، من خلال عمليات قصف عشوائي للجيش العراقي على المدن، تسببت بخسائر بشرية كبيرة، وخلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ونحو أربعة ملايين نازح، فضلا عن آلاف المفقودين، وخسائر مادية كبيرة تقدر بأكثر من 40 مليار دولار بالبنى التحتية.

بعد أن تمكن من الأرض بعد انسحاب القوات العراقية، أعلن التنظيم الموصل عاصمة "خلافته الإسلامية" في العراق، قبل أن يبدأ بسلسة جرائم مروعة، مثل سبي النساء من الديانة الأيزيدية، وتهجير العراقيين المسيحيين، ومصادرة منازلهم، وتنفيذ عمليات إعدام جماعية لمواطنين وسياسيين ورجال أمن، وأعضاء بـ"الحزب الإسلامي العراقي"، الجناح السياسي لحركة "الإخوان المسلمين" بالعراق.

وكان من نتائج سيطرة "داعش" على تلك المناطق نزوح نحو ثلاثة ملايين مواطن من المدينة قاصدين بغداد، لينتج عن ذلك مأساة أخرى عندما منعت الحكومة دخول سكان الموصل والأنبار إلى العاصمة، وطالبتهم بالتكفيل، وهو إجراء يشبه الحصول على تأشيرات الدخول بين الدول، لكن الأمر نفذ ببغداد بشكل مشدّد وبدائي، لتتجه الأنظار إلى مناطق أخرى، من بينها إقليم كردستان، الذي بات يحتضن نحو أربعة ملايين نازح عربي سني فروا من قسوة تنظيم "داعش". 

بعد ذلك، فشلت القوات العراقية في إعادة تجميع صفوفها، حيث نفذت عمليتين عسكريتين، الأولى في التاسع من يناير/ كانون الثاني لم تحقق أي نتائج، بل لم تستطع حتى الاقتراب من أطراف المدينة، فيما أطلقت العملية الثانية، وهي الأكبر عددا وتجهيزا، في الرابع والعشرين من آذار/ مارس الماضي، وأطلق عليها "الفتح"، إلا أنها فشلت في تحقيق أي تقدم، باستثناء استعادة السيطرة على أربع قرى صغيرة تبعد عن الموصل 50 كيلومترا، قبل أن يستعيد "داعش" فيما بعد إحداها.

ويلف موضوع استعادة مدينة الموصل مشاكل سياسية، فضلا عن الضعف العسكري العراقي، فقوات مليشيات "الحشد الشعبي"، وحزب "العمال الكردستاني" المعارض لأنقرة، والذي يصرّ على المشاركة في المعركة، باتت مرفوضة بالكامل من قبل أهالي المدينة وحكومة محافظة نينوى المحلية، في الوقت الذي تعمل تركيا على تدريب ودعم أبناء العشائر السنية في محافظة نينوى وقوات البشمركة، وهو ما ترفضه حكومة بغداد، التي لا تتردد في إعطاء إيران أدوارا قيادية في إدارة معارك من المفترض أن تكون عراقية على أرض عراقية.

من جهتها، نفذت قوات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، نحو 6 آلاف طلعة جوية فوق الموصل، من بينها 3800 ضربة جوية لأهداف تقول إنها تابعة لتنظيم "داعش".

وخلفت عمليات القصف الجوي والصاروخي التي تطاول المدينة منذ عامين، فضلا عن الإعدامات شبه اليومية التي ينفذها تنظيم "داعش"، أرقاما مخيفة في عدد الضحايا من سكان الموصل، بلغت، وفقا لمصادر طبية بالمدينة، 30 ألف قتيل وجريح، 55 في المائة منهم أطفال ونساء.

بعد عامين من سقوط الموصل، الدخان ورائحة الموت ما يزالان يلفان المدينة، في وقت لا يتردد الحاج خطاب البياتي، وهو أحد سكان المدينة، في التشديد على أن "مستقبل الموصل مجهول، نحن فقط نحاول ألا نفكر في المستقبل كثيرا، فلا أحد قادر على معرفة نهاية الحكاية بعد كل هذا الدمار والدم والدخان الذي ملأ فضاءات المدينة".