مولدوفا ساحة مواجهة روسية ــ أميركية متجدّدة

مولدوفا ساحة مواجهة روسية ــ أميركية متجدّدة

15 ابريل 2015
الإرث السوفييتي متأصل في غاغوزيا (دانيال ميخائيليسكو/فرانس برس)
+ الخط -
انضمّت مولدوفا إلى لائحة الدول المرشّحة للتحوّل إلى ساحة مواجهة بين روسيا والغرب، في ظلّ "امتلاك" موسكو ورقتين هناك عبارة عن منطقتي بريدنيستروفييه وغاغوزيا. وفي كلا المنطقتين اللتين تتمتعان بحكم ذاتي، حضور روسي إثني وثقافي ونفوذ سياسي، وكلتاهما لا تبخل موسكو بدعمهما اقتصادياً ومنح سكانها الهوية الروسية، في مجرى مواجهة جيوسياسية مع الغرب الأطلسي، تدور على تخوم أوروبا في الفضاء السوفييتي السابق. كما تعمل موسكو، من دون أن تخفي ذلك، على التأثير في مجرى الانتخابات الرئاسية والبلدية، ليصل أنصارها إلى الحكم فيشكلون كتلة ضاغطة تخدم المصالح الروسية.

في 22 مارس/آذار الحالي، جرت انتخابات رئاسية في منطقة غاغوزيا المولدوفية ذات الحكم الذاتي، وفازت فيها إيرينا فلاتش الموالية لموسكو. ووفقاً لمعطيات لجنة الانتخابات المركزية، نالت فلاتش 51.01 في المائة من أصوات الناخبين، بينما نال نيكولاي داود أوغلو، أقرب منافسيها، 19.05 في المائة، وفي المرتبة الثالثة جاء فاليري يانيوغلو بـ7.96 في المائة من الأصوات.

ولم يصوّت للرئيس السابق، ديمتري كرويتور، سوى 6.2 في المائة من الناخبين، كما تراوحت أصوات بقية المرشحين بين 0.5 و5 في المائة، وسط مشاركة 58.1 في المائة من السكان. وكانت فلاتش قد دعت في برنامجها الانتخابي إلى التقارب مع روسيا و"الاتحاد الأوراسي"، وهي تتمتع بتأييد حزب "الاشتراكيين" المولدوفي، الذي يملك أكبر كتلة نيابية في برلمان مولدوفا، ويشغل ربع المقاعد هناك. وإلى حين فوزها في الانتخابات الرئاسية، كانت فلاتش نائباً في البرلمان المولدوفي، أما الآن فستنتقل إلى عضوية الحكومة المولدوفية المركزية، كما ينص القانون المولدوفي عن الوضع الخاص لمنطقة غاغوزيا.

وبعد الإعلان عن النتائج، هنأ الرئيس ميخائيل فورموزال، المنتهية ولايته، فلاتش بالفوز، وذكر في رسالة التهنئة أن "الخاسرين يملكون ما يكفي من الحكمة لتقبّل النتيجة بشكل مشرّف، وعدم اللجوء إلى الاعتراض على نتائج الانتخابات".

وساهمت موسكو بقوة في فوز فلاتش، بعد مشاركة شخصيات روسية كبيرة في دعم حملتها الانتخابية، مثل رئيس الدوما الروسية، سيرغي ناريشكين، ورئيسة مجلس الفيدرالية فالينتينا ماتفيينكو. كما زار غاغوزيا نواب في البرلمان الروسي وأبطال رياضيون عالميون، مثل بطل العالم في الملاكمة نيكولاي فالوييف، والبطلة الأولمبية في التزلج على الجليد، إيرينا رودنينا، وبطل العالم السابق في الشطرنج أناتولي كاربوف.

وأُقيم حفل فني عشية الانتخابات، أحياه الفنانان الروسيان الشهيران أوليغ غازمانوف ونيكولاي راستورغوييف، وحضرته فلاتش. ولم يخفِ نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، الدور الروسي في انتخابات غاغوزيا، فقد نقلت عنه صحيفة "كوميرسانت" قوله "لن أخفي تأثيرنا على الغاغوزيين الذين يعيشون في موسكو، وقد أدى هذا دوراً مؤثراً في النتيجة".

اقرأ أيضاًأزمة مولدوفا تتفاقم مع التباعد الروسي الأوروبي

وفي إطار التأثير الروسي في الداخل المولدوفي، فقد سبق فوز مرشحة موسكو في غاغوزيا، حصول حزب الاشتراكيين، مع الدعم الروسي الواضح والمكثف، على 25 مقعداً من أصل 101 في الانتخابات البرلمانية المولدوفية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ليُشكّل أكبر كتلة في البرلمان المولدوفي. كما يظهر الاستنفار الروسي بغية التأثير في انتخابات مولدوفا البلدية، التي ستجري نهاية العام الجاري، ويسعى الاشتراكيون المدعومون من موسكو للفوز فيها.

وفي ردود الفعل المولدوفية، نقلت صحيفة "فزغلياد" الروسية عن مدير مركز "التحليل الاستراتيجي والتنبؤ" المولدوفي، سيرغي نازاريا، قوله، إنه "من الواضح للعيان أن ترشح فلاتش لرئاسة غاغوزيا مفاجئ تماماً للحكومة المولدوفية. وللأسف، فإني أرى أن العلاقات بين السلطات الجديدة وكيشيناو ستكون إشكالية". كما نقل موقع "كر.رو" عن أليكسي تولبوري، سفير مولدوفا السابق في الأمم المتحدة وفي مجلس أوروبا، قوله، إن "النتيجة متوقعة بالمطلق، ولكن يجدر ملاحظة أن جميع المرشحين في غاغوزيا من دون استثناء، قدّموا أنفسهم كدعاة للتقارب مع روسيا. ولم يكن هناك بينهم أي سياسي يدعو للاتحاد الأوروبي والأطلسي". وتابع "تولي موسكو اهتماماً خاصاً لهذه المنطقة، وفلاتش سياسية مجرّبة، وبرنامجها السياسي يستجيب لآمال السكان".

أما في كيشيناو، فالسلطة القائمة من ست سنوات والتي تُنادي بـ"التكامل مع الاتحاد الأوروبي"، والمكوّنة من تحالف "الحزب الليبرالي" و"الحزب الليبرالي الديمقراطي" و"الحزب الديمقراطي"، تبدو عاجزة عن انتهاج سياسات تعيد توحيد البلاد، نتيجة النفوذ الروسي في البلاد، تحديداً بين السكان الناطقين بالروسية، وتبعية الناخب السلافي للمزاج الروسي في منطقتي غاغوزيا وبريدنسيروفييه.

وتتجلّى نقطة الخلاف الأشدّ، بين السياسيين المحليين في هاتين المنطقتين، وتحالف الأحزاب الحاكمة، مع دعوة الليبراليين إلى دمج مولدوفا برومانيا. وقد سبق أن عبّرت غاغوزيا عن رفضها المطلق لهذا الطرح، في استفتاء شعبي عام.

وصوّت 98 في المائة من السكان من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوراسي، كما صوّتوا لإعلان الاستقلال عن مولدوفا بصورة عاجلة. وبالتالي، يُمكن لغاغوزيا أن تنفصل كلياً عن مولدوفا إذا ما انضمّت الأخيرة إلى رومانيا، كما قد تُقدم بريدنيستروفيه على خطوة مماثلة وهي أقرب إلى ذلك.

وهناك ما يشي بإمكانية تحويل مولدوفا إلى ساحة مواجهة بين روسيا والغرب، في فترة قريبة. فقد نقلت وكالة "أونيان" الأوكرانية عن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، دعوته أثناء مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس رومانيا فيرنر يوهانس، إلى "إعادة تكامل بريدنيستروفيه مع مولدوفا".

وأشار إلى أن "البلدين اتفقا على تنسيق الخطوات من أجل خلق الظروف المناسبة لتجميد النزاع ومساعدة مولدوفا المستقلة وذات السيادة في استعادة وحدة أراضيها، وإعادة تكامل منطقة بريدنيستروفيه معها. إلا أن استعادة برينديستروفيه إلى الحظيرة المولدوفية أمر متعذر وقراره ليس في كييف أو بوخارست ولا في بروكسل. فالقرار هنا لموسكو بالدرجة الأولى".

ووفي ظلّ هذا الوضع يخشى المولدافيون امتداد نار أوكرانيا المجاورة إليهم، خصوصاً أن الانقسام في البلاد قابل للاستخدام من قبل المتصارعين الجيوسياسيين الكبيرين، واشنطن وموسكو. وفي هذه الساحة لن تكون موسكو أقل حضوراً وعناداً مما هي في الساحة الأوكرانية، ويبدو أن العقوبات لم تعد تخفيها، فقد تعايشت روسيا معها، لا بل يرون أنها بلغت أقصاها، ولم يبق إلا الحرب المباشرة.

يُذكر بأن منطقة غاغوزيا اكتسبت الحكم الذاتي عام 1994، حين أقرّ برلمان مولدوفا قانوناً يمنحها وضعاً خاصاً. مع العلم أن الغاغوزيين أعلنوا في نهاية ثمانينيات القرن الماضي جمهوريتهم المستقلة، ضمن موجة تقرير المصير التي انتشرت مع بدء تفكك الاتحاد السوفييتي.

اقرأ أيضاً: الانتخابات المولدوفية: روسيا تحضر أيضاً

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1990، أرسلت كيشيناو قوات من المتطوعين بقيادة ميرسيا دروك، رئيس وزراء مولدوفا آنذاك، لقمع أنصار الانفصال عن مولدوفا، إلا أن قوات الداخلية السوفييتية التي أُرسلت إلى هناك، حالت دون سفك الدماء. ويعيش في غاغوزيا اليوم حوالي 150 ألف نسمة، يُشكّلون 4.6 في المائة من عدد سكان مولدوفا الإجمالي، ويتمتعون بدعم تركي كبير إلى جانب الدعم الروسي.