سلام أم هدنة؟....أوكرانيا تلتقط الأنفاس في انتظار المجهول

11 سبتمبر 2014
مقاتلو دونباس يتوعدون بإسقاط نظام كييف (فرانس برس/Getty)
+ الخط -

يواجه السلام في أوكرانيا، تحدياً حقيقياً. فهو مصلحة روسية في الدرجة الأولى، خصوصاً مع تزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية على موسكو. ويُعدّ مصلحة لكييف، ذلك أن أوكرانيا بشرقها وغربها تدفع ضريبة الدم والخراب، كما أنه مصلحة أوروبية، فالنار على حدود القارة العجوز، وهي ليست في منأى عن امتداداتها ومضاعفاتها الاقتصادية والسياسية، وربما العسكرية.

لكن السلام بين كييف ومعارضيها، على ما يبدو، ليس مصلحة أميركية، فواشنطن تضغط نحو مزيد من عزل روسيا، وربما تلعب لعبتها في الظل نحو دفع كييف إلى خرق الاتفاق، والعودة إلى القتال، بعد إعادة تجميع القوات وتزويدها بالعتاد، وقد يغري ذلك كييف بعد الدعم، الذي وعدها به حلف شمال الأطلسي ضد الانفصاليين، وتهديداته الواضحة لروسيا.

هدنة برسم الخرق  
بعد مشاورات ومباحثات جرت في مينسك، عاصمة روسيا البيضاء، بين أعضاء لجنة الاتصال الثلاثية بخصوص أوكرانيا، تم في الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري توقيع بروتوكول ينص على الخطوات المشتركة، الواجب اتخاذها، لتحقيق "خطة السلام" المقترحة من قبل الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني بيوتر بوروشينكو.

وقد وقّع الوثيقة كل من السفير، هايدي تاليافيني، عن بعثة الأمن والتعاون الأوروبي، سفير روسيا في أوكرانيا، ميخائيل زورابوف، الرئيس الأوكراني الأسبق، ليونيد كوتشما، ممثلاً عن بلاده، إيغور الكسندر زاخارتشينكو وإيغور بلوتنيتسكي، ممثلين عن رئيسي وزراء جمهوريتي "دونيتسك" و"لوغانسك"، المعترف بهما من جهة واحدة،
علماً بأن وثيقة السلام هذه تتألف من 12 نقطة، من أهمها ضمان وقف فوري لإطلاق النار، من الطرفين، سحب التشكيلات المسلحة غير الشرعية والمعدات العسكرية والمقاتلين "المرتزقة" من أراضي أوكرانيا، والإفراج الفوري عن جميع الرهائن والمحتجزين بصورة غير قانونية. وينطوي الاتفاق على بند إصدار قانون أوكراني يمنح منطقتي دونيتسك ولوغانسك وضعاً خاصاً.

وفي حين أن بسطاء الناس تنفسوا الصعداء وراحوا يترقبون عودة الجنود إلى ذويهم، وخصوصاً المخطوفين والواقعين في الأسر منهم، بدأت ملامح الشك والخشية من لعبة خفية تعبّر عن نفسها، خصوصاً في أوساط جنوب شرقي أوكرانيا، بالتوازي مع طمأنة أهالي الضحايا بأن دماء أبنائهم لم تذهب سدى. فزعماء الجمهوريتين الانفصاليتين يعلنون لأنصارهم أنهم مصرون على الاستقلال عن كييف، بصرف النظر عن توقع حكم ذاتي على غرار بيردنيستروفيه في مولدوفا. فقد نقلت صحيفة "فزغلاد" الروسية عن رئيس وزراء جمهورية "لوغانسك"، إيغور بلوتنيتسكي، قوله إن "معظم نقاط هذا البروتوكول توافق مطالبنا. لكن وقف إطلاق النار لا يعني تغييراً في نهجنا نحو الاستقلال. هذه خطوة اضطرارية".

ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، عن بلوتنيتسكي، تأكيده أن "القانون حول الوضع الخاص لا يعني تخلينا عن استقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك. نحن لا نرفض الحوار، ولكنه يجب أن يكون متكافئاً وذا مضمون".

ويبدو أن الجمهوريتين المعلنتين من جانب واحد متخوفتان، في الوقت ذاته، من أن تستغل كييف الهدنة لتعبئة قواتها وشن هجوم معاكس، أملاً في استرجاع المناطق، التي خسرتها خلال المواجهات. الحديث لا يدور عن إطلاق متقطّع وفردي للنار، هنا وهناك، فذلك من طبيعة الهدن، التي تعقد أثناء الحروب، وخصوصاً الأهلية منها، إنما عن آفاق تصعيد يتم الاستعداد له.

ومن جهتهم، لا يبدو أن مقاتلي كتيبة "دونباس" الأوكرانية يقبلون التسليم بأن كل شيء سينتهي مع وقف إطلاق النار، فهم يريدون الانتقام لتركهم لقمة سائغة لقوات الانفصاليين. فقد توعدوا بالتوجه إلى كييف مع انتهاء العمليات القتالية لـ"إسقاط النظام" الذي تركهم  في إيلوفايسك من دون مؤازرة. وهكذا، قال أحد مقاتلي هذه الكتيبة عبر قناة "لايف نيوز"، إنه "قلنا ببساطة ومنذ زمن، إننا لن نذهب إلى بيوتنا إلا عبر كييف". إنّما الحال ينذر بالخطر أكثر في أوساط مقاتلي "القطاع اليميني"، فقد كتبت الصحافية والمدونة، إيلينا بيلوزيرسكايا، في إحدى المجلات أنه "هو (أي بوروشينكو) لم يقونن وجودنا إلى الآن (وتعني القطاع اليميني حيث تعمل، وحيث يرفض المقاتلون القوميون المتعصبون وقف إطلاق النار). فإذا كانوا يريدون أن ننفذ أوامرهم، عليهم في البداية أن يقوننوا وجودنا. فطالما ليس لدينا وضع قانوني، ونحن مجرد عصابة بالنسبة إليهم، فيمكننا فعل ما نريد".

تبادل الأسرى

واحدة من النقاط الأكثر حساسية، في اتفاق مينسك، تتعلق بالأسرى. فأوساط بوروشينكو، لا تحتمل فكرة وقف القتال مع بقاء مصير الأسرى والمخطوفين والمفقودين عموماً مجهولاً. ولا يبدو أن تبادل الأسرى يتم كما كان منتظراً، فلا يزال السؤال عما إذا كان سيتم التلاعب بقوائم الأسماء قائماً ومقلقاً ومنذراً بالخطر. فقد نقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، قولاً عن رئيس وزراء جمهورية "دونيتسك الشعبية"، ألكسندر زاخارتشينكو، أثناء مؤتمر صحافي عقد في موسكو، يوم السادس من سبتمبر/أيلول الجاري، إنهم سيطلقون سراح الأسرى الأوكرانيين في اليوم نفسه الذي تطلق فيه كييف أسراهم، وذلك ما يجب أن يتم وفقاً له، يوم الإثنين الماضي.


لكن ما زال الأسرى قيد الاحتجاز. وقد عزا وزير أمن جمهورية دونيتسك الشعبية الأمر إلى خشيتهم من أن تخدعهم كييف فلا تطلق سراح أسراهم، بحسب ما قال لصحيفة "فزغلاد". وأكد أنه "لم نحصل حتى الآن من كييف على قوائم الأسرى، الذين ينوون إطلاق سراحهم. وهناك خشية من أن نطلق سراح الجميع، فتحاول كييف خداعنا". وأشار إلى أنهم يحتجزون حوالى ألف مقاتل أوكراني.

ومع ذلك، وبصرف النظر عن النوايا الأميركية، يبدو إلى الآن أن كييف وموسكو حريصتان على انجاح الاتفاق المبرم. فكما صرح زاخارتشينكو، عبر أثير إذاعة "كوميرسانت إف إم"، أنه "سيعود الطرفان إلى الاجتماع خلال سبعة إلى ثمانية أيام". وسيكون ممكنا تدارك الخلل والنواقص وتذليل عقبات الواقع. وفي السياق نفسه، ذكر موقع "يون إن إن.كوم" الأوكراني، يوم السابع من سبتمبر/أيلول الجاري، أن لقاءً جرى في كييف بين بوروشينكو والممثل غير الرسمي لبوتين، فلاديسلاف سوركوف. ويتوقع أن اتفاق السلام والحرص على نجاح تطبيقه على الأرض موضوعه المركزي.