روسيا تنصب صواريخ "إسكندر" في البلطيق

21 مارس 2015
صواريخ إسكندر إلى كالينينغراد (قسطنطين زافرازين/Getty)
+ الخط -
تتساقط الأقاليم الناطقة بالروسية، التابعة لدول سوفييتية سابقة في قبضة الدب الروسي، واحداً تلو الآخر. تساعدها على ذلك سياسات أميركية، تحوّل الروس إلى أعداء في كل مكان، وسط محاولات موسكو إخفاء ضعفها بنيوياً باستعراض قوّتها العسكرية، حين يُتاح لها ذلك.

بدأت الأمور تتخذ أبعاداً عسكرية بين الروس والأميركيين، فقد باشر الأطلسي تحرّكاته في ردّ على التحركات الروسية الأخيرة. وأُعلِن عن نقل قوات عسكرية أميركية من إستونيا إلى ألمانيا، عبر لاتفيا وليتوانيا وبولندا وتشيكيا، كما ذكرت وسائل الإعلام الروسية، نقلاً عن صحيفة "ايستي بايفاليت"، أنّ "سرية المشاة الأميركية المكوّنة من 150 مقاتلاً و40 قطعة من العتاد، ستتحرك اليوم السبت، من موقع تمركزها في إستونيا، على أن تنضم إليها وحدات أميركية منتشرة في بولندا ودول البلطيق".

وفي منحى أبعد من مجرّد "استعراض القوة العسكرية"، ستقوم موسكو بخطوة أكثر تهديداً لأوروبا، عللّتها بالردّ على نقل قوات مدرعة أميركية إلى البلطيق. وأوردت وكالة "ريا نوفوستي"، يوم الثلاثاء، خبراً عن صواريخ "إسكندر" في كالينينغراد، جاء فيه، أنه "سيتم نشر طائرات مقاتلة وقاذفة في منطقة كالينينغراد، وتعزيز الوحدات البرية في منطقة البلطيق بصواريخ "إسكندر" من الدائرة العسكرية الغربية، وستقوم بنقلها سفن إنزال كبيرة من أسطول بحر البلطيق".

مع العلم بأنها المرة الأولى التي تعلن فيها روسيا بشكل دعائي، عن نقل صواريخ "إسكندر" المثيرة لذعر الأوروبيين إلى كالينينغراد القريبة منهم، على الرغم من أن هذه الصواريخ سبق أن شاركت في اختبارات لجهوزية القوات العسكرية هناك في ديسمبر/كانون الأول 2014، لكنها لم تبق هناك سوى خمسة أيام. أما اليوم فقد أعلنت وزارة الدفاع مسبقاً، عن خططها لنشر الصواريخ في رسالة واضحة للأوروبيين بالدرجة الأولى.

وكانت وكالة "تاس" قد ذكرت في 16 مارس/آذار، أن بوتين أمر بوضع أسطول الشمال، وكذلك بعض وحدات قوات الإنزال الجوي الخاصة، والدائرة العسكرية الغربية، بحالة جهوزية قتالية كاملة، في إطار اختبار مفاجئ للجهوزية القتالية، في الفترة الممتدة بين 16 و21 مارس الحالي.

ووفقاً لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، فقد شارك في اختبار الجهوزية القتالية 38 ألف مقاتل وأكثر من 55 سفينة حربية وغواصة، و110 طائرات ومروحية. ونقلت صحيفة "فزغلياد"، عن شويغو قوله، إن "التحديات والتهديدات الجديدة لأمن البلاد العسكري تقتضي الاستمرار برفع الإمكانات القتالية للقوات المسلحة الروسية، واهتماماً خاصاً بالوحدات الاستراتيجية التي أُعيد تشكيلها من جديد في الشمال". وفي هذا الإطار، تم الإعلان عن أن حاملات الصواريخ الاستراتيجية "تو-22 إم 3" انتشرت في شبه جزيرة القرم.

وقد ذكرت الصحيفة أن "هذه الخطوة تهدف إلى استعراض القوة، وإلى علاقة هذا الاستعراض بأحداث شرق أوكرانيا". كما نقل الروس عن صحيفة "ستارز آند سترايبس"، قول ممثل قيادة الجيش الأميركي في أوروبا، اللفتنانت كولونيل كريغ تشايلد إن "كل ما يجري هو اختبار جهوزية الوحدات، وفي الوقت نفسه استعراض واضح لإخلاص الولايات المتحدة لحلفائها، وكيف أن الأطلسي يمكنه تحريك قواته المسلّحة بحرّية عبر حدود حلفائه".

وفي موازاة ذلك، وقّع رئيسا روسيا وأوسيتيا الجنوبية، فلاديمير بوتين وليونيد تيبيلوف، يوم الأربعاء، اتفاقية للتعاون والتكامل بين البلدين، تتيح تشكيل فضاء مشترك للدفاع والأمن، والتنقل الحر بين البلدين، والتكامل بين مؤسستي الجمارك ووزارتي الداخلية، وتسهيل إجراءات الحصول على الجنسية الروسية لمواطني أوسيتيا الجنوبية، وزيادة الأجور والرواتب التقاعدية لمواطنيها، بما يوافق المعايير الروسية، وضمان التأمين الصحي لمواطني أوسيتيا الجنوبية.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوراسي: بوتين يضع أسس سوفييت عائد


ولم تتأخر ردة فعل الغرب على الخطوة الروسية، التي توّجت واقعاً قائماً من الوجود الروسي الطاغي في أوسيتيا الجنوبية، وخصوصاً بعد حرب 2008 مع جورجيا، فسرعان ما أعلنت مسؤولة العلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية فيديريكا موغيريني أنّ "ما قامت به موسكو يشكّل خطوة أخرى تتناقض مع الجهود المبذولة لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة".

وأضافت، وفقاً لوكالة "فرانس برس"، أن "توقيع الاتفاقية ينتهك سيادة جورجيا ووحدة أراضيها". كما نقلت وكالة "رويترز" عن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس شتولتنبرغ، قوله إن "ما يُسمّى اتفاقية، يُعدّ خطوة أخرى من روسيا لعرقلة الجهود المبذولة من قبل المجتمع الدولي، الهادفة إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة". وأضاف "نواصل دعوة روسيا إلى سحب اعترافها بإقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الجورجيين كدولتين مستقلتين، وسحب قواتها من جورجيا".

بدوره، احتجّ رئيس جورجيا، غيورغي مارغفيلاشفيلي، على الخطوة الروسية، فقد جاء في تصريحه الرسمي الذي نقله مكتبه الصحافي، إن "هذه خطوة ضد وحدة أراضي دولة ذات سيادة، تُعقّد الوضع أكثر بعد احتلال روسيا لأوسيتيا الجنوبية، وتُعدّ نقلة نحو الضم".

في المقابل، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن تيبيلوف، يوم الخميس، قوله في مؤتمر صحافي، إن "فكرة الاتحاد مع روسيا قائمة عند شعبنا، وسوف نبذل كل جهد من أجل تحقيقها، لكن هذه المسألة غير مطروحة اليوم". وهكذا، فمن القرم إلى دونباس إلى أوسيتيا الجنوبية، وربما قريباً إلى بريدنيستروفيه في مولدوفا، تتسع رقعة المواجهة الروسية ـ الأميركية ولكن على أراضي الغير وبدمائهم، في تهديد واضح لأمن القارة الأوروبية العاجزة عن حل النزاعات على تخومها، بل في أراضيها، بسبب تبعيتها لواشنطن البعيدة عن مخاطر هذه الحروب والمستفيدة منها جميعاً.

اقرأ أيضاً: الصراع على أوكرانيا.. التحاق السياسات بأوروبا وأميركا أم بروسيا؟