الانتخابات المولدوفية: روسيا تحضر أيضاً

29 نوفمبر 2014
النموذج الأوكراني غير بعيد عن مولدوفا (دانيال ميخائيليسكو/فرانس برس)
+ الخط -
تستعدّ مولدوفا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، لانتخابات برلمانية في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، في ظلّ استقطاب سياسي واجتماعي حادّ، بين أنصار روسيا والتكامل معها إلى حدّ الانضمام إليها، وبين المُطالبين بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وينادي جزء هام من سكان إقليم بريدنيستروفيه (جمهورية ترانسنيستريا)، الذي يتمتع بوضع خاص ولا يشارك في الانتخابات، بالانضمام إلى روسيا، بينما يطالب أنصار الاتحاد الأوروبي، بالمضيّ قدماً في مسألة الانضمام، خصوصاً بعد توقيع اتفاقية الشراكة بين كيشيناو وبروكسل (مقرّ الاتحاد الأوروبي)، والتوتر الذي أعقبها بين مكونات المجتمع المولدوفي، وبين موسكو من جهة وكيشيناو وبروكسل وكييف من جهة ثانية.

وقد لا تنتظر موسكو من أنصارها خطوة تصعيدية في انتخابات مولدوفا، فربما قد لا تحتاج إلى الورقة المولدوفية، ولا إلى مزيد من التوتر مع الغرب، ويكفيها ما نالها من عقوبات بسبب أوكرانيا. كما أن ميزان القوى في الداخل المولدوفي يميل لمصلحة الأحزاب اليسارية الموالية لموسكو.

ويُشارك في الانتخابات 21 حزباً، إضافة إلى كتلة انتخابية واحدة و4 مرشحين مستقلين. وينصّ القانون على ضرورة كسب الأحزاب 6 في المائة من الأصوات للوصول إلى البرلمان، بينما على الكتل الانتخابية نيل 9 في المائة من مجموع الأصوات لدخول البرلمان، و2 في المائة بالنسبة إلى المرشحين المستقلين. حسب ما نقل موقع "ريجينيوم.رو" عن لجنة الانتخابات المركزية، في كيشيناو.

وذكرت قناة "مير 24"، أنه تم طبع نحو ثلاثة ملايين ورقة انتخابية، نُقلت إلى مراكز الاقتراع، يوم الجمعة. ومن أجل استبعاد إمكانية التزوير، تتم الطباعة على أوراق محمية من التزوير، تحت إشراف رجال الشرطة. وأفادت وكالة "ريا نوفوستي"، نقلاً عن رئيس "لجنة الانتخابات العليا في روسيا الاتحادية"، فلاديمير تشوروف، أن "مراقبين روساً سيشاركون في مراقبة الانتخابات في مولدوفا".

وفي انتظار ما ستُفضي إليه العملية الانتخابية، خلص استبيان للرأي أُجري في 18 نوفمبر الحالي، بطلب من "معهد كيشيناو للسياسة العامة"، لدراسة "مؤشرات الرأي العام"، إلى تأكيد قوة 6 أحزاب سياسية ودخولها البرلمان.

ووفقاً لموقع "ريجينيوم.رو"، يشير الاستطلاع إلى احتمال "دخول الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق، فلاد فيلات؛ والحزب الشيوعي بقيادة رئيس البلاد السابق، فلاديمير فورونين؛ والحزب الديمقراطي برئاسة رئيس البرلمان السابق، ماريان لوبو؛ والحزب الليبرالي بزعامة القائم السابق بأعمال رئيس الدولة، ميهاي جيمبو؛ وحزب "باتريا" الذي رشح رجل الأعمال ريناتو أوساتي؛ وحزب الاشتراكيين الذي يتزعمه النائب إيغور دودون.

وتتمثل السمة الأهم للحملة الانتخابية الحالية، في أمزجة الناخبين الصعبة والسجالات الساخنة بين السياسيين حول توقيع الحكومة على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومصادقة البرلمان عليها. وقد أثارت الاتفاقية في حينها الاحتجاجات وأظهرت انقسام المولدوفيين بوضوح، بين روسيا وأوروبا.

ويدور الصراع الأساسي في هذا الشأن بين أحزاب التحالف الحاكم (الحزب الليبرالي الديمقراطي والحزب الليبرالي والحزب الديمقراطي) وأحزاب المعارضة، أي الشيوعيون والاشتراكيون، بدرجة أساسية. وتدعو ثلاثة أحزاب: الحزب الشيوعي، والحزب الاشتراكي و"باتريا"، إلى علاقات أوثق مع روسيا الاتحادية، وإلى إعادة النظر في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أو إلغائها تماماً، في مقابل سعي أحزاب التحالف الحاكم، إلى إكمال مسيرة التلاحم مع أوروبا، في ظلّ اعتبار أن "من أهم إنجازاتها إلغاء التأشيرات مع الاتحاد الأوروبي وتوقيع اتفاقية الشراكة معه".

وأما على المستوى الاجتماعي، فتشير استطلاعات الرأي إلى عدم موافقة غالبية السكان على خيارات السلطة الجيوسياسية. وتبعاً لاستطلاع مركز "فوكس بوبيولي" في 23 نوفمبر، الذي طرحته "رابطة علماء الاجتماع والديموغرافيا" في كيشيناو، فإن 45.6 في المائة من سكان الضفة اليمنى لنهر دنيستر، و74.3 في المائة من سكان بريدنيستروفيه، سيصوّتون إلى جانب الانضمام إلى الاتحاد الجمركي (مع روسيا)، وفقاً لما نقلته وكالة "ريا نوفوستي" عن المركز.

وفي السياق، يشير الباحث السياسي المولدوفي، إرنست فاردانيان، في حديث إلى "ريا نوفوستي"، إلى أن "ناخبي يمين الوسط يعانون من إحباط شديد، فلا يستطيعون التصويت للأحزاب اليسارية، ولا يثقون بالأحزاب اليمينية. كما أن المواطن المولدوفي تعب من استمرار الطبقة السياسية عينها، منذ 15 عاماً حتى اليوم. علماً أن ما يتغير في بعض الحالات هو تلوّنهم الحزبي".

ويضيف "يُشكّل هؤلاء 30 إلى 35 في المائة من الكتلة الناخبة، ويبحثون عن قيادات جديدة". ويلفت إلى أن "نسبة الموالين لأوروبا في العهد الشيوعي السابق في البلاد، وصلت إلى 70 في المائة، أما اليوم فقد انخفضت هذه النسبة إلى درجة كارثية بالنسبة إلى السلطات، وتدنت إلى 39 في المائة. أعتقد أن الإحباط، هي الكلمة الأكثر رواجاً اليوم".

وتكشف الدراسات الاجتماعية أنّ الشيوعيين يمكن أن يمسكوا بمفاصل السلطة بعد الانتخابات. ونقل موقع "أوكرانيوز.كوم" عن مدير "المعهد الأميركي في أوكرانيا"، جيمس جورج جاتراس، قوله إن "معظم المولدوفيين يقوّمون عمل الحكومة الحالية بالسيئ أو السيئ جداً. ويصعب عليَّ تصور كيف يمكنها المحافظة على سلطتها عبر نضال نزيه".

ويجدر التوقف هنا عند دلالات إحدى أكبر تظاهرات الاشتراكيين، التي قُدّر عدد المشاركين فيها بـ15 ألف مواطن، خرجوا إلى الشوارع في أربعة أقاليم في الوقت نفسه، داعين إلى انضمام مولدوفا إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي. ويؤكد زعيم الحزب الاشتراكي، إيغور دودون في حدث لقناة "مير 24"، أن "هدف التظاهرات هو أن نُري السلطات أن الشعب لا يهابهم، وأن الشعب مع الاتحاد الجمركي. نريد أن نريهم أنهم إذا لجأوا إلى تزوير الانتخابات، فسيخرج الشعب إلى الشارع وسوف يدافع عن انتصاره".

الآن باتت مولدوفا تنتظر الانتخابات التي قد تدخل البلاد في دورة صراع جديدة نحو مزيد من التقسيم، خصوصاً إذا رفض أنصار الغرب نتيجتها، في حال خسروها، كما تشير استطلاعات الرأي، أو إذا لجأوا إلى التزوير كي يكسبوها. شبح أوكرانيا يتكرر في مولدوفا هذه المرة.
دلالات
المساهمون