أفريقيا الوسطى: عودة الاقتتال الطائفي ترجّح تأجيل الاستحقاقات الدستورية

أفريقيا الوسطى: عودة الاقتتال الطائفي ترجّح تأجيل الاستحقاقات الدستورية

30 سبتمبر 2015
تظاهرة ضد القوات الفرنسية في بانغي(هارفي سيرياكي سارفيو/الأناضول)
+ الخط -
تتفاقم الأوضاع بشكل سريع وخطير في جمهورية أفريقيا الوسطى، بعدما اندلعت أعمال العنف بين المسلمين والمسيحيين في العاصمة بانغي، منذ يوم الجمعة الماضي، وأسفرت عن مقتل أكثر من سبعين شخصاً وجرح المئات على الرغم من تدخل القوات الدولية. 

وعاشت بانغي يوماً أسود، يوم الاثنين، بسبب تأجج المواجهات، ما دفع رئيسة الجمهورية، كاترين سامبا بانزا، إلى قطع زيارتها إلى نيويورك، إذ كانت تشارك في افتتاح الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، لتعود إلى بانغي، في مؤشر واضح إلى خطورة الأوضاع. وألقت بانزا، أمس الثلاثاء، خطاباً عبر الإذاعة الوطنية، دعت من خلاله، سكان العاصمة إلى "التزام الهدوء وعدم التظاهر"، فيما لا يزال المحتجون يصرّون على التظاهر وبناء المتاريس في شوارع العاصمة، مطالبين باستقالتها.

وبحسب مصادر متطابقة، فإن الشرارة التي كانت سبباً في اندلاع أعمال العنف، تمثّلت في العثور، ليل الجمعة الماضي، على جثة شاب مسلم من أقلية "سيليكا"، قرب مسجد "علي بابولو" في حي "PK5"، آخر معاقل الجالية المسلمة في العاصمة، منذ المواجهات العرقية الدامية التي عصفت ببانغي عامي 2013 و2014، ما جعل الأمم المتحدة تتدخل بشكل عاجل، بمساندة القوات الفرنسية العاملة تحت لواء عملية "سانغاري" لتهدئة الأوضاع.

واعتبر المسلمون في بانغي، اغتيال الشاب المسلم عملاً استفزازياً ضدهم. فهجمت مجموعات مسلحة على الأحياء المسيحية في المدينة، انتقاماً، لتتحول بانغي إلى ساحة قتال بين المسلمين والمسيحيين في مواجهات هي الأكثر دموية منذ أكثر من عام. واتسعت دائرة المواجهات، في نهاية الأسبوع، لتشمل هجمات على مقرات الجمعيات الإنسانية الدولية، خصوصاً مقر هيئة الصليب الأحمر الفرنسي، بالإضافة إلى مقرات بعثة الأمم المتحدة "مينوسكا". كما تعرّضت مقرات وزارية عدة وبناية الإذاعة الوطنية للهجوم على الرغم من حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة، ليل السبت الماضي.

والتزمت القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة والقوات الفرنسية، الحياد، عند بداية المواجهات، لكنها اضطرت للتدخل، أمس الأوّل الاثنين، لتفريق تظاهرة كانت تزحف باتجاه مقر الرئاسة في بانغي بغية اقتحامه. وأسفر التدخل عن مقتل ثلاثة متظاهرين، ما زاد في تأجيج الأوضاع على الرغم من أن بعثة الأمم المتحدة في بانغي، نفت أن يكون جنودها أطلقوا النار باتجاه المتظاهرين.

اقرأ أيضاً: 9 قتلى بأفريقيا الوسطى في اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين

وتحوّلت بعثة الأمم المتحدة والعاملون الأجانب في بانغي، إلى هدف لهجمات انتقامية من طرف سكان العاصمة، مسلمين ومسيحيين، يتهمونها بالانحياز لطرف دون آخر. واعتبر وزير المصالحة في الحكومة الانتقالية، برنو ياباندي، أنّ "أعمال العنف ليست عفوية وما مقتل الشاب المسلم، سوى ذريعة استغلها بعضهم لتوتير الأوضاع لأهداف سياسية خاصة"، مشيراً إلى أنّ "جزءاً من المعارضة يطالب برحيل كل الأجانب الموجودين في أفريقيا الوسطى، بمن فيهم قوات بعثة الأمم المتحدة.

وتوجّه أصابع الاتهام إلى بعض الشخصيات المقربة من مليشيات "مناهضو باكالا" المسيحية، المرتبطة بنظام الرئيس السابق، فرانسوا بوزيزي، الذي يعيش حالياً في المنفى بعدما أطاح بحكمه متمردو طائفة "سيليكا" المسلمة في عام 2013. كما أنّ بعض المراقبين الدوليين يشككون في تورط تيارات سياسية مشاركة في الحكومة الانتقالية في أعمال العنف التي تستغلها لتقوية نفوذها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. أما رئيس الحكومة الانتقالية، محاماتك أمون، فاعتبر أن ما يحدث في بانغي هو "مخطط تآمري ضد المرحلة الانتقالية، يهدف إلى ضرب المسلسل الديمقراطي وإغراق البلاد في الفوضى".

وكانت أفريقيا الوسطى تنعم باستقرار أمني نسبي، في الشهور الأخيرة، وكان الجميع يتطلع إلى وضع أكثر استقراراً في أفق الاستفتاء الدستوري، الذي كان من المتوقع تنظيمه، في الرابع من أكتوبر/تشرين الأوّل المقبل، والذي كان من المفترض أن تليه انتخابات رئاسية بعد أسبوعين من إعلان نتائج الاستفتاء. غير أن أعمال العنف التي سمّمت الأجواء مجدداً في العاصمة، ترجح فرضية تأجيل كل الاستحقاقات السياسية في انتظار عودة الهدوء.

وحتى الساعة، لا يزال الغموض يلف طبيعة هذه المواجهات ونوايا الواقفين خلفها. إلّا أنّ الجميع يتفقون على وجود أجواء معادية للوجود الأجنبي بشكل عام، التي يقودها جيرفي لاكوسو، الذي أسس، أخيراً، جمعية تدعو إلى العصيان المدني ضد الحكومة الانتقالية ورحيل الأجانب، خصوصاً القوات الفرنسية. وتسود العاصمة أجواء من الغليان تغذيها الشائعات حول القوات الفرنسية التي سبق وأن تورط أفرادها في فضائح اغتصاب ضد قاصرين في مخيمات اللاجئين، سابقاً.

وكانت الأوضاع تفجرت، خلال الانقلاب الذي قاده المتمردون من طائفة "سيليكا" المسلمة في مارس/آذار 2013، ضد نظام الرئيس السابق، فرانسوا بوزيزي، ما جعل هذه المستعمرة الفرنسية السابقة تغرق في مستنقع حرب طائفية بين الغالبية المسيحية والأقلية المسلمة، دامت عاماً كاملاً، وأسفرت عن مقتل المئات من الأشخاص قبل أن تتدخل الأمم المتحدة وفرنسا التي أطلقت حينها "عملية سانغاري"، للمحافظة على السلم ووقف المواجهات بين أطراف النزاع. وتتهم الأقلية المسلمة القوات الفرنسية بالانحياز للمليشيات المسيحية، وخصوصاً أن الفرنسيين جردوا متمردي "سيليكا" من أسلحتهم ووضعهم تحت المراقبة داخل ثكنات معزولة بعد تدخلها عام 2013.

اقرأ أيضاً: قوات حفظ السلام: فضائح اغتصاب وتحرش وباباكار يستقيل