"العربيّة لحقوق الإنسان" تكذّب "تقصّي رابعة"

"العربيّة لحقوق الإنسان" تكذّب "تقصّي رابعة"

08 مارس 2014
+ الخط -

أصدرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، مساء أمس الجمعة، تقريراً خاصاً للرد على تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أصدره المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، والخاص بمذبحة رابعة العدوية.وقدمت المنظمة من خلال تقريرها "أدلة دامغة على ارتكاب مسؤولين مصريين جرائم ضد الإنسانية لا ينال منها تقريرها المشوّه"، بحسب توصيف المنظمة للتقرير.
يذكر أنه بعد مرور أكثر من ستة أشهر على مجزرة فضّ اعتصام رابعة، أصدرت لجنة تقصي الحقائق المعيّنة من قبل المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، بتاريخ 05/03/2014، تقريراً حول أحداث فض الاعتصام. وخلص التقرير إلى نتائج كان أهمها أن القوات التي قامت بتنفيذ فض الميدان هي قوات الداخلية فقط، وأن الاعتصام مورست فيه جرائم تخالف القوانين المحلية والدولية كالتعذيب والقتل خارج إطار القانون والقبض على بعض المواطنين واحتجازهم والتحريض على العنف والكراهية واستغلال الأطفال وحمل السلاح مما استوجب فضّه، وأن قوات الشرطة قد التزمت بالمعايير الدولية في عملية الفض واستخدمت القوة بالقدر اللازم وتوفرت لها حالة الضرورة في استخدام اﻷسلحة النارية وحافظت على التناسب النوعي بين اﻷسلحة المستخدمة، إلا أنها قد ارتكبت بعض الأخطاء الإجرائية غير المبررة، وأن المسلحين داخل الاعتصام كانوا يتحركون ويطلقون النيران من وسط المعتصمين، في ما يمكن وصفه باستخدامهم المعتصمين كدروع بشرية.

كما خلص التقرير إلى أن عدد القتلى في أحداث فض رابعة العدوية والنهضة كان 632 قتيلاً بينهم 8 من ضباط الشرطة، وأن اللجنة لم تطلع على خطة الفض التي أعدتها وزارة الداخلية وقامت باستنباطها من الأحداث، وأن القوات لم تمهل المعتصمين إلا 25 دقيقة فقط بين الإنذار وبدء الفض ولم تستطع تأمين الممر الآمن الذي أعدّته لخروج المعتصمين، وهو ما اعتبره التقرير خطأً إجرائياً. وانتهت اللجنة إلى تحميل المعتصمين مسؤولية الانتهاكات التي حدثت وجرائم القتل، بينما اقتصرت انتهاكات الشرطة على أخطاء إدارية وإجرائية.

وقالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، إن هذا التقرير لا يمت إلى المهنية والموضوعية بصلة، وقد جاء منافياً للواقع ومتعامياً عن الحقيقة ومعبّراً عن مصلحة السلطات الحالية، مبرّءاً لها من جريمة خطيرة، ملقياً اللوم على الضحايا، مخالفاً لأبسط المعايير الدولية الخاصة بجمع وتصنيف قواعد تقصي الحقائق والقواعد النموذجية لإجراءات تقصي الحقائق الخاصة بهيئات الأمم المتحدة الصادرة عام 1970، وتبدّى ذلك في الآتي: "أولاً: يفترض في اللجنة التي تعمل على تقصي الحقائق حول الوقائع المختلفة، أن تتّسم بالحيادية والنزاهة وفق المعايير الدولية وأن لا يكون لها رأي سياسي منحاز إلى فصيل دون آخر. ومن المعلوم عن أعضاء لجنة تقصي الحقائق في المجلس القومي لحقوق الإنسان، أنهم جميعاً من المعيّنين من قبل السلطات الحالية، وأنهم من مؤيدي الانقلاب العسكري الحاصل في 3/7/2013، ما يطعن في حيادهم ويجعل عملهم يفتقر إلى الموضوعية والتجرّد اللازمين لمثل هذه المهمة.

"ثانياً: تلتزم اللجنة المعنيّة بتقصي الحقائق بعدم الاعتماد على معلومات رسمية صادرة من أي جهة تثار الشكوك حول تورطها في الواقعة موضوع عمل اللجنة، وتعتمد في المقام الأول على الأدلة التي تعمل على جمعها بشكل مستقل، وفي هذا التقرير اعتمدت اللجنة على تحريات وزارة الداخلية بشكل كامل وما رددته الأجهزة الأمنية في بياناتها الرسمية من اتهامات غير ثابتة بدليل مادي أو بحكم قضائي، واعتبرتها معلومات مسلّم بها دون تحقيق أو تثبّت. وتجدر الإشارة إلى أن كافة التهم التي نُسبت إلى المعتصمين بالتقرير لم يصدر بها حكم قضائي حتى الآن، كما أثبتت التحقيقات تلفيق بعض هذه التهم للمعتصمين كواقعة استخدام أطفال ملجأ أيتام في العمل السياسي بالاعتصام، وأيضا الكثير من التهم التي نسبها التقرير إلى المعتصمين لا تتوافر فيها ركن (رابطة السببية) بين الأثر الجنائي والمتهم، كما أن القواعد القانونية الجنائية قواعد شخصية بحيث لا يمكن قانوناً تعميم جريمة خاصة بفرد على مجموعة أو فصيل، مما ينسف مصداقية التقرير"، بحسب تفنيد المنظمة.

أما السبب الثالث الذي دللت به المنظمة على تحيّز وانحياز التقرير أنه "ينبغي أن تراعي اللجنة الجهود الأخرى ذات الصلة التي تُبذل لتقصي الحقائق حول ذات الواقعة محل البحث، إلا أن اللجنة لم تلتفت لأي من التقارير والبيانات التي صدرت عن عشرات المنظمات والمؤسسات التي عملت في ذات الموضوع وخلصت إلى نتائج واضحة ومحددة، مما يؤكد أن اللجنة مصدرة التقرير ما هي إلا غطاء شكلي ووسيلة لشرعنة رواية السلطات الحالية التي تبرر ارتكابها للجرائم والانتهاكات المختلفة".
والسبب الرابع، بحسب المنظمة، يتمثّل في "يجب على اللجنة القائمة على تقصي الحقائق أن تلتزم بالإحاطة بتفاصيل كاملة حول الواقعة، وفي هذا الإطار ينبغي عليها أن تستمع إلى شهادات كافة الشهود والضحايا وأسرهم وأن يكون لها في سبيل ذلك زيارة أي مكان بحرية ودون إشعار سابق، وعقد اجتماعاتها بحرية في أي مكان، إجراء مقابلات بحرية وعلى انفراد مع أي فرد أو مجموعة من الأفراد أو أعضاء الهيئات أو المؤسسات وجمع المعلومات ذات الصلة بأي وسيلة تعتبرها مناسبة ـ إلا أن اللجنة لم تلتزم بأي من هذه المعايير ولم تستمع إلى مصابي فض الاعتصام من المعتصمين أو أسر الضحايا أو شهود العيان إلا بأعداد قليلة جداً لتضفي شكلاً حيادياً على أدلة التقرير، غير أنها لم تشر إلى شهاداتهم أو تأخذ بها أو تقبل ما ورد فيها، كما لم تنتقل إلى السجون لتسمع أقوال المعتقلين من داخل فض الاعتصام حول الأحداث. وذكر التقرير كذلك عدم تمكن اللجنة من الحصول على خطة وزارة الداخلية حول عملية فض الاعتصام وقرروا أنهم قد استنبطوها من الوقائع، وهو خطأ مهني جسيم يهدر كل النتائج التي بُنيت على ذلك، كون اللجنة مشكّلة من جهة رسمية مخوّلة قانوناً بالاطلاع على أي مستندات ذات صلة بموضوع التحقيق ولا يوجد مبرّر مقبول لعدم اطلاعهم على هذه الخطة".

السبب الخامس: "ينبغى دائماً أن يقتصر التقرير على عرض ذي طابع وقائعي للنتائج، وقد خرج التقرير في معظم فقراته عن الوقائع وعمد إلى الزج برأي محرري التقرير في كل الفقرات بلا استثناء حول ارتكاب جرائم جسيمة ومخالفة القوانين الدولية ووجوب تعديل قوانين وإصلاحات تشريعية، وتبرير كل ممارسات الأجهزة الأمنية". أما السبب السادس: "فإنه ينبغي للجنة العاملة على تقصي الحقائق أن تسعى لأن يكون لديها معرفة كاملة بجميع الحقائق ذات الصلة بموضوع عمل اللجنة، وقد تعامت اللجنة متعمّدة عن مئات المحاضر الرسمية التي حررتها أسر الضحايا يتهمون فيها قوات الجيش والشرطة عمداً بقتل ذويهم والتي لم يُفتح فيها تحقيق حتى الآن دون مبرر. كما أعرضت اللجنة عن انتهاك قانوني خطير تمثّل في صدور قرار من النائب العام بالتعامل مع الاعتصامات بعد ساعات قليلة من استلامه كتاباً من وزير الداخلية حيث تسلّم الكتاب مساء 30/7/2013 وقام بإصدار القرار في الثالثة صباحاً من يوم 31/7/2013، أي دون بحث أو تحقيق، مما يؤكد تسييس النيابة العامة وتبعيتها فعلياً بشكل كامل للسلطات الأمنية. كما تجاهلت اللجنة أنواع الإصابات وطبيعتها والواردة بالتقارير الطبية الرسمية حول انفجارات جماجم بعض الضحايا وثقب أجسادهم جراء طلقات متفجرة والتي تؤكد استخدام أسلحة ثقيلة لا يوجد أي مبرر قانوني لاستخدامها في مواجهة مدنيين. كما أنكر التقرير اشتراك القوات المسلحة في عملية الفض ولم يتطرق إلى ذكرها تماماً بأي صورة على رغم أنه من المعلوم للكافة ومن المرصود بما لا يدع مجالا للشك وحتى وفقاً للتصريحات الرسمية باشتراك الجيش في عملية الفض بشكل أساسي".

السبب السابع والأخير لدى المنظمة، يتمثّل في "أنه خرج التقرير بنتائج غير منطقية، حيث ذكر وجود اشتباكات دارت طوال 11 ساعة وإطلاق نيران حية من داخل الاعتصام على قوات الشرطة طوال هذه الفترة بررت استخدام الأخيرة للنيران بالقدر المناسب تجاه المعتصمين، ثم في المقابل ذكرت الأوراق الرسمية أن كل الأسلحة التي تم ضبطها في الاعتصام هي تسعة أسلحة نارية فقط وفق تصريح وزارة الداخلية الرسمي، وحتى مع التسليم بصحة هذه الرواية، فإنه لا يمكن التذرّع بها لإزهاق أرواح كل هذا العدد من الضحايا".

وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا قد وثّقت 67 شهادة لمصابي وأسر قتلى مجزرة فض رابعة العدوية، كما وثّقت 36 شهادة لشهود عيان.

وأكدت المنظمة على أن ما قامت به قوات الأمن أثناء قيامها بفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة هو عملية قتل منهجية تنطبق عليها معايير الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية استهدفت طائفة من المواطنين المصريين بسبب آرائهم السياسية المعارضة للسلطات الحالية، وقد قامت بتنفيذ هذه الجريمة قوات من الجيش والشرطة بناءً على أوامر مباشرة صادرة لهم من المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، واللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، وباشتراك كامل من كل أعضاء حكومة حازم الببلاوي والرئيس المؤقت، عدلي منصور، ومجلس الدفاع والأمن القومي الذي أشرف على التنفيذ. كما يشترك في ارتكاب هذه الجريمة النائب العام هشام بركات بإصداره تفويضاً غير قانوني لقوات الأمن للقيام بفض كافة الاعتصامات دون إجراء تحقيق جاد ومحايد.

كما أكدت المنظمة أن صدور مثل هذا التقرير هو بمثابة محاولة لتبييض وجه النظام وتبرئة ساحة المشير عبد الفتاح السيسي والأجهزة الأمنية من تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ما يعني تشجيعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم ما دام هناك مَن يعمل على تبرئتهم ويسعى لإضفاء المشروعية على ممارساتهم.

وأشارت المنظمة إلى أن هذا التقرير، الذي يُرجع مقتل مئات الضحايا إلى أخطاء إجرائية وسوء تخطيط من قبل الشرطة ويلغي المسؤولية الجنائية للقائمين على السلطة، إضافة إلى امتناع جهات التحقيق القضائية عن تحريك مئات البلاغات المقدمة ضد المشير عبد الفتاح السيسي ومحمد إبراهيم وأعضاء حكومة الببلاوي، يثبت أن الضحايا وأسرهم قد استنفدوا سبل العدالة الوطنية، كما يثبت عدم توافر الرغبة لدى كافة أجهزة الدولة في فتح تحقيق محايد وجاد للتحقيق في الانتهاكات التي تمّت، ما يفتح الباب واسعاً أمام الضحايا للالتجاء إلى القضاء الدولي.

ودعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أمين عام الأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق كاملة الصلاحيات للكشف عن الجرائم التي ارتُكبت عقب الثالث من يوليو/ تموز 2013 وتقديم المسؤولين عنها للعدالة.

كما شددت المنظمة على أنه، أمام إهدار منظومة العدالة في مصر وانصياع كافة المؤسسات والجهات القضائية لرغبة السلطات الحاكمة، لم يعد ثمة من منفذ أمام الضحايا الذين سقطوا في مصر منذ الثالث من تموز 2013 سوى المحكمة الجنائية الدولية، فعلى هذه المحكمة أن تسرع في البت في قبول الدعوى التي رُفعت أمامها وأن لا تمكّن مَن ارتكب جرائم ضد الإنسانية في مصر الإفلات من العقاب.

 

دلالات