هل يجب أن يخشى العالم سيناريو دونالد ترامب رئيساً؟

هل يجب أن يخشى العالم سيناريو دونالد ترامب رئيساً؟

20 يونيو 2016
يُباع قناع ترامب المصنوع في اليابان بـ22 دولاراً(توموهيرو أوهسومي/Getty)
+ الخط -
للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، يتوجّس قادة العالم من نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل. مجزرة أورلاندو بولاية فلوريدا، في 12 يونيو/ حزيران الحالي، سلّطت الأضواء، مجدداً، على مخاطر خطاب المرشح الرئاسي الجمهوري المفترض دونالد ترامب، وجدّدت تساؤلات مشروعة حول رئاسته المحتملة ومدى انعكاسها على خطابه المتشدد.

ينظر العالم، خارج الولايات المتحدة، إلى ترامب على أنه الرئيس المحتمل الذي سيبني جداراً مع المكسيك، ويدمّر علاقات أميركا مع حلفائها، ويُبعد عنها المهاجرين الذين يصنعون قوة تنوعها. صحيفة "دير شبيغل" وصفته بأنه "محرّض أميركا"، و"الرجل الأكثر خطورة في العالم". هذا المرشح الرئاسي على مسافة أسابيع من قيادة الحزب الجمهوري، إذ سيبدأ بعدها بتلقي تقارير وكالة الاستخبارات المركزية، باعتباره على مشارف الدخول إلى المكتب البيضاوي. فهل فعلاً يجب أن يخشى العالم سيناريو وصوله إلى الحكم؟

في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن ترامب ليس المرشح الرئاسي الأول الخارج عن المألوف في التاريخ الأميركي. المقارنة الأكثر وضوحاً التي رسمها المؤرخون هي مع رجل الأعمال ويندل ويلكي، الذي كان مرشح الحزب الجمهوري عام 1940 بوجه الرئيس فرانكلين روزفلت. في ذلك الوقت، كان التحدي الأبرز صعود النازية، واحتمالات نشوء حرب عالمية ثانية مقارنة مع تحدي ما يسمّى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في هذه الأيام. رفض كل من ويلكي وترامب، خلال الحملة الانتخابية، التورط في الحروب الخارجية، وتباهيا بتمويل حملتيهما الانتخابية من مالهما الخاص.

تقدّم ويلكي في استطلاعات الرأي حينها، نتيجة خطابه المعادي للأوروبيين، واستغلاله لمشاعر الأميركيين الخائفين من حرب عالمية ثانية. اعتبر ويلكي، خلال خطاب قبول ترشيح الحزب الجمهوري له، أن ألمانيا "سحقت فرنسا مثل قشر البيض. السبب واضح الآن: الخطأ يقع على عاتق فرنسا نفسها". في النهاية فاز روزفلت بولاية ثالثة، ودخلت أميركا الحرب العالمية الثانية التي أصبح ويلكي من أبرز مؤيديها.

عندما سألت شبكة "أم أس أن بي سي" ترامب عن مصدر النصائح التي يتلقاها في السياسة الخارجية، كان جوابه "أتحدث مع نفسي، لأن لدي عقل جيد جداً... لهذا أعرف ما أفعله". هناك بالفعل الكثير من المؤشرات تدل على أن ترامب سيكون على الأرجح رئيساً منعزلاً عن الآخرين، كما كان الرئيس الثاني للولايات المتحدة، جون آدامز. مع الفارق الواضح بالمهارات الفكرية والسياسية بينهما، إذ كانت شخصية آدامز صعبة مثل ترامب ولم يكن محبوباً من قبل وزرائه. في النهاية كان آدامز رئيساً لولاية واحدة وليس أكثر.





ستعكس إدارة ترامب، وفقاً لمراقبين، على الأرجح، الانقسام الحالي الذي يطبع حملته بين المناصرين الأوفياء من جهة الذين يفعلون كل شيء ممكن لمرشحهم، والمعسكر الوسطي من جهة أخرى الذي يريد التماهي مع المؤسسة الحزبية. وإذا لم يتأقلم ترامب مع قواعد الاشتباك في اللعبة السياسية في واشنطن، سيكون عنوان رئاسته الجمود والانقسامات الداخلية بدل التركيز على التحديات العالمية. وقد يملأ غرفة العمليات في البيت الأبيض صمت مريب عندما يشرح فريق الأمن القومي لـ"الرئيس ترامب" أن رغبته بإنشاء صداقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحول دونها الحروب السرية الدائرة بين واشنطن وموسكو، وبأن اليابان غير مهتمة بعرض امتلاك سلاح نووي.

حتى شعار ترامب ببناء جدار على طول الحدود مع المكسيك سيواجه تحديات جسيمة تشريعية ولوجستية وسياسية، وسيكتشف خلال أيام من توليه الحكم أنه لا يمكن إقناع المكسيك بالقوة بدفع ثمن الجدار، أو أخذ المبلغ من العجز التجاري الأميركي مع المكسيك، أو إقناع الكونغرس الأميركي بتمويله. أما شعاره المفضّل بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، فليس فقط انتهاكاً للقوانين الأميركية، بل من المستحيل إقراره ضمن البيروقراطية الأميركية، كما لا يمكن أن يمر من دون تداعيات سلبية على تماسك الحزب الجمهوري.

برهن ترامب، أكثر من مرة، أنه يقوم بتصريحات مشينة في لحظة سياسية ما ويتراجع عنها بعد فترة. هو تراجع عن موقفه حيال قيام واشنطن بدور "حيادي" في النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وتوقّف، إلى حد ما، عن ذكر فكرة بناء الجدار مع المكسيك، كما لفترة توقف عن الإشارة إلى حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. قال ترامب لشبكة "فوكس" في 13 مايو/ أيار الماضي، في هذا السياق، إن كل ما يقوله في الحملة هو اقتراحات "أنا لست الرئيس". لكن ترامب رأى في اعتداء أورلاندو فرصة ثمينة لإعادة الزخم إلى حملته المتعثرة، وصرف الأنظار عن مكامن الضعف الكثيرة في برنامجه السياسي، وتحالفاته داخل الحزب الجمهوري. تجديد خطابه المعادي للمهاجرين يأتي في سياق مواقفه المتراكمة التي تموضع من خلالها في معسكر اليمين المحافظ في محاولة لاستغلال غضب الأميركيين من واشنطن، وتردي أوضاعهم الاقتصادية، وخشيتهم من الأعمال الإرهابية.

ما يهم ترامب، مثل أي ديماغوجي، هو استطلاعات الرأي وليس مضمون السياسات التي يعلن عنها، والغاية النهائية لمواقفه المثيرة للجدل هي الهيمنة على التغطية الإعلامية، وتحفيز قاعدته الشعبية. وبالتالي لا يهتم الآن بما يفكر فيه العالم أو حتى جزء كبير من الأميركيين، لا سيما الليبراليون منهم. لكن أكثر ما يثير القلق ليس المقترحات البعيدة عن المنطق، بل عدم قدرة أحد على التنبؤ بطبيعة سياسة ترامب الخارجية. حتى الآن، يبدو كأنه رئيس لا يحبّذ فكرة التدخل الخارجي، وقد لا يكون مؤيداً كبيراً لفكرة التعاون الدولي في كل الملفات، لكن بشكل عام، ما قاله منذ خطابه الأول للسياسة الخارجية في "مركز المصلحة القومية" في 27 إبريل/ نيسان الماضي، ليس فيه تحوّل كبير، أو حتى رؤية جدية للسياسة الخارجية الأميركية.

في نهاية المطاف، ترامب غير قادر على تعديل النظام الأميركي بشكل جذري، أو تغيير طبيعة علاقة أميركا مع حلفائها حول العالم. قد يغيّر أسلوب التعاطي الرئاسي في واشنطن ومع المجتمع الدولي، لكن في النهاية، مثل أي رئيس قبله، عليه التعامل مع تحديات الحكم اليومية، أي عالم يزداد خطورة، وكونغرس مختلف على كل القضايا التشريعية، وبيروقراطية أميركية منقسمة بشكل متزايد حول معظم التحديات العالمية. مع كل مخاطر وصول ترامب إلى الحكم، وأبعد من مقتضيات الحملات الرئاسية في الفترة الراهنة، "الرئيس ترامب" سيتأقلم مع النظام مثل كل أسلافه.