"كي وان" نقطة ارتكاز القوات الأميركية بالشمال العراقي

"كي وان" نقطة ارتكاز القوات الأميركية بالشمال العراقي

29 يوليو 2019
قوات أميركية في العراق (سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -

على مقربة من أضخم مستودعات النفط العراقية، عند بلدة الدبس (20 كيلومتراً شمال غربي كركوك) تتربع قاعدة "كي وان" العسكرية، التي تضم أضخم الوحدات القتالية الأميركية في الشمال العراقي، إلى جانب وحدات رصد جوية ومنظومة رادارات، لتنافس قاعدة "عين الأسد" في محافظة الأنبار. وتمّ بناء القاعدة في نهاية السبعينيات، لتستخدمها القوات الجوية العراقية لضرب العمق الإيراني، في مناطق سربيل زهاب وقصر شيرين وكرمنشاه إبان الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988). وقد اتخذت القوات الأميركية من القاعدة، عقب الغزو الأميركي ـ البريطاني (2003)، موقعاً رئيسياً لها وأطلقت عليها اسم "كي وان"، في إشارة إلى الحرف الأول من كركوك، والرقم 1 الذي يعني القاعدة الأولى من مجموع مواقع عسكرية موجودة بالمحافظة، سيطرت عليها جميعاً القوات الأميركية. وتبلغ مساحة القاعدة أكثر من 15 كيلومتراً مربّعاً، على طريق الدبس ـ كركوك باتجاه منطقة باجوان شمال غربي كركوك، تقابلها مستودعات النفط العملاقة المملوكة لشركة "سومو"، الذراع العراقية لتصدير النفط. وهي مقرّ عمليات تصدير النفط الخام من كركوك إلى ميناء جيهان التركي.

وتضم القاعدة مستودعات ومخازن عسكرية تحت الأرض ومرابض طائرات مقاتلة، ومدارج هبوط وإقلاع ومنصات رصد ومراقبة واستشعار. كما تعرّضت لهجمات انتحارية عدة من قبل تنظيم "القاعدة" وتنظيم "داعش"، آخرها عام 2017 التي أسفرت عن مقتل عدد من الحرّاس. وبعد عام 2011 أصبحت "كي وان" مقراً للقوات العراقية وتحديداً الفرقة الثانية عشرة، التي انسحبت منها بعد الانهيار السريع للجيش العراقي عام 2014 إثر اجتياح "داعش" شمال البلاد وغربها، ورغم سقوط أغلب المناطق القريبة منها، إلا أن القاعدة ظلّت صامدة بسبب التحصينات الموجودة فيها وتقدم قوات البيشمركة إلى تلك المنطقة، التي قامت في ما بعد بإرغام القوات العراقية الموجودة فيها على المغادرة وتسليم القاعدة لهم بالكامل. واستمر الحال حتى عام 2017، حين عادت لسيطرة بغداد إثر الحملة العسكرية التي نفذتها الحكومة العراقية، رداً على قيام إربيل بتنظيم استفتاء للانفصال عن العراق، التي أسفرت عن طرد قوات البيشمركة من كركوك ومدن أخرى مجاورة ودفعها للتراجع إلى داخل إربيل.

وعلى أثر تشكيل التحالف الدولي للحرب على "داعش" في نهاية عام 2014، عادت القاعدة مجدداً لتحتضن المئات من الجنود الأميركيين، مع أرتال من العربات والدروع ومروحيات الأباتشي والبلاك هوك. وتعمل هذه القوات حالياً على تدريب العراقيين، وتجهيز الوحدات الجديدة، بما تحتاج إليه من ذخيرة وسلاح. وتُعتبر أيضاً رأس حربة في رصد تحركات التنظيم في حوض العظيم بمحافظة ديالى الحدودية مع إيران، وسلسلة جبال حمرين، وصولاً إلى بادية الموصل وصحراء البعاج الحدودية مع سورية.

وعلى غرار باقي القواعد والمعسكرات التي توجد بها القوات الأميركية في العراق، فإن قاعدة "كي وان"، تضم قوات عراقية مشتركة مسؤولة عن مسك الملف الأمني في كركوك وضواحيها، إلا أن القوات الأميركية التي يبلغ تعدادها المئات تحظى بمساحة مقتطعة داخل القاعدة، تماماً مثل قواعد "عين الأسد" و"الحبانية" والمطار في الأنبار وبغداد. القاعدة التي لا يمكن لفصائل "الحشد الشعبي" الاقتراب أو الوجود في محيطها بقطر 10 كيلومترات، كما هو باقي القواعد الأميركية الموجودة في العراق، تحولت إلى مركز توازن داخل المحافظة لا على المستوى الأمني بل حتى السياسي، تحديداً في ظلّ التوترات الحالية بين القوى العربية والتركمانية من جهة والكردية من جهة أخرى.

وكشف مسؤول عراقي في مجلس محافظة كركوك، أن "القاعدة التي تعتبر أيضاً مركز تهدئة بين بغداد وإربيل، ومكاناً لتنسيق الجهود بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة في المناطق المتنازع عليها، قد تشهد في الفترة المقبلة دوراً أكثر أهمية، بالتزامن مع اقتراب انتخابات مجالس المحافظات واحتدام التنافس في كركوك بين مكوناتها القومية، وكذلك اعتزام بغداد تنظيم إحصاء سكاني العام المقبل، يشمل المناطق المتنازع عليها بين بغداد وإربيل ضمن المادّة 140 من الدستور، التي قد يترتب عليها انسلاخ بعض المناطق وبقاء أخرى تحت حكومة بغداد وذهاب أخرى الى إقليم كردستان. وهو ما قد يؤدي إلى احتجاجات أو فوضى متوقعة". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القاعدة تعتبر اليوم منطلقاً للتنسيق الأمني للعمليات ضد جيوب تنظيم داعش في العراق".



وذكر المسؤول أن "قاعدة كي وان هي الأكثر إزعاجاً للإيرانيين من بين القواعد التي تضمّ أميركيين في العراق، بسبب موقعها الجغرافي القريب من الأراضي الإيرانية. وكذلك وقوعها على محور مهم يربط شرق العراق بشماله، وصولاً إلى الأراضي السورية". ولفت إلى أنه "خلال الفترة الماضية تحولت القاعدة إلى وسيلة للتهديد وحتى القتل، فتنظيم داعش قتل الكثير من المواطنين، ومنهم مختارو مناطق، مدّعياً أنهم عملاء أو كما يطلق عليهم (جماعة كي وان). في المقابل، فإن القوى السياسية تتراشق في ما بينها الاتهامات في وجود ترتيبات لهذا التيار أو تلك الكتلة، حيال الملفات المتعلقة بمرشحين لمناصب المحافظة الشاغرة، وحتى من يصيبه الثراء السريع فسيكون أول اتهام له أنه يتعامل مع الأميركيين في القاعدة، كمقاول طعام ونقل أو مناقصات مشاريع خدمية وتنموية أو عمل لديهم مترجماً أو متعاوناً".

وحول ذلك قال أحد أعضاء الجبهة العربية في كركوك سفيان الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من كون القاعدة عسكرية، إلا أنها تذكرنا دوماً بالحاجة إلى أن يصلح الأميركيون ما خربوه في العراق قبل انسحابهم مرة أخرى". وأضاف أنه "حالياً لا يمكن الخوف على المدينة، فلا البيشمركة قادرة على فرض إملاءاتها ودخول كركوك رغماً عن بغداد، ولا المدينة يمكن أن تدخل بفوضى تهدد أمنها. الأميركيون في هذه القاعدة نقطة توازن حقيقية بين الجميع".

بدوره، اعتبر عضو التيار المدني في كركوك هافال أحمد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "أبرز ما تقوم به قاعدة كي وان حالياً، هو تدريب قوات أمن بعيداً عن مكوناتهم الطائفية والعرقية. وهذا مهم بالنسبة لكركوك". وأبدى أمله أن "يرحل الأميركيون، لكنهم حالياً عامل أمان لعدم تحويل الاحتقان إلى انفجار. وهذا مهم جداً بالنسبة لنا".

وكان محافظ كركوك راكان سعيد الجبوري، قد عقد لقاءً منتصف الشهر الماضي مع قائد القوة الأميركية، في قاعدة "كي وان"، المقدم بيرغ هارد، مشيداً بـ"الحرب على إرهاب داعش ودعم جهود إعادة الاستقرار للمناطق المحررة". وجرى خلال اللقاء تدارس الوضع الأمني في عموم المحافظة، وخصوصاً المناطق المحررة، في ضوء العمليات العسكرية الأخيرة التي جرت في مناطق جنوب كركوك بمنطقة وادي الشاي وجبال حمرين، التي اشتركت بها جميع التشكيلات الأمنية واستهدفت مسلحي "داعش" ومخابئه.

من جهته، أوضح الخبير بالشؤون الأمنية في كركوك محمد الجاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "القاعدة بمثابة تذكير بأن العراق ما زال بحاجة إلى دعم دولي، وأن الحكومة الاتحادية في بغداد غير قادرة على بسط نفوذها في عموم البلاد". وتابع: "كما أنه من المهم أن نشير إلى أن القاعدة ليست مركزاً لبث السلام أو الاستقرار في كركوك، فهي جزء من المشكلة العراقية منذ عام 2003. غير أنه يمكن اعتبارها نقطة توازن بين صراع أجندات مختلفة، رغم أن الأميركيين يميلون إلى بغداد في خلافاتها مع إربيل منذ عام 2017 وحتى الآن".