توتر دبلوماسي بعد موجة العنصرية تجاه الأفارقة في الصين

موجة العنصرية تجاه الأفارقة في الصين بسبب كورونا تدفع إلى توتر دبلوماسي

14 ابريل 2020
اتهام الأجانب بأنهم مصدر العدوى (Getty)
+ الخط -
تطفو اليوم مع تفشي وباء كورونا في الصين توترات عنصرية، وقع ضحيتها هذه المرة أصحاب البشرة السمراء مع مواصلة الماكينة الإعلامية التي يسيرها الحزب الشيوعي الحاكم اتهام الأجانب بأنهم مصدر للعدوى. 

وهذه الممارسات شبه التحريضية، وتحت مرأى ومسمع الشرطة والسلطات، تدفع بالصين وربما للمرة الأولى إلى توتر رسمي ودبلوماسي مع القارة الأفريقية، بسبب التقارير التي تنتشر عما يتعرض له مواطنو القارة التي استثمرت بكين فيها بكثافة، خلال الأعوام الماضية، لإيجاد موطئ قدم منافس للغرب، وبتبادل تجاري أغلبه صيني بنحو 120 مليار دولار، بحسب تقديرات 2014، وفقاً لتقرير لـ"فورين بوليسي"، في فبراير/ شباط 2016.

وتتواصل في الصين التي انطلق منها وباء كورونا، موجة عنصرية وتمييز بحق الأفارقة، ورغم كل جهود بكين في السنوات الماضية لترسيخ قدميها في القارة الأفريقية، وتقديم نفسها بوجه مختلف عن الغربي الرأسمالي الاستغلالي، وإن كان لا يختلف في جوهره في المشاريع والمصانع التي تستغل الثروات والموقع الجغرافي-السياسي واليد العاملة الرخيصة في أكثر من دولة في القارة السمراء، ها هي تعيش آفة العنصرية التي لا تستثني في تفشيها حول العالم غرباً ولا شرقاً، ضحاياها هذه المرة أصحاب البشرة السوداء، ومنهم أفارقة وأميركيون من أصل أفريقي.

ففي غوانزو في جنوب الصين، المدينة التجارية التي يقصدها تجار الحاويات لشراء البضائع الرخيصة إلى دولهم، بمن فيهم العرب، أصبح ذوو البشرة السمراء، تزامناً مع ضخ إعلامي صيني عن "الخوف من تفشي وباء كورونا من القادمين من الخارج"، الأكثر عرضة اليوم للتمييز والعنصرية، التي تذكر بالتمييز الذي كان منتشراً في الولايات المتحدة الأميركية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.


وهذه المرة ليست فقط مطاعم وفنادق وحافلات المدينة التي تمارس التمييز بحق هذه الفئة من الناس، بل ينتشر، بحسب تقارير كثيرة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، بين السلطات ورجال الشرطة، التي توقف الأفارقة وتتحقق من أوراقهم بشكل دائم تقريباً.

أحد رجال الأعمال النيجيريين تلقى، مساء الأربعاء الماضي، إنذاراً مع زوجته بإخلاء المسكن المستأجر خلال ساعة واحدة فقط، في غوانزو التي يطلق عليها بعضهم "أفريقيا الصغيرة"، لكثرة انتشار التجار والعمال الأفارقة فيها. 


وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية المتاحة، وبالأخص "وي شات"  WeChat لا يخلو الأمر أيضاً من تسمية عنصرية سابقة لكورونا بتسمية غوانزو "مدينة الشوكولاته"، للإشارة إلى كثافة وجود ذوي البشرة السمراء فيها.

ولسنوات أيضاً ظلت التشنجات والتوترات بين الأفارقة والصينيين في هذه المدينة وغيرها مقموعة، كما حدث في 2016 بتعرض الأفارقة لحملة عنصرية، في ظل نظام شمولي يحافظ بكل الوسائل على صورة الصين كبلد خال من أمراض الغرب الرأسمالي، إذ تنتشر الشعبوية والعنصرية بحق الأجانب والمهاجرين، لكنها طفت إلى السطح أخيرا مع تفشي الوباء وسياسة إعلامية غارقة في رمي المسؤولية على الآخرين في هذا الوباء الذي لا يفرق بين جنس وآخر.


استبعاد وتشريد

في الأيام الماضية توالت شهادات مقيمين أجانب في الصين عن انتشار ظاهرة ملاحقة الأفارقة وبينهم طلاب يدرسون هناك، وبعضهم يطارده رجال الشرطة بلباس رسمي ومدني وسط تشجيع الصينيين. هذا إلى جانب رفض المطاعم والفنادق لهم، ورمي بعضهم في الشارع ليتحولوا إلى مشردين، رغم أنهم موجودون بصفة تجار تصدير من الصين إلى بلادهم في أفريقيا.

وحمّل بعض متابعي الشأن الآسيوي الأفريقي الحكومة الصينية مسؤولية تفشي ظاهرة العنصرية بحق الأفارقة، إلى جانب انتشار شهادات وأشرطة توضح المعاملة السيئة لأصحاب البشرة السمراء في شوارع غوانزو، بحسب تقرير لـ"أفريكان فاكتس زون"، إذ يظهر في شريط فيديو كيف ترفض الفنادق مبيت هؤلاء فيها.

ونشر الصحافي ديفيد بولك المقيم في الصين، كيف يجري طرد واعتقال وإبعاد أفريقيين عن مساكنهم بمعية الشرطة الصينية، وتظهر في فيديو مجموعة من الناس الممنوعين من دخول منازلهم المستأجرة وصوت مصور الشريط يقول "النيجيريون يعانون في الصين، يا إلهي أي نوع من البلاد هذه؟". وهو أيضاً ما أشار إليه الباحث في شؤون الهجرة وتفشي العنصرية في آسيا روبيرتو كاستيلو، في شهادته لمحطة "سي أن أن" الأميركية، يوم 10 إبريل/نيسان الحالي.


وتثير التبريرات الصينية الرسمية لممارساتها لمنع انتشار فيروس كورونا، حفيظة الدراسين والمقيمين الأفارقة الذين حولتهم السياسات الرسمية إلى مشردين في شوارع غوانزو، مع شهادات عن تعرضهم لمعاملة سيئة مماثلة في مدن صينية أخرى.

وأشار أحد التجار النيجيريين، وقدم نفسه باسم مستعار، نانسو، خشية توابع شهادته، في تقرير نشره موقع "سي أن أن" من الصين، إلى أنه عاش في الصين لثلاثة أعوام ويدفع نحو 200 يورو شهرياً أجرة الشقة في أحد ضواحي غوانزو، التي تضم نحو 15 ألف مقيم أفريقي بحسب الأرقام الرسمية الصينية، فيما يُعتقد أن الأرقام أعلى من ذلك بكثير، وأبلغه المؤجر في وقت متأخر ليلاً أنه عليه مغادرة المسكن مع زوجته خلال ساعة واحدة "لقد سألت عما اقترفته، فأنا أدفع الأجرة بشكل دائم، لكنهم لم يعطوني أي تفسير".

وأبدى 10 من 12 فندقاً في المدينة رفضهم إسكان أي أفريقي جرى طرده من سكنه، ولم يبد أصحاب منازل معروضة للإيجار الموافقة على تأجير "الأجانب السود"، بحسب شهادات هؤلاء الأفارقة.


وخلال الفترة الأخيرة تقوم السلطات الرسمية في غوانزو بممارسات تعسفية يرويها أصحابها على مواقع التواصل الاجتماعي للمجموعات الأفريقية، ومن بينها القيام فجأة وبدون أعراض بفحصهم والحجر عليهم من دون أن يكون لديهم فيروس كورونا.

خوف على مستقبل الصين في القارة

وبالرغم من أن بكين ظلت تقدم صورة إيجابية عن علاقتها بأفريقيا، رسمياً وشعبياً، إلا أن الصحافة ووسائل الإعلام المهيمن عليها بشكل صارم من الحكومة المركزية في بكين تساهم مساهمة مباشرة في انتشار ظاهرة استهداف وملاحقة هذه الفئة من المقيمين في البلاد.

وخلال الأسبوع الماضي، كررت صحيفة قومية متشددة في الصين "غلوبال تايمز"، عناوين مثيرة للجدل حول الأفريقيين و"نقلهم العدوى". فقد جاء في عنوان عريض للصحيفة يوم 7 إبريل/ نيسان، أنّ"سلطات غوانزو تشدد الرقابة بعد انتشار حالات مستوردة من نيجيريا نقلت العدوى لأصحاب المطاعم والأطفال"، هذا بالرغم من أنّ الأغلبية تقيم في المدينة منذ تفشي الوباء في ووهان الصينية ولم يغادروا البلد أو لم يحضروا إليه حديثاً.

وأدى انتشار ظاهرة استهداف الأفارقة إلى احتجاجات سياسية ودبلوماسية رسمية من دول الاتحاد الأفريقي، ما اضطر سلطات بكين إلى محاولة الدفاع عن صورة البلد بالقول إنه لا يوجد أي إثبات حول انتشار معاداة الأجانب أو أنها سياسة رسمية من سلطات بكين.

وحاولت الخارجية الصينية إعادة التأكيد على "الصداقة بين الصين وأفريقيا"، فالقارة الأفريقية تعتبر الشريك التجاري الأكبر لبكين. وذكر المتحدث باسم الخارجية الصينية أو لي جيان، أنه منذ بداية تفشي كورونا "قامت الصين وأفريقيا بدعم متبادل ويكافحان الوباء سوية"، مؤكداً أنّ "الصين تعامل كل الأجانب بالتساوي".

توتر دبلوماسي

تلك التصريحات لم تجد صداها في دول أفريقية، وعليه طالبت دول مثل نيجيريا وكينيا وأوغندا وغانا والاتحاد الأفريقي بصفة عامة بتوضيحات رسمية من الصين لهذه الاستهدافات التي يتعرض له مواطنو القارة. وتم استدعاء السفير الصيني في نيجيريا، إذ ذكر وزير الخارجية النيجيري، جيفري أونوياما، أنه استدعى السفير الصيني في بلده "وعبرنا عن قلقنا ومخاوفنا الكبيرة من مزاعم سوء معاملة النيجيريين في غوانزو، وطالبنا بتدخل فوري لحكومة الصين".

وفي كينيا، عبرت الصحافة عن انزعاجها من العنصرية في الصين بعنوان "كينيون في الصين: أنقذونا من الجحيم" بحسب ما ذهبت صحيفة "ستارداي ناشين" عن ظاهرة انتشار كراهية الأجانب في الصين.

وبنفس الاتجاه الأفريقي القلق من معاملة الأفارقة في الصين، أعربت الولايات المتحدة عن الاستياء من السياسات الصينية الرسمية تجاه أميركيين من أصل أفريقي "بعد أن بدأت شرطة غوانزو تطبيق منع تقديم وجبات للسود في الحانات والمطاعم"، بحسب ما أوردت "واشنطن بوست"، يوم 11 إبريل/ نيسان الحالي.

ويبدو أنّ تفشي الكراهية المدفوع بخوف من وباء كورونا بات يشكل كابوساً لسلطات بكين التي بدأت تستشعر خسائر كبيرة في مكانتها وعلاقتها التي استثمرت فيها منذ تسعينيات القرن الماضي في القارة الأفريقية وغيرها من مناطق العالم.

التبريرات التي تقدمها بكين، وبأنها لا تتسامح مع تفشي العنصرية، لم تقنع دولاً كثيرة في القارة، ولا هؤلاء الذين يقومون بتسجيل الانتهاكات بحقهم في البر الصيني ومن هنا كانت الكلمات القوية التي عبرت عنها، أخيراً، زيمبابوي برفضها بيانات بكين حول سياسة التمييز العنصري.

ورفضت بكين اتهامات زيمبابوي معتبرة أن "تلك التصريحات عن التمييز العنصري تحمل إساءات لفظية وعملية ضد الصينيين في البلد (زيمبابوي)، وبدل التسبب بضجة حول صحة هذه الحوادث قمنا بالتواصل مع السلطات في زيمبابوي التي نعرف أنها لا تتسامح مع مثل هذا السلوك"، وفقاً لتعليق السفارة الصينية.

ووصول الأمر إلى هذا المستوى من التعليقات والتوتر لا يبدو أنه في مصلحة بكين التي تملك استثمارات هائلة في القارة، وتحاول استعادة عافيتها بتلميع صورتها مرة أخرى في علاقاتها التجارية مع العالم الخارجي، وخصوصاً مع تقارير أخرى حول شركات غربية بدأت تعد العدة للعودة مرة أخرى بإنتاجها إلى دولها بعد التعافي من وباء كورونا.

المساهمون