تغيّر خارطة الفصائل في الشمال السوري: مخاوف وتحديات

تغيّر خارطة الفصائل في الشمال السوري: مخاوف وتحديات

30 يناير 2017
فصائل عدة اندمجت مع "أحرار الشام" أخيراً (باسم الشامي/الأناضول)
+ الخط -
شهدت خارطة فصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال وشمال غربي سورية تغيراً كبيراً إثر عمليات اندماج وانصهار جرت على عجل، أفرزت كيانين كبيرين لهما ثقلان عسكري وشعبي، هما حركة "أحرار الشام"، و"هيئة تحرير الشام"، واللتان تتداخل مناطق سيطرتهما، وهو ما ولّد خشية من اقتتال داخلي، لتأكيد وترسيخ مناطق السيطرة بينهما، الأمر الذي تعمل جهاتٌ لتفاديه.
وظهرت مساء السبت "هيئة تحرير الشام" باندماج فصائل عدة في جسم واحد، ما يؤسس لمرحلة جديدة من مراحل المعارضة المسلحة، التي وجدت نفسها منقادة بفعل تطور الأحداث إلى هذا المصير. فقد أعلن كلٌ من: "جبهة فتح الشام"، و"حركة نور الدين زنكي"، و"لواء الحق"، و"جبهة أنصار الدين" و"جيش السنّة"، تشكيل "هيئة تحرير الشام"، مشيرة في بيانٍ مشترك، إلى أن "المؤامرات التي تعصف بالثورة السورية، والاحتراب الداخلي الذي يهدد وجودها"، هو ما دفعها إلى ذلك، موضحة في بيانها أنها تحرص على "جمع الكلمة، ورص الصف".
ودعت الهيئة الوليدة "جميع الفصائل العاملة في الساحة" إلى ما سمته بـ"إتمام هذا العقد، والالتحاق بهذا الكيان جمعاً للكلمة، وحفاظاً على مكتسبات الثورة، والجهاد"، وفق البيان. ويترأس الهيئة أبو جابر الشيخ الذي كان قائد حركة "أحرار الشام" منذ سبتمبر/أيلول عام 2014، وحتى سبتمبر/أيلول 2015، ورفض تجديد ولايته، مكتفياً بالبقاء عضواً في مجلس شورى الحركة، قبل أن يعلن استقالته منها، ليترأس الآن "هيئة تحرير الشام".
وسبق تشكيل هذه الهيئة اندماج فصائل فاعلة في ريفي حلب وإدلب في حركة "أحرار الشام"، أبرزها: فصائل "ألوية صقور الشام"، و"جيش الإسلام" (قطاع إدلب)، و"جيش المجاهدين"، و"تجمع فاستقم كما أمرت"، و"الجبهة الشامية" (قطاع ريف حلب الغربي)"، على خلفية نزاعات تطورت إلى اشتباكات دامية مع "جبهة فتح الشام". وبدأت كل تلك الوقائع، بالتزامن مع مؤتمر أستانة، والذي عُقد قبل أيام وشاركت فيه أغلب فصائل المعارضة السورية.
وأعلن أبو جابر الشيخ فور تشكيل الهيئة الجديدة، وقف إطلاق النار بين "جبهة فتح الشام" وبين "الفصائل الأخرى"، وفق بيان من الهيئة، والتي أكدت انضمام عدد ممن سمتهم بـ"المشايخ" إليها، ومنهم عبد الله المحيسني (سعودي الجنسية)، وسواه من العلماء الذين أشاروا في بيان إلى أن هذه الهيئة "هي قصار ما أمكن الوصول إليه"، لمواجهة "المخاطر".
كذلك أعلنت الهيئة عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي أمس الأحد، انضمام فصائل أخرى إليها، منها فصائل كانت منضوية تحت راية حركة "أحرار الشام"، ولكن المتحدث باسم الحركة أحمد قره علي، أوضح في تصريحات لـ"العربي الجديد" عدم انضمام "أي من تشكيلاتنا العسكرية إلى هيئة تحرير الشام"، معلناً أن "الاستقالات التي حدثت في الحركة، هي لأشخاص عملهم معلّق في الحركة أصلاً".
وعلم "العربي الجديد" من مصادره، أن بعض قيادات "حركة نور الدين الزنكي"، لم تكن "موافقة على الانضمام إلى هيئة تحرير الشام، وهو ما قد يؤدي إلى استقالات في الحركة".
وبدّل تشكيل الهيئة الجديدة، كل معطيات المشهد الميداني في شمال وشمال غربي سورية، ما قد يفتح أبواب جدل وخلاف كبيرة، في ظل حراك سياسي إقليمي ودولي محموم، للدفع مجدداً نحو تسوية سياسية، من المرجح أن الهيئة الجديدة لن تكون جزءاً منها.


ورأى الكاتب والباحث السياسي خليل المقداد، أن التشكيل الجديد "يعزز الفرز، ويضع الجميع على مفرق طرق وأمام استحقاقات لا يمكن الهروب منها"، متوقعاً في حديث مع "العربي الجديد" أن يتوسع هذا التشكيل أكثر في الأيام المقبلة، خصوصاً "بعد تخلي أبو محمد الجولاني، عن القيادة لصالح أبو جابر الشيخ".
وكانت جبهة "فتح الشام" (النصرة سابقا)، قد بدأت تفقد بعضاً من رصيدها الشعبي، والذي اكتسبته من خلال تصديها لقوات النظام والمليشيات الموالية له في الكثير من الجبهات، بسبب ممارسات أفضت إلى احتراب داخلي خلال الشهر الحال مع "أحرار الشام" وفصائل أخرى منها "صقور الشام" و"جيش المجاهدين"، وبسبب محاولات حثيثة لبسط نفوذ على كامل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة في محافظة إدلب.
وفي هذا الصدد، رأى المقداد أن إقدام "فتح الشام" على تشكيل "هيئة تحرير الشام"، يُعدّ "خطوة ذكية، تمنحها شرعية، وتكسبها شعبية"، متوقعاً مواجهة عسكرية مع حركة "أحرار الشام"، مضيفاً: "الأمر معقد جداً، وكل شيء وارد، والخارطة قد تتغير بفعل أي حدث كبير".
وتوقف مراقبون للمشهد السوري عند تراجع الجولاني عن القيادة، وهو الذي شكّل "جبهة النصرة" بعد أشهر من انطلاق الثورة السورية، في أواخر عام 2011، وظل مع حركته منذ ذلك الحين محل جدل واسع لدى السوريين، خصوصاً أنه لم يتبنَ شعارات ومبادئ وراية الثورة، محاولاً تعزيز وتكريس فكر وخطاب تنظيم "القاعدة" الذي يرفضه عموم السوريين.
وأعرب المقداد عن قناعته بأن الجولاني يهدف من وراء تقديم أبو جابر الشيخ إلى القيادة "لإبعاد جبهة النصرة عن الاستهداف والعزل، وتطمين الناس إلى أنه لا يسعى خلف الإمارة"، مشيراً إلى أن الجولاني "يسعى إلى تشكيل كيان لا يمكن تجاوزه في أي معادلات مستقبلية تتعلق بمستقبل سورية". ورأى المقداد أن تشكيل الجسم الجديد، هو استعداد لمراحل مقبلة في مسار الصراع على سورية، مضيفاً: "نحن ما زلنا في الفصل الأول الذي سينتهي بسقوط بشار الأسد، لكننا أمام فصول جديدة".
وقدّرت مصادر في المعارضة السورية أن يصل عديد مقاتلي "هيئة تحرير الشام" إلى نحو عشرة آلاف، والعدد مرشح للزيادة في ظل انضمام فصائل أخرى إليها. وتتداخل مناطق سيطرة "أحرار الشام"، و"هيئة تحرير الشام" داخل محافظة إدلب الخارجة برمتها عن سيطرة قوات النظام، وتُعد أهم معقل للمعارضة السورية، إضافة إلى ريف حلب الغربي، لذا يبدي متابعون مخاوف من اقتتال بين الطرفين لفصل مناطق النفوذ، أو توسعتها على حساب الطرف الآخر.
وأكدت مصادر محلية في مدينة إدلب لـ"العربي الجديد" أن الشارع منقسم ما بين "أحرار الشام"، و"هيئة تحرير الشام"، مشيرة إلى أن كفة "الأحرار" ترجح، بسبب خطابها المعتدل وقربها من مبادئ الثورة السورية.
وقال أيمن هاروش، وهو داعية سوري مستقل، وناشط ثوري، إن تشكيل "هيئة تحرير الشام" يمكن "أن يُقرأ من زوايا عدة، منها أنها كانت الطريقة الفضلى لإيقاف بغي الجولاني على فصائل الثورة السورية من خلال إدخاله في هذا الكيان الجديد". وأضاف هاروش في حديث مع "العربي الجديد": "هناك دوافع أخرى وراء تشكيل هيئة تحرير الشام، منها التخوف من ضرب جبهة فتح الشام من قبل الطيران الروسي، والتحالف الدولي"، معتبراً هذا الأمر "محاولة لنزع الذرائع من يد الآخرين لضرب فصائل معينة".
وكشف هاروش عن أنه كان هناك مسعى لدمج كل فصائل الثورة في كيان واحد "بشكل لا يتقدم أحد على آخر"، مضيفاً أن "الجولاني كان يصر على أن يكون رأس حربة في أي اندماج، وعندما رفضنا ذلك، حاول فرضه من خلال السلاح". وأشار هاروش إلى محاولات تجرى من أجل إرسال "رسائل تطمين" من قبل "هيئة تحرير الشام" لباقي الفصائل، خصوصاً "أحرار الشام" من أجل "عودة العافية إلى الساحة"، مضيفاً: "أما إذا بقي البغي مستمراً، ولم تُعطَ الحقوق فكل شيء وارد"، مبدياً خشيته من تصادم مقبل.
وحاولت "جبهة النصرة" منتصف العام الماضي، النجاة من تصنيفها ضمن "التنظيمات الإرهابية" من خلال إعلان فك الارتباط بتنظيم "القاعدة"، ووقف العمل باسم "جبهة النصرة"، وتشكيل جماعة جديدة باسم "جبهة فتح الشام"، ولكن التحالف الدولي والطيران الروسي استمرا في استهداف قادتها ومقاتليها. وتحاول الجبهة مجدداً الهروب إلى الأمام، من خلال الاندماج مع فصائل أخرى في "هيئة تحرير الشام"، ولكن مراقبين يستبعدون إيقاف التحالف الدولي ضرباته لها، وهو ما قد يؤدي إلى استهداف الفصائل التي شكلت معها الكيان الجديد.