معركة تلعفر: خنق "داعش" في سورية مهمة أساسية

معركة تلعفر: خنق "داعش" في سورية مهمة أساسية

21 اغسطس 2017
نحو 50 ألف جندي يشاركون في المعركة(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
بقوات برية قوامها نحو 50 ألف جندي وعنصر من الجيش العراقي وفصائل مليشيات "الحشد الشعبي" فضلاً عن فصائل تركمانية وعشائر عربية، وبغطاء جوي واسع من مقاتلات التحالف الدولي، أطلقت بغداد معركة تلعفر، آخر مدن محافظة نينوى الخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، بسقف زمني متوقع ما بين 4 إلى 6 أسابيع لانتهاء المعركة وطرد التنظيم منها أو القضاء عليه بشكل كامل، وسط مخاوف متجددة حول مصير عشرات الآلاف من المدنيين مع كل معركة يطلقها العراقيون لتحرير مدنهم.

وتبرز أهمية المعركة الحالية ليس لكونها آخر مراحل تحرير نينوى، شمال العراق، بشكل كامل، بل لكونها تمثّل آخر مراحل خنق تنظيم "داعش" في سورية، وخصوصاً في مدينة الرقة ومحافظة دير الزور، إذ كانت تلعفر التي لا تبعد سوى 68 كيلومتراً عن الأراضي السورية، بمثابة متنفس لأي ضغط على التنظيم في المنطقتين السوريتين، بسبب سيطرته على طريق تل البنات الرابط بين البلدين واستخدامه في عملية تنقل غير نظامية تتم بين الحين والآخر.


نتائج اليوم الأول

بدأت القوات العراقية تحركها البري نحو تلعفر في الساعة الرابعة من فجر أمس، الأحد، عبر أربعة محاور تحيط بالمدينة، وتمكّنت في الساعات الأولى من إطباق الحصار التام عليها، في الوقت الذي استمرت فيه عمليات القصف الجوي والصاروخي على وسط المدينة وبكثافة.
ووفقاً لمصادر عسكرية في الجيش العراقي، فإن القطعات العسكرية تمكّنت من تحرير عدة قرى محيطة بالمدينة دخلتها بشكل سريع بعد قتال غير متكافئ اضطر معه عناصر "داعش" للانسحاب بسرعة إلى داخل المدينة.

وقال قائد الفوج الثالث في الفرقة السادسة عشرة بالجيش العراقي العقيد الركن محمد عدنان، لـ"العربي الجديد"، إنه تم تقسيم المعركة إلى أربعة محاور، كل محور تتولى جهة مهاجمته، مضيفاً أن "هناك عدداً من القرى سيتم الانتهاء من السيطرة عليها قبل البدء بعمليات كسر خطوط الصد الأولى التي وضعها (داعش) حول مركز المدينة، مثل خطوط الألغام والمفخخات وكتائب الانتحاريين". ولفت إلى أن التنظيم يتجنّب المواجهة المباشرة ويعتمد على الكمائن والقصف من بعيد بالقذائف الصاروخية، موضحاً أن "اليوم الأول من المعارك شهد 6 عمليات انتحارية استهدفت قواتنا على المحاور الأربعة".


من جهته، قال قائد "عمليات قادمون يا تلعفر"، وهو الاسم الذي أطلقته بغداد على عملية تحرير تلعفر، الفريق الركن عبد الأمير رشيد يار الله، إن الهجوم يشارك فيه الجيش العراقي ممثلاً بالفرق 15 و16 و9 إضافة إلى فرق المدفعية والهندسة العسكرية والقوات الخاصة، فضلاً عن جهاز مكافحة الإرهاب وقوات التدخّل السريع والشرطة الاتحادية و"الحشد الشعبي" بإسناد من الطيران الحربي لقوات التحالف الدولي والطيران العراقي. وأوضح في بيان، أن "الهدف هو كسر خطوط داعش الدفاعية والاندفاع إلى قلب المدينة".

ورجحت مصادر عسكرية عراقية وجود ما بين 1500 إلى ألفي مقاتل من تنظيم "داعش" داخل المدينة، غالبيتهم من الجنسيتين العراقية والسورية. وتؤكد عملية الإطباق على المدينة ومحاصرتها من كل الاتجاهات، مخاوف الشارع العراقي والمنظمات الإنسانية من تكرار سيناريو الموصل، الذي لم يترك لـ"داعش" خيار الفرار من المدينة، ما أدى إلى مجازر مروعة في صفوف السكان المدنيين وتدمير أكثر من 60 في المائة من الموصل.

خنق "داعش"
وقال قائد عمليات نينوى اللواء نجم الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "تلعفر آخر ملاحم العراقيين في نينوى، إذ ستكون المحافظة قد تحررت بشكل كامل بعد نهاية المعركة". وأضاف الجبوري أن "المعركة لها أبعاد عسكرية كبيرة، ليس على مستوى العراق فقط بل في سورية أيضاً، إذ إن القضاء على تواجد داعش في الشمال العراقي يعني أن التنظيم بات محاصراً في مناطق تواجده في دير الزور والرقة، وفرص المناورة أمامه ستكون شبه معدومة، بعدما بقي طوال السنوات الماضية يتنقل بين مدن البعاج وتلعفر وسنجار ومنها إلى الموصل لتخفيف الضغط أو التمويه على مكان قياداته البارزة، مثل زعيمه أبو بكر البغدادي".

من جهته، قال مسؤول عسكري آخر لـ"العربي الجديد"، إنه "من غير المعلوم ما إذا كان البغدادي داخل تلعفر أم خارجها، لكن من المؤكد أن المعركة ستضيّق فرص بقائه مستقبلاً". ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن "بغداد تأمل أن يكون هناك ضغط على التنظيم في الجانب السوري يتزامن مع الهجوم العراقي على آخر معاقله في نينوى، إلا أن النظام السوري يبدو غير مهتم بذلك، والجهود داخل سورية قرب حدود العراق تقع على عاتق التحالف الدولي وبعض الفصائل المعارضة وقوات كردية أيضاً"، وفق قوله. ورجح أن "تتحوّل معركة تلعفر إلى نقطة بداية فعلية لنهاية داعش ليس في العراق فقط بل في سورية أيضاً، وتحوّله إلى عصابات وخلايا مبعثرة بعدما كان قوة حقيقية على الأرض تحتل عشرات المدن والقرى والبلدات العراقية".

مدنيون في غياهب المجهول

في هذه الأثناء، يثير تجاهل الحكومة العراقية الإشارة إلى مصير المدنيين القابعين تحت حكم "داعش" في تلعفر، الكثير من المخاوف، إذ تتضارب الأنباء بالنسبة لأعدادهم بين 30 ألفاً و45 ألف مدني يتواجدون داخل المدينة مع استمرار القصف الجوي والصاروخي. ويوجد في المدينة مستشفى واحد يُستبعد أن يكون قادراً على استيعاب أعداد كبيرة من الضحايا، كما حدث في الموصل بالأشهر الماضية. وأجلت قوات الأمن العراقية، أمس، نحو 300 مدني من أطراف قضاء تلعفر، وفق ما كشف النقيب جبار حسن، لوكالة "الأناضول".
وقال مدير منظمة السلام العراقية، محمد علي، لـ"العربي الجديد"، إن منظمته "تحاول التواصل مع مكتب رئيس الوزراء لأخذ ضمانات حول سلامة المدنيين"، معتبراً أن "على الحكومة أن تصدر أوامر للقوات العراقية لتجنّب القصف العشوائي حتى يتسنى للسكان الفرح بتحررهم وهم أحياء لا أموات تحت الأنقاض مثل حالة الموصل".