استياء في "يوم الأرض": لا إضراب

استياء في "يوم الأرض": لا إضراب

30 مارس 2015
من فعاليات معسكر النقب لدعم صمود أهله (العربي الجديد)
+ الخط -


يشكّل يوم الأرض، الذي وقعت أحداثه في الثلاثين من مارس/آذار عام 1976، مرحلة مفصلية كفاحية في تاريخ نضال الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، وأول تحدّ حقيقي منذ النكبة للاحتلال وسياسته في مصادرة الأراضي العربية. غير أنّ ذكراه هذا العام تمرّ بصمت خالية من الإضراب كما جرت العادة.



اقرأ أيضاً (يوم الأرض وبيتها: ما قاله آذار في العائدين)

وفي الذكرى التاسعة والثلاثين ليوم الإضراب التاريخي الذي قدّم فيه فلسطينيو الداخل ستة شهداء دفاعاً عن أراضي منطقة المل التي كانت على وشك المصادرة، يُعرب الكثيرون من أبناء الداخل الفلسطيني، عن استيائهم من عدم إعلان لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، إضراباً "يحفظ لهذا اليوم معناه وللشهداء كرامتهم"، ومن "عدم تجديد آليات إحياء الأيام الوطنية وإبقائها في دائرة التقليد"، بحسب ما عبروا في حديث لـ "العربي الجديد".


في المقابل، يرى آخرون أن الأجواء العامة في الداخل الفلسطيني، في هذه الفترة لا تحتمل إعلان إضراب لعدّة أسباب "والأهم من الإضراب هو تجديد الأدوات النضالية، فالإضراب ليس هدفاً بحد ذاته"، على حدّ تعبيرهم.



وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن موضوع الإضراب لم يطرح على طاولة لجنة المتابعة، من قبل أي من مركباتها، المتمثلة بالأحزاب والحركات السياسية ورؤساء السلطات المحلية العربية، ولم يناقش أصلاً، على عكس ما كان عليه الحال في سنوات سابقة. وجرى الاكتفاء بتنظيم مسيرتين مركزيتين في دير حنا الجليلية وفي رهط بالنقب لإحياء الذكرى. 



على الرغم من مرور نحو أربعة عقود على يوم الأرض الأول، لا يذكر الكثيرون أسماء الشهداء: خير ياسين من عرابة، محسن طه من كفر كنا، خديجة شواهنة، رجا أبو ريا وخضر خلايلة من سخنين، والشهيد رأفت زهيري من نور شمس.



ومهما تكن أسباب عدم الإعلان عن إضراب عام وشامل في ذكرى يوم الأرض، فإنها لن تقنع ذوي الشهداء، بحسب ما أكدته جليلة أبو ريا، ابنة شهيد يوم الأرض رجا، في حديث لـ "العربي الجديد". 

وأضافت أبوريا "لسنا راضين عن قرار عدم الإعلان عن إضراب. منذ يوم الأرض الأول كان يفترض أن يعتمد الإضراب في كل ذكرى لهذا اليوم الوطني، بحيث لا تكون هناك حاجة لمناقشة الموضوع أصلاً كل عام. كرامة الشهداء فوق كل اعتبار. نحن لن نعيدهم بالإضراب، ولكن هذا نوع من إيفائهم حقهم. من شأن الإضراب أن يثير التساؤلات لدى الأجيال الجديدة، حول يوم الأرض وأهميته".




بدوره، يقول عضو المكتب السياسي للحركة الإسلامية (الجناح الشمالي)، عبد الحكيم مفيد، لـ "العربي الجديد"، إنه يؤيد الإضراب من حيث المبدأ، مضيفاً "كان يتوجب إعلان الإضراب، وخصوصاً أن القضايا التي تواجهنا تتصاعد وتتسع، ولكنني لا أستطيع أن أنكر أن حالة الانتخابات للكنيست والأجواء العامة والانشغال بها، أثرت بشكل عام في قضية يوم الأرض". 
وأعرب عن أسفه لأن "موضوع الإضراب لم يطرح من قبل أي جهة، ولا حتى من قبلنا برغم مقاطعتنا الانتخابات وعدم انشغالنا بها، ولكن المناخ العام في لجنة المتابعة، كان أشبه بمناخ لتمرير الجلسة التي بحثت إحياء ذكرى يوم الأرض لا أكثر، وأكرر أنّ هذا خطأ نتحمله جميعاً. أهمية هذا اليوم كبيرة، ولكن للأسف كنا (الأحزاب والحركات) تحت المستوى المطلوب من دون استثناء. ولكنني أعتقد أيضاً أن الإضراب ليس بالأمر المفهوم ضمناً، وهناك آليات أخرى علينا تطويرها للخروج من التقليد في إحياء مناسباتنا وأيامنا الوطنية".


ويرى الأمين العام لـ "التجمع الوطني الديمقراطي"، عوض عبد الفتاح، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "لا مبررات مقنعة لعدم طرح موضوع الإضراب حتى للنقاش، ولكن يبدو أن جميعنا كنا نقرأ الفترة القصيرة منذ انتهاء انتخابات الكنيست حتى جلسة التحضير ليوم الأرض، ولم يكن بالإمكان وضع برنامج جدّي ومتكامل، وبقي البرنامج التقليدي فقط".


وأضاف أنّ "يوم الأرض لا يحمل رمزية فقط، وإنما يوم وطني له معنى كفاحي. هناك قرار للجنة المتابعة، منذ أكثر من 10 سنوات، يعتبر يوم الأرض يوماً وطنياً، يجب أن يشهد إضراباً مع كل ذكرى سنوية، من دون الحاجة لمناقشة الموضوع كل عام، يتخلّله برنامج وطني ثري ينفذ على نطاق واسع، لكن هذا القرار لا يطبّق". 


وأوضح عبد الفتاح أنّ "المسألة تحتاج الى هيئة تنظيمية تستطيع أن تعتمد برنامجاً من هذا النوع، في حين أن لجنة المتابعة تواجه الكثير من الصعوبات التي تعيق إعادة بنائها، كمؤسسة ومرجعية وطنية".
وخلص عبد الفتاح إلى أن "يوم الأرض مناسبة خالدة، ومنذ عام 1976 لم يوفَّ حقه، وحقه ليس بإحيائه فقط، ولكن أيضاً بترجمة النضال الجماهيري والوحدة الوطنية، إلى بناء مؤسسات قومية تدير نضال الفلسطينيين".


وفي السياق نفسه، اعتبر رئيس المكتب السياسي للحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي)، إبراهيم حجازي، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "لا خلاف حول أهمية يوم الأرض التاريخية، فهو نتيجة مباشرة لتعنت سلطات الاحتلال للمضي في سرقة ما تبقى من أراضينا في الداخل، فاستفاقت جماهيرنا العربية وكانت ردة الفعل قوية تخللتها تضحيات بالأرواح وبذل الدماء، بحيث وضعت حدا لمخططات السلطة. لذلك لا بد من احترام هذا اليوم التاريخي والمفصلي في تاريخ شعبنا، لكن عدم إعلان الإضراب لا يقلل من شأنه، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة. فجماهيرنا خاضت إضرابين خلال الأشهر القليلة الماضية: يوم استشهد الشاب خير حمدان من قرية كفر كنا، ولاحقاً عندما استشهد كل من سامي الجعار وسامي الزيادنة في النقب، لكن الأجواء غير مهيأة لإضراب آخر في هذه المرحلة".


ورأى حجازي أن "الإضراب ليس هدفا بحد ذاته، فنحن في الحركة الإسلامية ننفذ عشرات المشاريع على شرف يوم الأرض تأكيداً على أهميته، في مقدّمتها معسكر الرباط والصمود في النقب، الذي ندعم من خلاله صمود القرى غير المعترف. ولدينا برنامج الثبات والرباط (عائدون إلى قرية مهجرة)، نقوم كل عام من خلاله بأعمال ترميم وتنظيف في قرية مهجّرة، مثلما فعلنا يوم الجمعة في قرية فراضية المهجّرة".

ويوافق منصور دهامشة، عضو المكتب السياسي في "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة"، في حديث إلى "العربي الجديد"، مع القائلين إن "الإضراب ليس غاية بحد ذاته، ولكنه وسيلة يجب أن تستخدم في الوقت المناسب والظرف المناسب، فهو من أرقى الأدوات النضالية، وإنجاحه يحتاج إلى تهيئة الأجواء وإلى تعبئة كبيرة، في ظل وجود ظروف موضوعية تستدعي الإضراب، وهذه الظروف والأجواء غير مؤاتية حالياً، فالأمر ليس مجرد تسجيل موقف". 
وأوضح دهامشة أن هناك نشاطات وخطوات قد تكون أكثر فاعلية، لمواجهة المخططات الإسرائيلية وفضحها.

وأشار إلى مسيرة المشي على الأقدام التي انطلقت من النقب باتجاه القدس المحتلة قبل أيام، بمشاركة قيادات من الداخل وعدد من أهالي النقب، اعتراضاً على المخططات الإسرائيلية وممارسات الهدم المتكررة في القرى التي لا تعترف بها إسرائيل ومحاولات مصادرة الأراضي العربية التي لا تتوقف.