"معتقلو الأرض" في مصر... محاكمات ظاهرها قانوني وجوهرها سياسي

"معتقلو الأرض" في مصر... محاكمات ظاهرها قانوني وجوهرها سياسي

11 اغسطس 2016
شهدت مصر تظاهرات في إبريل رفضاً للاتفاقية(عامر عبد الرحمن/الأناضول)
+ الخط -
تشكل القضايا والمحاكمات التي واجهت "معتقلي الأرض"، أي المواطنين الذين أُلقي القبض عليهم لرفضهم اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية التي وقعت في الثامن من إبريل/نيسان الماضي وتم بموجبها نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسيادة السعودية، نموذجاً لطبيعة تعامل السلطة المصرية مع القضايا ذات الطابع السياسي في البلاد. 
"العربي الجديد" رصدت الجدول الزمني لجميع قضايا "متظاهري الأرض"، سواء الذين اعتقلوا أثناء مشاركتهم في التظاهرات الغاضبة التي أعقبت الاتفاقية، أو ألقي القبض عليهم من منازلهم أو من الشوارع والمقاهي وتم الزج بهم في القضايا. كما رصدت "العربي الجديد" المفارقات العديدة في الأحكام القضائية الصادرة بحق المتظاهرين والمقبوض عليهم، والتي تتفاوت من قضية لأخرى ومن قاضٍ لآخر ومن دائرة لأخرى، على الرغم من اتفاقهم جميعاً في الاتهامات وعرائضها المعدة سلفاً بهدف "اصطياد" بعض معارضي السلطة المصرية. واقع يوضحه المحامي مختار منير، عضو فريق الدفاع الحقوقي، الذي حمل على عاتقه الدفاع عن جميع متظاهري الأرض مهما اختلفت انتماءاتهم السياسية والفكرية.

ثمة ثماني قضايا مختلفة لمعتقلي الأرض في نطاق محافظتي القاهرة والجيزة وحدهما، حوكم فيهم ما يقارب من 230 مواطناً، بخلاف عشرات آخرين صادرة بحقهم قرارات ضبط وإحضار على خلفية تلك القضايا، لكن لم يُلق القبض عليهم ولم توجه لهم اتهامات رسمية إلى الآن، غير أنهم يكتشفون ذلك مصادفة أثناء استخراج شهادات وأوراق رسمية لهم أو مع أول سفر لهم في خارج البلاد.


جمعة الأرض الأولى
في "جمعة الأرض" الأولى التي نظمت في 15 إبريل/نيسان الماضي، حوكم 22 متهماً حصلوا جميعاً على البراءة، عدا ثلاثة أطفال مخلى سبيلهم بينما لم يتم تحديد جلسة لهم بعد، وواجه جميعهم اتهامات بـ"الاشتراك في تظاهرة، والتجمهر، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة".

ثلاث قضايا بُنيت أساساً على تحريات جهاز الأمن الوطني المصري وبناءً عليها صدرت قرارات الضبط والإحضار لمجموعة من الأشخاص. القضية الأولى، هي قضية شرق القاهرة الكلية، وفيها تم القبض على 20 مواطناً من المقاهي ومنازلهم، أُخلي سبيل 15 منهم وبقي خمسة آخرون وهم محمود هشام، وعلي ميكي، وعبد الرحمن حمزة، وأبو داوود، وأحمد عبد الله، بدأوا إضراباً عن الطعام اعتراضاً على ظروف حبسهم منذ ما يقارب من أسبوع.

وعلى الرغم من أن العشرين المقبوض عليهم في القضية واجهوا اتهامات واحدة وهي "الانضمام لجماعة أُسست على خلاف القانون، والتحريض على التظاهر، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، والدعوة لقلب نظام الحكم، وحمل رئيس الجمهورية بالقوة على الامتناع عن تنفيذ عمله، والتحريض على مؤسسات الجيش والشرطة، وحيازة مطبوعات الغرض منها تغيير نظام الدولة الأساسي"، إلا أن أحداً لا يعرف ما هي الأسباب وراء إخلاء سبيل 15 منهم والإبقاء على خمسة آخرين في نفس القضية وبنفس الاتهامات. القضية الثانية، التي بنيت على تحريات الأمن الوطني هي قضية شبرا الخيمة، والمتهم فيها سيد البنا، وسيد جابر، وأحمد سالم، والمحامي الحقوقي مالك عدلي، فضلاً عن الصحافيين محمود السقا وعمرو بد. وواجه جميعهم اتهامات بـ"الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، والتحريض على التظاهر والتحريض على التجمهر، ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، والدعوة لقلب نظام الحكم". وجميهم محبوسون على ذمة القضية.

أما القضية الثالثة التي قامت أيضاً بناءً على تحريات جهاز الأمن الوطني، فهي قضية نيابة الأحداث الطارئة بجنوب الجيزة، وفيها ثمانية متهمين، أخلي سبيل خمسة منهم، وبقي هيثم محمدين وزيزو عبده وحمدي قشطة. وجميع هؤلاء ناشطون سياسيون معارضون للنظام.
أما قضية جنوب القاهرة، فاتهم فيها ياسر القط، وكان معه الناشطة الحقوقية سناء سيف، ودينا يوسف، لكن الأخيرتين تم استبعادهما من القضية قبل قرار الإحالة مباشرة. وأحيل القط وحده للمحاكمة بعد القبض عليه من حي المقطم، واتهامه بحيازة مطبوعات، وحُكم عليه بالسجن عاما وغرامة مائتي جنيه، قبل تخفيض العقوبة في الحكم المستأنف إلى الحبس لمدة شهر والإبقاء على الغرامة. وقد أنهى القط عقوبته وخرج.

جمعة الأرض الثانية

في 25 إبريل/نيسان، خرج المصريون من جديد للتظاهر ضد اتفاقية ترسيم الحدود، في نطاق جغرافي أوسع وبأعداد أكبر واستعدادات أكثر كثافة. في المقابل كان هناك استعدادات أمنية أشرس واعتقالات أوسع وأكثر. ألقي القبض يومها على العشرات وأحيلوا إلى المحاكمات من خلال أربع قضايا مختلفة. الأولى هي قضية الدقي والعجوزة، وتضم 47 متهماً حضورياً حكم عليهم في الدرجة الأولى من التقاضي بالسجن خمس سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لكل منهم. وفي الحكم المستأنف، ألغي الحكم بالسجن مقابل الإبقاء على الغرامة. وتمكنت حملات حقوقية وشعبية من جمع مبلغ مالي قدره 4 ملايين و700 ألف جنيه في غضون أسابيع، وأفرج عن الجميع عدا واحد فقط، هو هشام الزهيري، سوري الجنسية، لا تزال السلطات المصرية تنظر في قرار ترحيله خارج البلاد.
القضيتان الثانية والثالثة، كانتا قضيتي قصر النيل. الأولى تحمل رقم 6407/2016 قصر النيل، والمتهم فيها 52 مواطناً، حصلوا جميعاً على البراءة من الدرجة الأولى، لكن النيابة العامة استأنفت على الحكم، ولا تزال المحكمة تنظر في درجة الاستئناف. أما القضية الثانية بقصر النيل، فهي القضية رقم 6408/2016 قصر النيل، والمتهم فيها 63 متهماً، حُكم عليهم في الدرجة الأولى من التقاضي بالسجن سنتين وخمسين ألف جنيه غرامة، ثم حصلوا على حكم بالبراءة في الاستئناف. القضية الرابعة في جمعة الأرض الثانية كانت قضية بولاق، وألقي القبض فيها على 11 متهماً من بينهم الناشط حمدي قشطة، وحكم عليهم في الدرجة الأولى بالسجن ثلاث سنوات ومائة ألف جنيه غرامة، قبل أن يحصل قشطة على البراءة في الحكم المستأنف.


تعددت القضايا والاتهامات... واختلفت الأحكام
يرى المحامي الحقوقي، مختار منير، عضو فريق جبهة الدفاع عن متظاهري مصر، في حديث إلى "العربي الجديد" أن جميع قضايا معتقلي الأرض، هي قضايا سياسية في الأساس، بدليل أنها "قضايا مختلفة بنفس الاتهامات، والبعض يحصل على حكم وآخرون على البراءة، بل إن متهمين في قضية واحدة وأمام نفس القاضي ونفس الدفوع، والبعض يحصل على البراءة والبعض الآخر يحاكم بالسجن، كما في قضية شرق القاهرة المعدة بناءً على تحريات جهاز الأمن الوطني".

ويشير منير، المحامي في مؤسسة حرية الفكر والتعبير (منظمة مجتمع مدني مصرية)، إلى وجود "اختلاف بين القضاة أيضاً". ويذكر على سبيل المثال قاضي قضية جمعة الأرض ١٥ إبريل/نيسان، الذي أصدر حكما "تاريخياً"، من وجهة نظر منير، إذ إن منطوق الحكم نصّ على أن "المحكمة لم تطمئن لتحريات المباحث التي سجلتها في محضر الضبط، وأن كل متهم تم ضبطه بمكان مختلف عن الآخر، وهذا جعل عشوائية الضبط تثبت براءة المتهمين من تهمة التجمهر وفقاً للمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية، وأن جميع ما ثبت بمحضر الضبط لا يصل إلى كونها تهما بحق المتهمين. كما لم يستقر في وجدانها الاتهام المسند للمتهمين بنشر الأخبار الكاذبة عمداً، وإلحاق الضرر بالمصلحة العام، لخلو الأوراق من دليل مادي واحد، وأن ما أثبتته تحريات الأمن الوطني لا يعبر سوى عن وجهة نظر مجريها فقط". كما يشير منير إلى مثال آخر ليثبت أن كل تلك القضايا سياسية في الأساس، ويقول "في قضية الدقي والعجوزة، والتي حوكم فيها سبعة وأربعون متهماً، فإن القاضي أصدر أقصى عقوبة في حكم الدرجة الأولى. أما في حكم المستأنف، وبعد مرافعات 47 محامياً وتقديم 47 مذكرة وحافظة مستندات وطلبات للدفاع، وبعد حوالي سبع ساعات كاملة من المرافعات طلبنا فيها تأجيل أمد النطق بالحكم لتنفيذ مجموعة من الطلبات، إلا أن القاضي أصدر حكمه عقب ربع ساعة فقط من رفع الجلسة". ويلفت منير إلى أن القاضي "لم ينظر في أوراق القضية ولا حتى مر عليها مرور الكرام، فمن المستحيل أن يقرأ كل تلك المذكرات والحافظات ويصدر الحكم في ربع ساعة فقط".

ويضيف المحامي الحقوقي "نعرف مصير القضايا أيضاً من مجرد سماع اسم القاضي، فهناك قاضٍ تاريخ أحكامه مشرف، وآخر تاريخ أحكامه سيئ، وهناك من جاء من خلفية شرطية ويزن الأمو بمنظورها السياسي. ولكل قاضٍ خلفية وانتماءات وتاريخ حافل يمكن القياس عليه"، على حد قوله. إلا أن منير يرى أن قضايا معتقلي الأرض وما شكلته من حالة ضغط على الرأي العام المصري أسهمت بشكل كبير في الضغط على منظومة القضاء والعدالة في مصر. ويلفت إلى أن "محاضر الضبط والإحضار نصفها الأول فقط يحوي على عريضة الاتهامات، وباقي الصفحات عبارة عن أسماء مجموعات من المواطنين لم يرتكبوا أعمال عنف ولا اخترقوا القانون ولا حتى عطلوا المرور، ومع ذلك يتم الحكم عليهم". ويدفع هذا الأمر منير للجزم بأن "قضايا الأذون التي تصدر بناءً على قرارات ضبط وإحضار، تتعامل معها النيابة العامة المصرية ومنظومة القضاء بعدم مهنية بحتة". ووفقاً لمنير فإنه "لو حكم في كل تلك القضايا بالقانون، فمن المفترض أن يتم حفظ كل تلك القضايا وإخلاء سبيل جميع المتهمين، خصوصاً بعد الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود"، أما التعامل الواقعي مع القضايا فيجعلها "مرهونة بقرار سياسي"، على حد تعبيره.