ليبيا: استعراض حفتر بلا مفعول سياسي

ليبيا: استعراض حفتر بلا مفعول سياسي

29 ابريل 2020
حفتر في وضع صعب سياسياً وميدانياً (توليو بوجليا/Getty)
+ الخط -
بعدما بات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في موقف ميداني حرج، إثر خسارته الكثير من أوراق القوة بفشل مخططه للسيطرة على العاصمة طرابلس، بل تراجعه في كل الغرب الليبي ليصبح محاصراً في ترهونة وفي بعض أحياء جنوبي العاصمة، خرج باستعراض إعلامي، مساء الإثنين، معلناً إسقاط الاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات المغربية عام 2015، وكل ما نتج عنه، وتوليه "إدارة البلاد" استجابة لما وصفه بـ"إرادة الليبيين".
موقف حفتر قوبل برفض وتحفّظ من مختلف الأطراف، حتى من حلفائه في شرقي ليبيا الذين التزم معظمهم الصمت بلا تعبير عن تأييدهم لهذا الإعلان، بل إن بعضهم رأى أن ذلك سيكون في مصلحة النواب المجتمعين في طرابلس المؤيدين لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، فيما كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن دوائر ومؤسسات في القاهرة غير مرحبة بخطوة حفتر الأخيرة، متهمة أبوظبي بسعيها لتقسيم ليبيا، ليضع كل ذلك حراك حفتر بإطار استعراضي بلا مفعول سياسي.

وأعلن حفتر، في كلمة بثتها قناة "ليبيا الحدث" المتحدثة باسمه، مساء الإثنين، "إسقاط" اتفاق الصخيرات السياسي وحصوله على "تفويض شعبي" لإدارة البلاد. وقال من بنغازي: "أيها الليبيون الأحرار تابعنا استجابتكم لدعوتنا لكم بإعلان إسقاط الاتفاق السياسي المشبوه الذي دمّر البلاد وقادها إلى منزلقات خطيرة، وتفويض من ترونه أهلاً لقيادة هذه المرحلة". وأضاف "نعبّر عن اعتزاز القيادة العامة - الجيش - لتفويضها بهذه المهمّة التاريخية في هذه الظروف الاستثنائية، وإيقاف العمل بالاتفاق السياسي ليصبح جزءاً من الماضي بقرار من الشعب الليبي مصدر السلطات". كما أكد استمرار هجومه على طرابلس، قائلاً إن قواته سوف تعمل "على تهيئة الظروف لبناء مؤسسات الدولة المدنية الدائمة وفقاً لإرادة الشعب حتى نهايتها".

وجاء موقف حفتر فيما مليشياته تحت الحصار في آخر معاقلها غربي البلاد، مدينة ترهونة، وفي عدد من الجيوب في أحياء جنوب طرابلس، وتُكرر محاولات كسر الحصار بإطلاق صواريخ وقذائف عشوائية على أحياء مدنية كوسيلة للضغط على حكومة الوفاق وقواتها. وأعلنت عملية "بركان الغضب" التابعة للحكومة، عن استهداف مليشيات حفتر للأحياء السكنية في مدينة مسلاته (113 كيلومتراً شرق طرابلس)، بأكثر من 65 صاروخ "غراد"، فجر أمس الثلاثاء. كما أعلنت قوات حكومة الوفاق، أمس، صد هجوم لمليشيات حفتر على منطقة أبو قرين، شرق العاصمة، وتدمير مدرعتين وشاحنة تحمل منصة صواريخ "غراد" وتحييد من بداخلها. وفجر أمس، أعلنت قوات الوفاق أن سلاح الجو التابع لها استهدف شاحنتين تنقلان معدات لوجستية وذخائر لمليشيات حفتر في جنوب طرابلس.

سياسياً، حتى ساعة متأخرة من عصر أمس، لم يكن أبرز حلفاء حفتر، رئيس البرلمان في طبرق عقيلة صالح، قد أعلن عن أي موقف داعم للواء المتقاعد، لكن صالح عقد جلسة غير رسمية، ليل الإثنين، في مقر إقامته في مدينة القبة، شرق البلاد. وبحسب مصدر برلماني مقرب من حفتر، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الجلسة شارك فيها عدد من الرموز القبلية، الذين دعوه إلى ضرورة وأد الخلافات بينه وبين حفتر للحفاظ على وحدة الصف، مع تحذيره من دموية حفتر وعدم المخاطرة بالإعلان رسمياً عن رفض مشروعه.

ورأى محللون أن أحد أهداف إعلان حفتر هو إحراج القبائل التي تقع في مناطق سيطرته ووضعها أمام خيارات ضيقة لإحكام قبضته عليها مجدداً. وفي هذا السياق، حذر رئيس المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية في المنطقة الجنوبية، علي مصباح أبوسبيحة، من إسقاط اتفاق الصخيرات، معتبراً أنه سيكون مدعاة لتقوية مجلس النواب المجتمع في طرابلس. وأكد أبوسبيحة، في بيان ليل الإثنين، رفضه لإسقاط الاتفاق، قائلاً "المجلس الرئاسي في طرابلس، وكذلك مقر ما يسمى بمجلس الدولة، ومجلس النواب الموازي في العاصمة سيلتحق به أعضاء منشقون، ما يجعله يمثل الأغلبية خلال الأيام المقبلة"، واصفاً قرار حفتر بـ"الارتجالي والنفعي"، ما يشير إلى تزايد هوة الخلاف بين حفتر وحلفائه القبليين والمحليين.

وفي السياق نفسه، قالت مصادر سياسية في معسكر شرق ليبيا، لـ"العربي الجديد"، إن عدداً من أعضاء مجلس النواب عن مدن الشرق الليبي فوجئوا بظهور أسمائهم باعتبارهم فوّضوا حفتر لتولي زمام الأمور في البلاد، على قناة "الحدث" المملوكة لنجله، من دون قيامهم بذلك. وكشفت المصادر أن النواب تعرضوا لتهديدات من قِبل مليشيات حفتر ونجله لعدم تكذيب ذلك، مضيفة أن "النواب تلقوا مكالمات هاتفية حذرتهم من التكذيب، وأن من سيخالف سيتم اعتقاله على الفور باعتباره مهدداً للأمن العام وسيتم تقديمه لمحاكمة بتهمة الخيانة".
وأوضحت المصادر أن مكمن رفض خطوة حفتر الأخيرة من قِبل مجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح، هو أن نتائجها المباشرة على وحدة ليبيا ستكون وخيمة، مشددة على أن "الخطوة ستعد الأولى على طريق الإعلان الرسمي لتقسيم ليبيا لدولتين، إحداهما في الشرق بقيادة حفتر وأبنائه، وبمباركة إماراتية، والأخرى في الغرب".

وقالت المصادر التي تربطها علاقة قوية بدوائر صناعة القرار في مصر، إن دوائر ومؤسسات في القاهرة غير مرحبة بخطوة حفتر الأخيرة، مؤكدة أن مسؤولين بمستويات عليا في مصر يتمسكون بوحدة ليبيا من منطلق أمنهم القومي. ووجهت المصادر التي كانت تدعم التدخل الإماراتي في فترة سابقة لانقلاب حفتر الأخير، اتهامات واضحة لأبوظبي بسعيها لتقسيم ليبيا، لخدمة أجندات إقليمية أوسع، وأن تدخلها من البداية لدعم حفتر لم يكن بهدف معركتها مع الإسلام السياسي وجماعة "الإخوان المسلمين" فقط، وإنما كان يحمل أهدافاً أخرى خبيثة، على حد تعبير المصادر، مؤكدة أنها تسعى لتكرار سيناريو اليمن. وبحسب المصادر، فإن حفتر والإمارات استغلا انشغال القوى الدولية الكبرى في أزماتها الداخلية بسبب جائحة كورونا، لتمرير الانقلاب الجديد، مؤكدة أن المسار الوحيد والشرعي أمام القوى الدولية الآن هو مبادرة مجلس النواب التي سبق وأعلنها صالح لحل الأزمة بما يحفظ وحدة الأراضي الليبية.

أما روسيا، وهي من أبرز الداعمين لحفتر، والتي دفعت بمجموعات من مرتزقة "فاغنر" للقتال إلى جانب مليشياته، فشددت على لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على أن الطريق الوحيد لتحقيق السلام في ليبيا هو من خلال الاتصالات السياسية والدبلوماسية بين جميع الأطراف. وأضاف بيسكوف: "روسيا ما زالت على اتصال مع جميع المشاركين في العملية الليبية... نعتقد أنه لا توجد وسائل أخرى لحل المشكلة الليبية".
لكن ما لم يقله بيسكوف كشف عنه مسؤول في الخارجية الروسية، قال إن بلاده "فوجئت" بإعلان حفتر. ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" الحكومية عن المسؤول الروسي الذي لم تكشف عن هويته، قوله: "هذا أمر مفاجئ. فهناك قرارات قمة برلين، والأهم من ذلك قرار مجلس الأمن الدولي 2510، والتي ينبغي الالتزام بها من قبل الليبيين أنفسهم بمساعدة المجتمع الدولي والأمين العام للأمم المتحدة". وأضاف "ندعو إلى استمرار الحوار الشامل بين الليبيين في إطار العملية السياسية ولا يوجد حل عسكري للصراع".
بينما حاول وزير الخارجية سيرغي لافروف تبرير موقف بلاده بالقول إن "روسيا ليس لها سلطان على حفتر في الموقف الحالي"، كما نقلت وكالة "إنترفاكس" عنه. . كما نقل عنه موقع "روسيا اليوم" عنه قوله إن روسيا لا ترحب بتصريحات حفتر بشأن الحكم الفردي.


من جهتها، عبّرت السفارة الأميركية في ليبيا عن رفضها لإعلان حفتر توليه إدارة البلاد. واعتبرت في بيان على صفحتها الرسمية، أن إعلان حفتر يمس الهيكل السياسي في البلاد ولا يمكن تغييره بشكل أحادي، داعية حفتر وجميع الأطراف للدخول في حوار جاد حول كيفية حلحلة الأزمة وإحراز تقدّم في البلاد. وحثت حفتر على الانضمام إلى حكومة الوفاق الوطني في إعلان وقف فوري للأعمال العدائية لدواعٍ إنسانية.

أما البعثة الأممية في ليبيا، فتجاهلت إعلان حفتر إسقاط الاتفاق السياسي، معربة عن ترحيبها بالمبادرة التي أطلقها صالح لحل أزمة البلاد سياسياً. واعتبرت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالوكالة ستيفاني ويليامز، أن مبادرة صالح "إشارة إيجابية"، مؤكدة أنها تواصلت هاتفياً معه لبحث آخر التطورات "والجهود المستمرة لإيقاف الحرب وإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية". وقالت ويليامز، في تغريدة على "تويتر"، إن حديثها مع صالح "تطرق للمبادرة التي قدمها أخيراً"، مبدية ترحيبها بأي مبادرة تهدف لإنهاء حالة الاقتتال والانقسام والعودة إلى الحوار السياسي في إطار مخرجات مؤتمر برلين. وتمحورت مبادرة صالح، التي أطلقها الخميس الماضي، حول إعادة تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بواقع ثلاثة أعضاء يمثلون أقاليم ليبيا الثلاثة مع استمرار وجود مجلس النواب في المشهد المقبل.

وفي المواقف الدولية أيضاً، أعربت مفوضية الاتحاد الأوروبي عن رفضها لإعلان حفتر. وقال المتحدث الرسمي باسم المفوضية للشؤون الخارجية، بيتر ستانو: "نكرر دعوتنا لجميع الأطراف بالتوقف عن الصراع والانخراط في العملية السياسية". وتابع: "وفي ما يخص الإعلان الأخير لحفتر، أقول إن أي حل من خلال طرق أخرى، ومن ضمنها طريق القوة، لن يجلب الاستقرار للبلاد، وهذا غير مقبول". وأضاف: "نحن نشجع جميع الأطراف على العودة للحوار بأسرع طريقة بناء على نتائج مؤتمر برلين، وندعو باستمرار جميع اللاعبين المؤثرين للانخراط في العملية السياسية، لأن هذا ما تحتاج إليه البلاد".

محلياً، قال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في بيان، إن "المتمرد" أعلن "في مسرحية هزلية عن انقلابٍ جديد يضاف لسلسلة انقلاباته التي بدأت منذ سنوات". وأضاف أن ما أعلنه "مجرم الحرب من انقلاب على الاتفاق السياسي وكافة الأجسام السياسية في البلاد، لم يكن مفاجئاً لنا، بل هذه خطوة توقعناها ليغطي بها على الهزيمة التي لحقت بمليشياته ومرتزقته، وفشل مشروعه الاستبدادي للاستحواذ على السلطة، وليستبق مطالب متوقعة بمحاسبته لمغامرته الفاشلة التي لم تحقق شيئاً سوى مقتل وإصابة ونزوح مئات الآلاف وتدمير الكثير من مقدرات الوطن". وأشار إلى أن حفتر "انقلب حتى على الأجسام السياسية الموازية التي تدعمه والتي في يوم ما عينته، وبذلك لم يعد في مقدور أحد أو أي دولة التبجح بشرعيته بأي حجة كانت".
ووجّه نداء لجميع أعضاء مجلس النواب للالتحاق بزملائهم في طرابلس، "لنبدأ الحوار الشامل وليستمر المسار الديمقراطي وصولاً إلى حل شامل ودائم عبر صناديق الاقتراع". وأعلن مد اليد "لكل أبنائنا المغرر بهم وأهاليهم وبالأخص في المنطقة الشرقية والذين عرفوا حقيقة نوايا المعتدي بوضوح"، داعياً إياهم "لإلقاء السلاح وحقن الدماء".

فيما طالب المجلس الأعلى للدولة، في بيان فجر أمس، مجلس النواب بـ"الالتئام من أجل استئناف عملية الحوار السياسي مع تأكيد ضرورة القضاء على مشروع الانقلاب العسكري على الشرعية، وأن لا سبيل لحكم ليبيا إلا من خلال الانتخابات". وأكد التمسك باتفاق الصخيرات كـ"إطار حاكم للمرحلة الانتقالية ومنظم للعملية السياسية فيها".
من جهته، اعتبر وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، أن إعلان حفتر يؤكد ضرورة الاستمرار في محاربة "أرباب الاستبداد والدكتاتورية". وقال في تغريدة على "تويتر"، ليل الاثنين: "اليوم زالت وسقطت كل الأقنعة الزائفة التي يرددها ثلة من العسكر الذين لا يمتلكون إلا عقلية انقلابية متخلفة لا تؤمن بالديمقراطية، ولا يمكن أن تساهم إطلاقاً في بناء دولة مدنية متحضرة".
بينما قال مبعوت المجلس الرئاسي لدول المغرب العربي جمعة القماطي، عبر "تويتر"، إن انقلاب حفتر على الاتفاق السياسي اعتراف ضمني بهزيمته في غرب ليبيا، حيث كان يحلم بقراءة هذا البيان من طرابلس.