التصويت الإلزامي في المغرب: محاربة العزوف أم محاصرة "الإسلاميين"؟

التصويت الإلزامي في المغرب: محاربة العزوف أم محاصرة "الإسلاميين"؟

20 يونيو 2020
ينتظر المغرب انتخابات تشريعية وبلدية بـ2021 (فاضل سنة/فرانس برس)
+ الخط -
عاد إلى الواجهة السياسية في المغرب الجدل حول مطلب فرض نظام التصويت الإجباري (الإلزامي)، في الانتخابات التشريعية والبلدية المرتقبة في العام 2021، بعد دعوةٍ صادرة، هذه المرة، من داخل الائتلاف الحكومي. هذا المطلب الذي تكرر مرات عدة، يواجه انقساماً حوله، بين من يرى فيه سبيلاً لمواجهة العزوف الانتخابي، وبين من يعتبره قمعاً لحرية التعبير، فيما يرى آخرون أنه يهدف إلى محاصرة حزب "العدالة والتنمية". 


وفي الوقت الذي لا يزال المشهد السياسي في المغرب يتلمس الطريق من أجل الإجابة عن أسئلة مقلقة طرحها تفشي فيروس كورونا، برزت أخيراً مطالبة وزير العدل السابق، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار محمد أوجار، خلال ندوة تفاعلية نظمتها أخيراً كلية الحقوق ـ السويسي في جامعة محمد الخامس بالرباط، بفرض التصويت الإجباري كما هو معمول به في بعض دول العالم، بهدف مساهمة الجميع في صناديق الاقتراع. وبالتزامن، ثار نقاش دستوري في المغرب، لا يزال أكاديمياً حتى اللحظة، حول إلزامية التصويت من عدمه، وإمكانية التنصيص (تضمينه في نص) على تلك الإلزامية في القانون التنظيمي المقبل للانتخابات، لا سيما في ظل تأكيد الفصل 30 من الدستور المغربي للعام 2011 على أن "التصويت حق شخصي وواجب وطني".

ومع أن إثارة هذا المطلب ليست جديدة، إذ سبق في الولاية البرلمانية السابقة أن طرحته بعض الفرق النيابية، كما تضمنته مذكرات بعض الأحزاب حول القوانين الانتخابية، إلا أن إثارته في ظرف استثنائي، وبعد الجدل الذي خلفته دعوات إلى حكومة تكنوقراط (من دون لون سياسي) تحل محل الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، يطرح العديد من أسئلة الاستفهام حول سياق الدعوة وتوقيتها، وخلفياتها.

وكان لافتاً في سبتمبر/ أيلول الماضي، استباق وزارة الداخلية المغربية الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بفتح نقاش سياسي مع زعماء الأحزاب السياسية في البلاد للتداول في مسألة التصويت الإجباري. وجاء ذلك الطرح كآلية لمواجهة العزوف الذي تمّ تسجيله في المحطات الانتخابية السابقة، وتحديداً خلال الانتخابات البرلمانية في العام 2016، إذ صوّت 43 في المائة من المغاربة من أصل 15 مليون ناخب مسجلين في اللوائح الانتخابية. غير أن سعي الوزارة لإقرار التصويت الإلزامي اصطدم بجدل سياسي، بين من اعتبره آلية لتكثيف المشاركة في العملية الانتخابية وتمكين المغاربة من ممارسة حقهم، وبين من رأى فيه إجهازاً على حرية التعبير لـ"حزب المقاطعين"، وأن الأولى معالجة الإشكال السياسي الحقيقي، الذي يتمثل في العوامل التي تكمن وراء تزايد ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات.

هذا الجدل السياسي سبق أن عرفه المشهد السياسي كذلك، حينما طرحت أحزاب سياسية توجد في الحكومة اليوم ("العدالة والتنمية" و"الاتحاد الاشتراكي") وأخرى في المعارضة (حزب الاستقلال) في وثائق رسمية خلال المشاورات التي سبقت انتخابات العامين 2015 و2016 البلدية والتشريعية، مقترحات تضمنت اتخاذ إجراءات زجرية ضد المتخلفين عن التصويت، عبر التنصيص على إجبارية المشاركة السياسية. لكن وزارة الداخلية لم تتحمس حينها كثيراً لهذا الإجراء، على الرغم من تخوفها المتكرر من ارتفاع نسبة العزوف الانتخابي.

كما أثار تضمين الاقتراح، الذي تقدم به كل من حزب "الاتحاد الاشتراكي" و"الاستقلال" حينها، بفرض عقوبات تصل إلى 500 درهم (نحو 50 دولاراً) على الذين لم يدلوا بأصواتهم خلال الانتخابات، جدلاً كبيراً، إذ تعالت الأصوات الرافضة لهذا الإجراء باعتباره يرمي إلى فرض مشهد سياسي مخالف للواقع.

في ظل هذه السوابق السياسية، يبدو أن الدعوة إلى التصويت الإلزامي، التي تتكرر عند كل محطة انتخابية، وإن كانت مرتبطة بوجود تخوف كبير من قبل فاعلين حزبيين، وحتى في دوائر السلطة، من عزوف انتخابي كبير خلال الانتخابات المقبلة يضر بالعملية السياسية، إلا أنها تعكس في العمق توجهاً يحاول إعادة تنظيم المشهد العام والمواقع الحزبية في الخريطة الانتخابية من خلال التأثير على ديمغرافية الناخبين.

وبحسب بعض المراقبين، فإن العودة إلى إثارة التصويت الإلزامي تأتي في سياق استشعار بعض الفاعلين السياسيين أن استمرار عزوف المغاربة عن الإقبال على صناديق الاقتراع سيؤدي في العام 2021، لا محالة، إلى تكرار اكتساح حزب العدالة والتنمية لنتائج التصويت كما كان الأمر في تشريعيات 2011 و2016، ولن يسمح ببروز أحزاب جديدة تراهن على قيادة الحكومة المقبلة.

وفي الوقت الذي يعتبر فيه "العدالة والتنمية" من أكبر المستفيدين من استمرار العزوف الانتخابي، خلافاً لباقي منافسيه، بفضل كتلة انتخابية تتشكل من متعاطفين ومنخرطين على قدر كبير من الانضباط الانتخابي، يرى مراقبون أن فرض إلزامية التصويت خلال الانتخابات المقبلة، سيضر بمصالح الحزب الطامح لقيادة الحكومة للمرة الثالثة على التوالي. وبرأيهم، فإن الأمر سيجعل القاعدة الانتخابية أوسع بكثير لدرجة أن المليون ونصف المليون صوت الخاضعة لسلطة الحزب، ستصبح غير ذات تأثير كبير كما كان في السابق، وهو ما يشكل، في النهاية، تقليصاً لحظوظه وإجهاضاً لطموحه في العودة إلى سدة الحكم.

​ 

 

 

 

المساهمون