حملة إعادة النظر باللامركزية في العراق... لضرب "الدعوة"

حملة إعادة النظر باللامركزية في العراق... لضرب "الدعوة"

23 ديسمبر 2018
لم ينكر "دولة القانون" ضعف نفوذه بعد الانتخابات(فرانس برس)
+ الخط -
لم تمهل الجهات السياسية الساعية إلى بسط نفوذها على السلطة في العراق، خصومها وقتاً لاستعادة نشاطها، حتى بدأت بحراك سياسي جديد لاقتلاع جذور هؤلاء الخصوم من عموم محافظات البلاد، لتخلو الساحة السياسية لها، لبناء مؤسسات دولة جديدة ومسك زمام القرار المركزي، بعدما كان بيد حزب "الدعوة" إلى حدّ كبير. ويعدّ نظام اللامركزية، الذي طبق في العراق بعد عام 2005، والذي نصّ عليه الدستور، تهديداً للنفوذ السياسي الجديد المتنامي في العراق، حيث يضم هذا النظام جذوراً عميقة لحزب "الدعوة" الذي حكم بعد عام 2003 وحتى انتخابات 2018، الأمر الذي يحتّم ضرورة الانقلاب عليه، وفق رأي كثيرين ممن يرصدون ما يشبه الحملة المنظمة على اللامركزية في بلاد الرافدين. وقال مسؤول سياسي مطّلع لـ"العربي الجديد"، إنّ "حراكاً سياسياً بدأ يشقّ طريقه لإلغاء الحكومات المحلية بشكل كامل، ولتعود الصلاحيات مركزية وبيد بغداد"، موضحاً أنّ "العمل على هذا المشروع يتم عبر جمع ملفات فساد في المحافظات، وقد تمّ بالفعل جمع ملفات كثيرة تخصّ المحافظين والحكومات المحلية على مدى الدورات البرلمانية السابقة والحالية".

وأكد المسؤول أنّ "هذه الملفات، سيتم تدعيمها بطلب رسمي موقّع من النواب لإلغاء المجالس، وأنّ التوقيعات جاهزة وتنتظر الإشارة لتقديمها رسمياً بطلب إلى رئاسة البرلمان"، لافتاً إلى أنّ "هذا التوجّه يتم العمل عليه بنفوذ واسع وبقوة متعددة الأذرع، فضلاً عن دعم قضائي له". وأشار المسؤول إلى أنّ "تحالف الإصلاح الذي يضم (سائرون والنصر والحكمة) هو الجهة التي تحرّك هذا المشروع وتعمل على إنجازه"، مؤكداً أنّ "هدفه سحب البساط من تحت حزب الدعوة، وتجريده من نفوذه في المحافظات، بعد أن سيطر عليها على مدى الدورات البرلمانية السابقة".

من جهته، قال النائب السابق عن التيار الصدري، القيادي في تحالف "سائرون"، عواد العوادي، في تصريح متلفز، إنّ "ما يجري في المحافظات ومناصب المحافظين، هو سيطرة لحزب السلطة (حزب الدعوة) بطريقة الاستعباد، على المناصب الحكومية في المحافظات ومناصب المديرين العامّين والوزارات، عن طريق استخدام المال أو النفوذ". وأضاف أنّ "الوضع الآن مختلف، فقد ذهبت السلطة والمال من حزب الدعوة"، مؤكداً أنّ "تحالف الإصلاح يسعى اليوم لتغيير واقع هذا الفشل في المحافظات".

ولم ينكر ائتلاف "دولة القانون"، الذي يتزعمه نوري المالكي، ضعف نفوذه بعد الانتخابات الأخيرة، الأمر الذي قوّى من نفوذ خصومه. وقال النائب عن الائتلاف، سلام المالكي، في تصريح صحافي: "لا ننكر أنّ العمل السياسي يشوبه تدافع من قبل بعض القوى السياسية، لكنّ هذا التدافع وصل إلى مرحلة الهيمنة من قبل بعض الجهات على الحكومة أو على المحافظات"، موضحاً أنّ "كل الكتل السياسية الكبيرة خسرت شيئاً من نفوذها، ولا نختلف على أنّ الأغلبية أصبحت لتحالف الإصلاح". وأكد المالكي أنّ "التحالف الأخير، وخصوصاً سائرون والحكمة، يبحث اليوم عن طرق للسيطرة على مجالس المحافظات، ويعمل من أجل هذا الأمر".

إلى ذلك، قالت مقرر البرلمان، النائبة خديجة علي، في تصريح صحافي، إنّ "هناك مشاكل كبيرة تشوب عمل مجالس المحافظات بشكل عام، لا سيّما في المناطق المتنازع عليها كمحافظة كركوك"، موضحةً أنّ "هناك رأيين بشأن تلك المجالس، يقوم أحدهما على تأجيل انتخابات المجالس حتى إشعار آخر، من دون تحديد موعد جديد لذلك، فيما الرأي الثاني يقوم على إلغاء المجالس بشكل كامل، ووضع سلطاتها في يد البرلمان".

ويؤكد مراقبون، أنّ سعي تحالف "سائرون" والقوى المساندة له، للانقلاب على نظام اللامركزية، هو من متطلبات العمل السياسي، خصوصاً أنّ أذرع حزب "الدعوة" ما زالت عميقة في المحافظات. وفي هذا الإطار، قال الخبير السياسي، عبد الله الجنابي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "خطوات إلغاء مجالس المحافظات تسير بخطى واثقة، والأمر وارد بقوة"، موضحاً أنّ "تحالف الإصلاح يمتلك اليوم أغلبية برلمانية، وإدراج طلب التصويت على إلغاء المجالس، يتم بخطوتين فقط، هما تقديم الطلب موقعاً من 50 نائباً على الأقل، وهذا الشيء ليس صعباً، ومن ثمّ التصويت على إلغاء قانون 21 لسنة 2008، عن طريق الأغلبية البرلمانية، وهو أمر ليس صعباً أيضاً".

وأكد الجنابي أنّه "من خلال إلغاء القانون سيتم إلغاء المجالس بشكل كامل، وستسند صلاحيات الحكومات المحلية إلى البرلمان، وصلاحيات المحافظ إلى الحكومة، ونعود إلى المركزية من جديد"، لافتاً إلى أنّ "سائرون أيقن أنّه لا يمكن له التخلّص من سلفه (حزب الدعوة) إلّا من خلال هذه الخطوة، وفي حال تمّ ذلك، سيكون بمثابة ضربة قاصمة تنهي جذور حزب الدعوة من المراكز المهمة".

يشار إلى أنّ الدستور العراقي لعام 2005، منح المحافظات صلاحيات واسعة من خلال أكثر من مادة دستورية، وتعزّز ذلك بصدور قانون رقم 21 لسنة 2008 (قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم) والذي بيّن بشكل مفصّل الحدود بين صلاحيات المركز والمحافظات، ومهّد الطريق إلى منح الحكومات المحلية جزءاً من صلاحيات الوزارات الاتحادية.

دلالات