كواليس جنازة مبارك من العفو العام إلى رسائل الجيش

كواليس جنازة مبارك من العفو العام إلى رسائل الجيش

27 فبراير 2020
لا يرتبط السيسي ونجلا مبارك بعلاقة ودية(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
حملت الجنازة العسكرية الرسمية للرئيس المخلوع حسني مبارك، أمس الأربعاء، مجموعة من الدلالات والرسائل، كان أبرزها الإصرار الرسمي على تأكيد استكمال الانقلاب على ثورة 25 يناير من خلال المراسم التي أحاطت بالتشييع. وفيما أكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن مبارك حظي بعفو رئاسي غير معلن يتمثل في إصدار قرار "رد اعتبار" حيث أن العفو العام يجب أن يكون قبل العقوبة النهائية وليس بعدها، وهو ما يفسر إقامة جنازة عسكرية له أدت دول خليجية دوراً مهماً في إنجازها، جاءت فخامة المشهد المصطنعة، التي شارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل مقتضب، وتعمد وسائل الإعلام الرسمية والموالية للسلطة تمجيد ذكرى واحد من أكثر حكام مصر فساداً، لتُعبّر عن الرسالة التي أراد الرئيس المصري توجيهها للشعب حالياً وفي المستقبل. ومفاد هذه الرسالة أن القيادات العسكرية تتمتع بحصانةٍ لا تنال منها تقلبات السياسة والخلافات التاريخية، وأن المؤسسة العسكرية متماسكة، وأن التكريم من نصيب جميع قياداتها والرؤساء المتحدرين منها.

وشُيّع ظهر أمس، جثمان مبارك الذي وافته المنية عن عمر يناهز 92 عاماً، من مسجد المشير حسين طنطاوي، بمشاركة رئيس الدولة، والرئيس المؤقت السابق عدلي منصور، ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ورئيس البرلمان المصري علي عبد العال، وكبار رجال الأعمال ورموز دولة مبارك، الذين تقدمهم رئيس وزرائه أحمد نظيف، ورئيس مجلس الشعب السابق أحمد فتحي سرور، ورئيس ديوان رئيس الجمهورية زكريا عزمي، ورجلا الأعمال أحمد عز وهشام طلعت مصطفى.


وتفسيراً لإقامة الجنازة العسكرية، ذكرت مصادر سياسية وعسكرية مطلعة، أن السيسي أصدر عفواً عاماً بشكل غير معلن عن مبارك. وبحسب المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن العفو الرئاسي هو ما يبرر ظهور النياشين التي حصل عليها مبارك خلال فترة خدمته في القوات المسلحة ورئاسة الجمهورية، خلف نعشه في الجنازة العسكرية التي حضرها أيضاً كبار قادة القوات المسلحة.

من جهة أخرى، قالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، إن مبارك وافته المنية منذ الخميس الماضي في 20 فبراير/شباط الحالي، قبل يومين من جلسة المحاكمة الخاصة بنجليه علاء وجمال في قضية التلاعب بالبورصة، وتمّ التوافق من جانب جهات سيادية على إرجاء الإعلان عن نبأ الوفاة. وبحسب المصادر، فإنه تمّ التوافق على الحكم بالبراءة لصالح نجليه في القضية، في ظلّ تمسك القوات المسلحة بالمعاملة اللائقة لمبارك، باعتباره أحد كبار القادة الذين شاركوا في حرب أكتوبر 1973.

من جهته، قال مصدر قانوني بارز أدى دوراً مهماً في قضية التلاعب بالبورصة "إننا توقعنا أن يكون مسار القضية بشكلها الجديد، عقب ردّ هيئة المحكمة، أطول بكثير، قبل أن نفاجأ بحجز القضية للحكم في الجلسة الماضية، وفي الوقت ذاته كنا ننتظر حكماً قضائياً جديداً بإدانة نجلي مبارك بالسجن، وهو ما لم يحدث، وكانت المفاجأة بصدور حكم بالبراءة". ولفت المصدر إلى أنه "بعد الإعلان الرسمي لنبأ الوفاة، بدأت الأمور تتكشف، خصوصاً بعد قرار السيسي بالعفو العام عن مبارك، وهو ما يستدعي إقامة جنازة رسمية وعسكرية سيحضرها الرئيس نفسه، ولم يكن من اللائق أن يجاور علاء وجمال رئيس الدولة وهما يحاكمان قضائياً بتهم الفساد المالي، أو صادر بحقهما حكم في قضية جنائية". وأوضح المصدر أن هذه المسألة "حدثت فيها ضغوط كثيرة، أدت دول خليجية فيها الدور الأكبر، ليكون المشهد الأخير لمبارك بهذا الشكل، إلى جانب ما طالبت به القوات المسلحة طبعاً".

وكانت محكمة جنايات القاهرة، التي عُقدت في أكاديمية الشرطة السبت الماضي، قد قضت ببراءة علاء وجمال مبارك، وسبعة آخرين، بينهم حسن هيكل، نجل الكاتب الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"التلاعب بالبورصة". 

أما بالنسبة إلى رسالة الجيش من الجنازة، فقالت مصادر عسكرية مطلعة إنه منذ ما قبل إعلان وفاة مبارك كان التواصل قائماً، عبر وسطاء، بين أسرته والجيش والرئاسة، بشأن طبيعة الجنازة ومراسمها. وبحسب المصادر، كان الجيش والأسرة متمسكين منذ البداية بإقامة جنازة عسكرية، والرئاسة رحبت بأن تكون "الجنازة ذات طابع رسمي"، لكنها اشترطت استشارة قانونيين بشأن مدى إمكانية جعلها عسكرية، في ظلّ صدور حكم بات بإدانة مبارك في قضية فساد القصور الرئاسية بالسجن ثلاث سنوات والغرامة مع نجليه. وجاءت الإجابة بأن الآثار التي تترتب على الحكم لا علاقة لها بأسلوب تنظيم الجنازة، باعتبار أن مبارك كان أحد قادة الفروع الرئيسية للجيش المصري خلال حرب أكتوبر، وفقاً للقانون 35 لسنة 1979، وبالتالي لا يسري على الجنازة ما ينص عليه البند السادس من المادة الثانية من قانون مباشرة الحقوق السياسية 45 لسنة 2014، والذي يحرم من التصويت والانتخاب كلّ من صدر ضده حكم نهائي في جناية، وذلك لفترة 6 سنوات تبدأ من تاريخ تنفيذ العقوبة، أي بعد إنهاء فترة السجن المقررة وسداد الغرامة.

ووفقاً للقرار بقانون 92 لسنة 2015 بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، فإن الحرمان لا يسري "إذا أوقف تنفيذ العقوبة، أو رُد إلى الشخص اعتباره". كما تنص المادة 25 من قانون العقوبات على أن "كل حكم بعقوبة جناية يستلزم حتماً حرمان المحكوم عليه من مزايا أو حقوق عدة أبرزها: القبول في أي خدمة في الحكومة مباشرة أو بصفته متعهدا أو ملتزما أياً كانت أهمية الخدمة، والتحلي برتبة أو نيشان".

لكن الجنازة العسكرية شهدت في جزءٍ بارز منها حمل نياشين وأوسمة مبارك، في مخالفة صريحة للقانون، قياساً بحكم الإدانة الذي صدر ضده، وهو ما توجهت به "العربي الجديد" إلى المصادر العسكرية نفسها، فرجح أحدها "صدور قرار جمهوري برد اعتبار مبارك بأثر رجعي". ولم يتسن التأكد من المعلومة من مصدر آخر.

المصادر أوضحت أيضاً أن الحضور المقتضب للسيسي لمدة لم تتجاوز خمس دقائق، سببه عدم ترحيبه بالوجود في مكان واحد لفترة طويلة مع نجلي مبارك، اللذين لا تربطهما به علاقة ودية، خصوصاً بعد الاستقرار أيضاً على غياب المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأسبق عن الجنازة، لتحاشي أي تواصل "له آثار سلبية" مع أسرة مبارك، التي ترى أن طنطاوي "خان" الرئيس المخلوع بتقديمه للمحاكمة في أغسطس/ آب 2011.

إلى ذلك، ذكرت المصادر أن مسألة إعلان الحداد العام في مصر على مبارك، لم تكن في خطة السيسي إطلاقا، لكن إعلان الإمارات تحديداً وعدد من الدول العربية الأخرى الحداد وتنكيس الأعلام، دفع السيسي لاتخاذ هذه الخطوة بالتبعية.

وأضافت المصادر أن الاتصالات التي جرت بين عدد من العواصم كأبوظبي والرياض والكويت والمنامة ومسقط وبين القاهرة حول تمثيل الدول في الجنازة العسكرية، وأن الرئاسة رحبت بالفعل بحضور كبار ممثلي تلك الدول، وتمّ فتح الصالة الرئاسية بمطار القاهرة لهذا الغرض. لكن الاعتذارات توالت صباح أمس، بعدما كان من المتوقع حضور أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وذلك لضيق الوقت، على أن يحضر العزاء الذي سيقام مساء يوم غدٍ الجمعة بمسجد المشير طنطاوي، ممثلون غير الذين شاركوا في الجنازة.

وعلى الرغم من تنظيم الجنازة العسكرية والحداد الرسمي، فإن السيسي يدرك جيداً أن شرعيته الشعبية مستمدة بالأساس من شيطنة "الإخوان المسلمين" الذين وصلوا للحكم بصورة ديمقراطية، وإهالة التراب على نظام مبارك الذي قامت ضده ثورة 2011، رغم كراهية السيسي لها وتخوفه من تكرارها. ولا أدل على ذلك من انتقاد السيسي المتكرر لأسلوب مبارك في إدارة شؤون البلاد، ووصفه له بالجمود والترهل والتبعية وعدم المبادرة، والحديث عنه دائماً بصيغة الغائب وبعدم احترام، وصولاً إلى رفع صور مبارك واسمه عن العديد من المباني والمعالم ووضع صورة السيسي بجانب صورتي الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات فقط. فضلا عن محاولة إعلام السيسي حصر سيرة مبارك فقط في دوره العسكري بحرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 التي لا يمكن التجاوز عنها.

وكان مبارك حتى وفاته واعياً لهذه الحساسية من السيسي تجاهه، وانعكس هذا في طبيعة المواضيع التي تحدث بشأنها في الحوارات القليلة التي أدلى بها لوسائل إعلام عربية، وحتى ظهوره الأخير بمقطع فيديو مطول بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر، فنجده تحدث تارة عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير، وتارة أخرى عن رفضه مقترحات تسكين الفلسطينيين في سيناء، ومحورية القضية الفلسطينية، وغيرها من المسائل التي تصلح كإسقاطات مباشرة على سياسات السيسي.