القواعد العسكرية الأميركية في العراق... أبعد من ضرب "داعش"

القواعد العسكرية الأميركية في العراق... أبعد من ضرب "داعش"

28 فبراير 2016
ضابط أميركي خلال تدريب للقوات العراقية في بغداد(علي محمد/الأناضول)
+ الخط -
لا تبدو طبيعة الإنشاءات وأعمال التوسيع التي تجريها القوات الأميركية في قاعدتَي الحبانية وعين الأسد، غرب العراق، مخصّصة للحرب على الإرهاب والقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) فحسب. الملاجئ ومرابض الطائرات، ومنصات الرادارات العملاقة، والأسوار الإسمنتية العالية، التي يجري بناؤها من قبل شركات غير عراقية تعاقد الجيش الأميركي معها تُذّكر بقواعد أميركية ثابتة منذ سنوات طويلة على غرار قاعدتَي غوانتنامو في كوبا أو رامستين في ألمانيا المعروفتَين بشدة التحصين ومنشآتهما الكبيرة المساحة.

ويثير هذا الملف تحديداً مخاوف كبيرة لدى إيران تترجَم من خلال مواقف الكتل السياسية والمليشيات التي باتت تُعرَف بالجناح الموالي لإيران في العراق، مثل حزب الدعوة الإسلامية، ومنظمة بدر، وحزب الفضيلة. وكرد فعل على الوضع الطائفي في العراق، والغبن الذي تشعر به مكونات مذهبية إزاء ما يعتبرونها سياسات إيرانية طائفية، بات هذا الدور الأميركي يُقابل بما يشبه الارتياح لدى مكوّنات عراقية سياسية وعشائرية عُرفت بأنها قادت عمليات مقاومة الاحتلال الأميركي منذ العام 2003، بينما كانت أطراف أخرى تدعو إلى مقاومة الأميركيين اليوم، في خانة المهادن لهذا الوجود.

في هذا الصدد، يقول أحد زعماء العشائر المناهضة لتنظيم داعش في الأنبار، الشيخ جاسم حسين عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إنه "قبل 13 عاماً كنت أقف على الطريق السريع باكياً لمشهد دخول الدبابات الأميركية إلى الأنبار، وكنت أفرح لأي عملية تنفذها المقاومة ضدهم. لكن اليوم، أرحب بدخول الأميركيين أو أية قوة أخرى تعيد الناس من خيامهم وبؤسهم إلى منازلهم وتمنع تحكّم الحرس الثوري الإيراني ومن يتبعه"، وفقاً لقوله.

ولا يخفي عبد الله لقاءه بالقوات الأميركية أكثر من مرة في قاعدة عين الأسد والتنسيق معهم في المعارك ضد تنظيم داعش، إذ يتلقّى أفراد مجموعته دعماً مباشراً من الجيش الأميركي. كما يحظى بغطاء جوي خلال المعارك مع مقاتلي التنظيم قرب مدينة حديثة، غرب العراق. ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن الجيش الأميركي أبرم عدداً من العقود مع شركات أجنبية، خصوصاً لأعمال توسيع، وتطوير، وتأهيل مبان مختلفة داخل قاعدة عين الأسد، غرب العراق، في محافظة الأنبار، فضلاً عن إضافات أخرى في قاعدة الحبانية، 30 كيلومتراً غرب الفلوجة. وتضم تلك الشركات عمالاً معظمهم من جنسيات آسيوية ويقيمون في القاعدة ولا يخرجون منها منذ نحو شهرين لإكمال تلك المشاريع بعد تخصيص أماكن مبيت وطعام خاصة بهم.

وتقدّر المصادر ذاتها عدد القوات الأميركية الموجودة في الأنبار بنحو ألفي جندي ومستشار ومتعاقد مع الجيش الأميركي يتواجدون في قاعدتي عين الأسد والحبانية، مجهّزين بأسلحة مختلفة، بينها دروع، ومدافع، وصواريخ ذكية، وأنظمة رصد. وأكّدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في بيانات سابقة أنّ تلك الأسلحة موجودة لغرض توفير الحماية للقوات الأميركية في تلك القواعد. وتصرّ الوزارة على أنّ المهمة التي يهدف إليها الجيش هي تقديم الدعم للجيش العراقي وأبناء العشائر.

وتتحدث المصادر نفسها عن حجم وطبيعة تلك الأعمال التي تنفذها القوات الأميركية في قواعدها، خصوصاً في الأنبار متمثلة بعين الأسد والحبانية، وفي أربيل بإحدى المناطق التي لا تبعد أكثر من 90 كيلومتراً عن الحدود مع إيران. وتشمل مدارج طائرات، وملاجئ ضد القصف الصاروخي، ومركز عمليات، وأبراج سيطرة جوية، ومنصات رادار عسكرية، وقاعات للنوم تكفي مئات الجنود. وهو ما يخالف طبيعة احتياجات القوات الأميركية الحالية في العراق أو مدة مهمتها هناك، بحسب هذه المصادر.

اقرأ أيضاً: العراق: أميركا تسلم أسلحة جديدة للقوات لمحاربة "داعش" بالأنبار

ويوجد أكثر من 7 آلاف عسكري أميركي في العراق، وفقاً لتصريحات القادة والمسؤولين الأميركيين. إلّا أن نواباً عراقيين يؤكدون أنّ عددهم الحقيقي أكثر من 10 آلاف. وتخفي واشنطن ذلك لاعتبارات سياسية، من بينها عدم رغبتها في إحراج رئيس الوزراء حيدر العبادي أمام عدد من الكتل، خصوصاً تلك المحسوبة على إيران. ويتوزع الوجود الأميركي على خمس قواعد رئيسية بواقع اثنتين في بغداد، وواحدة في أربيل، وقاعدتَي عين الأسد والحبانية، غرب وشرق الرمادي، مركز محافظة الأنبار التي تحدّ العراق مع ثلاث دول، هي: السعودية والأردن، وسورية. ولا تستقل القوات الأميركية في أي من بغداد أو أربيل إلّا أنها تتخذ شكلاً مستقلاً في الأنبار من خلال قاعدتَي الحبانية وعين الأسد، إذ أقيمت قاعدة للقوات داخل تلك القواعد التي تعد الأكبر في العراق من حيث المساحة، ويُمنع الدخول إليها إلا بترخيص حتى للجيش العراقي أو المسؤولين الحكوميين.

كما وتمنع، وفقاً للعقيد العراقي جبار المياحي، من قيادة عمليات الأنبار العسكرية، مرور طائرات السوخوي العراقية من فوقها، وكذلك طائرات التصوير والمراقبة العراقية التي تسلّمتها حكومة نوري المالكي السابقة من طهران. ويؤكد المياحي لـ"العربي الجديد"، أن "القواعد الأميركية رفعت العلم الأميركي داخلها وباتت جسداً مستقلاً أو منفصلاً عن محيطها الخارجي المتمثل بالقاعدة الأم التابعة للجيش العراقي".

من جهته، يقول النائب عن تحالف القوى العراقية، رعد الدهلكي، أنّ "قتال داعش في العراق هو مسؤولية كل دول العالم وليس العراق حصراً وتحديداً الولايات المتحدة". ويضيف الدهلكي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الولايات المتحدة ملزمة وفقاً للاتفاقية الأمنية الموقّعة مع العراق، بالتعاون معه عسكرياً"، مؤكّداً أنّ "الوجود الأميركي هو أمر واقع وعلى مرأى ومسمع من الجميع، وبعلم وموافقة الحكومة. كما أنّ واشنطن من خلال التحالف الدولي تعمل على ضرب داعش ولها دور كبير في تحجيمه وإضعافه"، على حدّ تعبيره. ويشير النائب ذاته إلى أنّه "لا مشكلة بوجود أية قاعدة أميركية في العراق"، مؤكّداً "حاجة البلاد إلى الدعم الأميركي والدولي في حربه ضدّ داعش".

في المقابل، هدّدت مليشيات مسلحة تابعة لأحزاب سياسية عراقية وأخرى منفصلة، في أكثر من مناسبة، باستهداف القواعد الأميركية والتعامل معها كقوات احتلال في حال لم تنسحب بعد الانتهاء من غطاء وجودها الحالي، كما تزعم، بمحاربة تنظيم داعش. وقال زعيم مليشيا بدر، النائب العراقي هادي العامري، في مؤتمر صحافي، أخيراً، "نرفض أية قاعدة أميركية في العراق، وسيتم استهدافها ولن نسمح ببقائها".

ويرى النائب عن التحالف الوطني، محمد الصيهود، أنّ "الوجود الأميركي في العراق غير مرحّب به". ويقول الصيهود لـ"العربي الجديد"، إنّ "الولايات المتحدة لديها مشروع تقسيمي تآمري في العراق"، مبيناً أنّ "واشنطن تسعى لتقسيم العراق". ويوضح أنّ "واشنطن لا تريد من خلال وجودها ضرب الإرهاب، بل تريد دعم داعش لإتمام مشروعه في التقسيم"، مشيراً إلى أنّ "العراق اليوم لديه القوة الكافية لتحرير أرضه من خلال قواته الأمنية والحشد الشعبي الذي يملك القدرة على تحرير الأراضي من داعش"، وفقاً لوصفه.

في السياق ذاته، يقول الخبير في الشؤون العراقية بمحافظة الأنبار، مازن الحيالي، إنّ "التواجد الأميركي بات مسألة أكبر بكثير من رفض هذا الحزب أو تلك المليشيا. فوجود الروس في سورية ضمن قواعد ثابتة لا يمكن إلا أن يدفع الأميركيين لتثبيت وجودهم على الأقل في الأنبار التي تجاور الأراضي السورية بأكثر من 400 كيلومتر". ويضيف أنّ "إيران تشعر بقلق كبير في هذا الإطار، والأميركيون يرصدون ذلك ويجدون ترحيباً أكثر من الذي وجدوه عندما دخلوا محتلّين العراق عام 2003. لذا أعتقد أن الوجود الأميركي سيكون طويلاً هذه المرة في العراق".

اقرأ أيضاً: الخطة الأميركية لتحرير الموصل: 3 مراحل جوية وبرية

المساهمون