الوجه الآخر لطوارئ السيسي: خطاب وإجراءات لإرضاء الجيش

الوجه الآخر لطوارئ السيسي: خطاب وإجراءات لإرضاء الجيش

29 ديسمبر 2019
سلّم السيسي مساحات واسعة للجيش أخيراً (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
في أول انعكاس للتعديلات التي أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على عدد من المناصب القيادية في الجيش، وأبرزها تجديد الثقة بوزير الدفاع الحالي الفريق أول محمد زكي، ورئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي، وتعيين مساعد لرئيس الأركان، هو اللواء خالد توفيق، وإعادة الفريق أسامة عسكر إلى القيادة، بتعيينه رئيساً لهيئة العمليات، نُشرَت مجموعات من قوات الشرطة العسكرية ووحدات عسكرية أخرى بصورة كثيفة في مختلف المحافظات، لتولي مهام حفظ الأمن والنظام والتصدي لأي عمليات تخريبية أو عنف محتملة، ضمن خطته للاستعداد الأمني لفترة إحياء الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. وذكرت مصادر مطلعة أنه سُلِّمَت مساحات من الأراضي الفضاء المملوكة للدولة للقادة العسكريين في نطاق كل محافظة لتسهيل الإقامة والتحرك الوحدات التي وُزِّعَت، فضلاً عن تنبيه المحافظين لتوفير التسهيلات المطلوبة للوحدات العسكرية في المناطق البعيدة عن المواقع الرئيسية، في مشهد شبيه لما كانت الأوضاع عليه في السنوات بين 2011 و2014، وعلى عكس السنوات الثلاث السابقة، في استعداد غير تقليدي من قبل الجيش لتلك المناسبات، قياساً بالفترات السابقة.

وكشفت مصادر في الأمن العام أن دائرة السيسي، ولا سيما مستشاره للشؤون الأمنية اللواء أحمد جمال الدين، تلقت تحذيرات من المخابرات العامة والأمن الوطني من إمكانية استغلال بعض المجموعات المعارضة الذكرى التاسعة للثورة لتنظيم تظاهرات على خلفية نجاح تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول الماضي في هزّ النظام وصورته أمام الرأي العام، على الرغم من المشاركة المحدودة على المستوى المكاني والزمني، ولكن تلك التحذيرات ليست العامل الوحيد لدفع الدولة إلى هذه الحالة من الاستنفار.

وكشفت المصادر أن السيسي يرغب أيضاً في خلق حالة من الترصد الأمني عالي المستوى داخل الجيش تحديداً، لإنهاء حالة الفتور والتوتر التي وصلته تقارير عن انتشارها بين الضباط والمجندين على خلفية أحداث سبتمبر، والتي كانت أيضاً من العوامل المؤثرة المباشرة في قراراته الأخيرة بشأن التغييرات في القيادة، وكذلك الإفراج عن رئيس الأركان الأسبق الفريق سامي عنان بعد عامين تقريباً من اعتقاله واتهامه في 3 قضايا. وذكرت المصادر أن دائرة السيسي تعتقد أن رفع حالة الطوارئ داخل الجيش وانخراط وحداته المختلفة في أنشطة التأمين، ربما ساهم في إنهاء حالة التوتر هذه، ويعيد التأكيد لاهتمام النظام بأوضاع الجيش والدور الذي يلعبه ليس فقط على مستوى الاقتصاد والمشاريع ومكافحة الإرهاب، بل أيضاً لضبط المشهد السياسي والميداني.


وأوضحت المصادر أيضاً أن السيسي كلف وزير الدفاع وضع الخطة الأمنية العامة، بما في ذلك محاور التنسيق مع الشرطة وغيرها من الأجهزة، بعدما كان هذا الملف تديره الرئاسة والمخابرات مباشرةً في الأعوام الثلاثة الماضية، ما يساهم أيضاً في تخفيف التوتر الذي كان مسيطراً على الأجواء بين القيادة العامة للجيش ودائرة السيسي، وبالأخص مدير المخابرات العامة عباس كامل ووكيل الجهاز محمود السيسي في الفترة الماضية، مشيرة إلى أن ما يعني السيسي هنا هو "تهدئة الأوضاع داخل الجيش بصورة عامة، وليس إرضاء وزير الدفاع أو شخصيات بعينها".

وتتطابق هذه المعلومات مع ما عكسته تصريحات السيسي يوم الأربعاء الماضي في أثناء حضوره احتفالاً في الفيوم لافتتاح بعض المشاريع التي نفذها الجيش، من اهتمام بالغ بالجيش والإشادة به ورغبة في إرضائه، بتأكيد دوره، ليس فقط كأداة لتنفيذ المشاريع، بل أيضاً كـ"ضمانة لسلامة الدولة وحماية المسار الدستوري" حسب وصفه، وبما يفوق ما كانت تصريحاته تتضمنه في الأشهر الأخيرة من إشادات بالجيش ودوره السياسي.

وطالب السيسي في ذلك اليوم وسائل الإعلام بإبراز دور الجيش في الحفاظ على الدولة وحماية الدستور، والتعديلات الدستورية التي أدخلت على المادة المنظمة لسلطات الجيش أخيراً. وتحدث في السياق نفسه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الذي أشاد بصورة واسعة بالجيش ومشاركته في إدارة الدولة والاقتصاد القومي خلال حوار أجراه مع رؤساء تحرير الصحف يوم الخميس الماضي.

وقد انتشرت شائعات في الأوساط الرسمية المحيطة بالرئاسة والمخابرات والأمن الوطني في الفترة الماضية عن فتور العلاقة بين السيسي ووزير دفاعه في الآونة الأخيرة، على خلفية انتقاده للطريقة التي أدارت بها أجهزة النظام، تحديداً المخابرات والأمن الوطني، المشهد في أحداث سبتمبر، وتعريضها سلامة النظام للخطر من وجهة نظره، ورفضه الدفع بوحدات من الشرطة العسكرية إلا بشكل محدود حول السفارات الأجنبية والمواقع العسكرية حتى لا تتقاطع مهامها مع المهام الشرطية أو التعليمات التي كانت تصدر في اليومين الأولين من الأحداث من المخابرات، ثم انتقلت دفة القيادة إلى الشرطة في وقت لاحق بتعليمات مباشرة من السيسي الذي كان حينها في نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعلى الرغم من أن زكي كان في مقدمة مستقبلي السيسي عند عودته إلى جانب رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ووزراء الخارجية والعدل والداخلية، في مشهد صمّمه بعناية مدير المخابرات عباس كامل ومساعده أحمد شعبان، لتأكيد تبعية كل سلطات الدولة وأجهزتها للسيسي، إلا أن السيسي بلغه من طريق مدير مكتبه اللواء محسن عبد النبي الذي تشهد الفترة الحالية توسعاً مطرداً في سلطاته، أن زكي تحدث لعدد من القادة بلهجة انتقادية حادة لطريقة تعامل الأجهزة مع أزمة ظهور الممثل، المقاول محمد علي منذ بدايتها، وصولاً إلى التعامل مع التظاهرات الشعبية الأوسع في عهد السيسي.

المساهمون