مواقف متباينة من تشكيل اللجنة الدستورية في الجزائر

مواقف متباينة من تشكيل اللجنة الدستورية بالجزائر: هل وضعت العربة قبل الحصان؟

09 يناير 2020
لقي قرار تبون مواقف متباينة (Getty)
+ الخط -

لقي قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تشكيل فريق من الخبراء الدستوريين يتولى صياغة مسودة دستور جديد للبلاد مواقف متباينة، يميل أغلبها إلى التحفظ من قبل قوى سياسية ومدنية، اعتبرت أن الخطوة سابقة لأوانها، وأنه كان يفترض أن يسبق ذلك حوار جدي مع المكونات السياسية والمدنية، تُجمَع من خلالها المقترحات المتعلقة بتغيير النظام قبل إسناد صياغتها إلى هيئة تقنية. 

وفيما كان المجتمع السياسي والمدني ينتظر إعلان تبون بدء الحوار السياسي لصياغة خطوات سياسية والتوافق عليها لصياغة دستور جديد يتيح تغييراً شاملاً في النظام السياسي والذهاب إلى انتخابات نيابية جديدة، اتخذ تبون مساراً مغايراً بإعلانه تشكيل فريق من الخبراء الدستوريين لصياغة مسودة دستور، تطرح لاحقاً للتشاور، في خطوة وصفتها قوى معارضة بأنها "وضع للعربة قبل الحصان". لكن قراءات سياسية معاكسة ترى أن الخطوة هي الاتجاه الصحيح، على أساس أنها تتيح طرح وثيقة تكون قاعدة أساسية لأي حوار بين السلطة والقوى السياسية والمدنية لاحقاً.

في السياق، يعتقد رئيس حزب "جيل جديد"، جيلالي سفيان أن هذه الخطوة يمكن النظر إليها بإيجابية، وقال لـ"العربي الجديد" إن "توفير مسودة دستور تكون قاعدة للحوار أمر إيجابي وعقلاني، وعلى خلفية أنه لا يمكننا الذهاب إلى حوار على قاعدة الفراغ، وإذا بدأ الحوار".

وأضاف سفيان أن "مضمون رسالة تبون إلى فريق الخبراء التي توضح دفعه باتجاه تقليص صلاحيات الرئيس وتوسيع صلاحيات البرلمان وتحرير المجلس الأعلى للقضاء، وكذا التزام الرئيس تبون تسليمَ مسودة الدستور للمكونات السياسية والمدنية والشخصيات المستقلة للتشاور بشأنها، قبل طرحها للاستفتاء الشعبي، أمر يؤشر مبدئياً على وجود نيات إيجابية لدى الرئيس".

لكن جيلالي سفيان الذي كان أكثر المعارضين الراديكاليين لنظام بوتفليقة، يؤكد أنه "على الرغم من ذلك فإن تقدير الموقف يفرض البقاء في حالة تحفز لمتابعة خطوات السلطة تجاه ذلك".  

في المقابل، يعبّر رئيس "جبهة العدالة والتنمية" عبد الله جاب الله أبرز شخصيات المعارضة عن خيبة أمله إزاء الخطوة التي أقدم عليها الرئيس تبون، وأكد أنه لا يعلق آمالاً كبيرة في إمكانية أن تتوصل هيئة الخبراء إلى مخرجات جدية بشأن إجراء تغيير عميق على نظام الحكم في البلاد، "خاصة أن الهيئة تضم وجوهاً سبق لها أن اشتغلت على صياغة دساتير سابقة، بينها رئيس الهيئة الجديدة أحمد لعرابة".

وأشار جاب الله إلى أنه "لو كانت هناك جدية للسلطة في إحداث تغيير دستوري عميق لكانت قد ضمت إلى لجنة الخبراء سياسيين، لأن هؤلاء يعرفون الثغرات القانونية في الدساتير التي مرت بها البلاد وهم الذين نبهوا لها مراراً وطالبوا بتعديلها وقدموا مقترحات"، معتبراً أن المسار الذي اتجهت إليه السلطة في التعاطي مع مطالب الشعب "بعيد عمّا يطمح إليه الشعب".

قضية سياسية "أكبر من لجنة الخبراء"

وبرأي المتحدث السابق باسم مؤتمر المعارضة والناشط السياسي البارز محمد أرزقي فراد، إن صياغة دستور جديد قضية سياسية "أكبر من لجنة الخبراء"، وقال فراد في تقدير موقف نشره للرأي العام إن "إعلان تشكيل لجنة خبراء القانون مكلفة تعديل الدستور من طرف الرئيس تبون يؤكد أنه اختار السير على نهج الرؤساء السابقين الذين صنعوا الدساتير السابقة على المقاس، بواسطة لجان خبراء خارج الشرعية الشعبية".

وأضاف أن "أفضل تصوّر لتعديل الدستور أن تُسند هذه المهمة إلى برلمان جديد يوجد فيه شباب الحراك وغيرهم يتمتعون بالشرعية الشعبية، يقومون بدراسة الدستور وتعديله وبصياغة مشروعه الجديد وفق مطالب الحراك، المعبّرة عن رغبة ملحّة في التحوّل نحو منظومة سياسية جديدة، ذات آليات ديمقراطية"، بمساعدة لجنة تقنية من خبراء الدستور.

وترفض أحزاب الكتلة الديمقراطية مثل "جبهة القوى الاشتراكية"، و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، فكرة تعديل الدستور عبر فريق خبراء، وتتمسك منذ مؤتمرها الذي عقدته في 26 يوليو/ تموز الماضي بمقترح انتخاب مجلس تأسيسي يتولى صياغة مسودة دستور جديد، وهو المقترح نفسه الذي طرحه منسق مؤتمر المعارضة عبد العزيز رحابي قبل أيام، والذي اعتبر في تصريح صحافي أن طرح مسودة دستور للانتقال الديمقراطي عبر فريق خبراء "هو مسار خاطئ وسابقة لم تحدث في أي من تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم".

وتبدي أطراف أخرى مخاوفها من أن تفتقد مسودة الدستور الجديد روح الثورة الشعبية وتطلعاتها المركزية، وأن تنحصر المسودة الدستورية في تعديلات تقنية.

ويعتقد يحيى جعفري رئيس "منتدى الحراك الأصيل"، أحد مكونات الحراك الشعبي، وهو أستاذ جامعي، أن صياغة دستور جديد للبلاد وفق مطالبات الحراك الشعبي، مهمة أكبر من فريق خبراء.

وقال جعفري لـ"العربي الجديد"، إن "الدستور أكبر من أن يُترك لأهل القانون وحدهم، لكونه يتضمن العمق الثقافي والبعد التاريخي والنهج الاقتصادي والتوجه السياسي والروح الثورية، وهي كلها أبعاد ينبغي أن تكون حاضرة فيه ومشتملة عليه، وفق توافقات مشتركة، على أن يتولى أهل المنهجية الدستورية قولبة هذه الأبعاد في أبواب ومواد دستورية".

وأضاف أن "الأهم من البناء المادي للدساتير هو القدرة على تمثل النَّفَسْ الثوري للجماهير، التي تطابق المحمول الفكري للمادة القانونية، ويتمثل حقيقة آمال وتطلعات الشعب في بناء جزائر جديدة".

وكان تبون قد شكل فريق خبراء يضم 17 خبيراً في القانون والدستور، برئاسة الخبير الأممي أحمد لعرابة، وحدد للفريق سبعة محاور تشملها المسودة الجديدة تخص تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتثبيت عهدتين رئاسيتين فقط، ووضع آليات تصون البلاد من كل أشكال الانفراد بالسلطة، وإعادة الاعتبار للبرلمان في وظيفته الرقابية لنشاط الحكومة، وتحرير المجلس الأعلى للقضاء من السلطة التنفيذية وتوسيع مجالات حرية المواطن وتكريس حريات فردية وجماعية جديدة وحرية الصحافة والشبكات المعلوماتية.

ويضاف إلى ذلك أيضاً تعزيز آليات الوقاية من الفساد ومكافحته وحصر نطاق الحصانة البرلمانية، ومراجعة الأحكام الدستورية التي تحدّ من تولي الجزائريين المقيمين بالخارج بعض المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية.

دلالات

المساهمون