"الحرس الرئاسي" الليبي: تعقيدات تُجهض المشروع قبل ولادته

"الحرس الرئاسي" الليبي: تعقيدات تُجهض المشروع قبل ولادته

13 مايو 2016
مجموعات عدة ترفض سلطة السراج (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
أثار قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، الصادر الإثنين الماضي، عن تشكيل قوة نظامية تحت مسمى "الحرس الرئاسي" تتبع للقائد الأعلى للجيش الليبي، وهي الصفة التي أصدر بها المجلس قراره، جدلاً وتساؤلات في أوساط مراقبين حول كيفية تكوين هذه القوة بل ومكانها وزمانها من قبل مجلس رئاسي لا يزال مغيباً وراء أسوار القاعدة البحرية في طرابلس، وعاجزاً عن لملمة شتات المتنازعين في البلاد. وبحسب القرار، فإن هذه القوة تتمتع باستقلالية مالية وإدارية، وتتألف من وحدات الجيش والشرطة ومن يتم اختيارهم وإعادة تنسيبهم من وحداتهما من مختلف مناطق ليبيا. وأوكل القرار لهذه القوة مهمة تأمين المقرات الرئاسية والسيادية والمؤسسات العامة للدولة والأهداف الحيوية ومنافذ البلاد البحرية والبرية والجوية، إضافة لتأمين أعضاء المجلس وكبار زوار الدولة.

لكن الخبير الليبي في الشؤون الأمنية، محمد النعاس، يقلل من أهمية القرار، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "لا يمكن لهذا المجلس الذي لم يستطع أن يؤمن حتى نفسه خارج مقره العسكري، أن يشكّل هذه القوة"، معتبراً أن هذه القوة من خلال مكوّناتها ومهامها يمكن تسميتها بـ"الجيش"، متسائلاً: "من أين لـ(رئيس حكومة الوفاق) فائز السراج وزملائه القدرة على تشكيل مثل هذه القوة لتطلع بكل هذه المهام، في الوقت الذي تموج فيه البلاد بحرب أهلية بين عدة أطراف منذ خمس سنوات؟".

من جهته، يرى المحلل السياسي الليبي جار الله بوسعد، أن القرار سياسي صرف في إطار مساعي المجلس الرئاسي لضم القوى المسلحة في ليبيا تحت سلطته، على الرغم من أن ملامح فشله بدت منذ أن تحدث السراج بصفته القائد الأعلى للجيش، وهي الصفة التي يرفض البرلمان في طبرق منحها غير قائد قواته خليفة حفتر. ويعتبر بوسعد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المجلس الرئاسي بعث لكل القوى المسلحة في ليبيا رسالة، من خلال هذا القرار، مفادها أنه الجسم المعترف به دولياً، فأي مجموعة مسلحة ترفض قراره بالانضمام لهذه القوة الجديدة تكون في نظر العالم خارجة على القانون، خصوصاً أن القرار ألغى كل المسميات السابقة التي تتخذها المجموعات المسلحة غطاء تعمل تحته". ومما يؤكد ذلك، حسب بوسعد، أن "القرار نصّ على حل الأجهزة القائمة في البلاد وسحب صلاحيتها بتأمين النفط والحدود والمطارات وغيرها، وطالبها بتنفيذ هذا القرار من دون أن يكون الجسم البديل هو الحرس الرئاسي جاهزاً، بدءاً من تسمية قيادته وعناصره وهيكله، ويكون هناك تسليم واستلام من الأجهزة السابقة".

ويرى بوسعد أن تشكيل هذه القوة "هو قرار سياسي محض، فالمجلس الرئاسي يعرف جيداً أنه لا يسيطر على أية قوة في البلاد، بما فيها المجموعات المسلحة في مصراته المقربة منه سياسياً، ولذا لم نقرأ في قراره من هي الجهة التي ستكلف تشكيل هذه القوة"، مضيفاً: "لقد تسلّم المجلس الرئاسي مقار حكومية في طرابلس، وحتى الآن، لم يستطع دخولها فضلاً عن تأمينها، فكيف سيؤمن مواقع حيوية في كل أطراف البلاد بل والمنافذ أيضاً؟".


وحاولت السلطات المتوالية عقب سقوط نظام العقيد معمر القذافي، ضم الثوار إليها، الذين نظموا أنفسهم خلال حرب 2011 في شكل كتائب مسلحة، تحت عدة مسميات منها "اللجنة الأمنية العليا" في عهد حكومة عبدالرحيم الكيب عام 2012، إلا أن هذا الجسم فشل بعد بروز التجاذبات السياسية داخل المؤتمر الوطني بين التيار الإسلامي والليبرالي، لتنقسم الكتائب المسلحة في البلاد بين فريقين مسلحين، أحدهما يحمل مسمى "الدروع" ويتواجد في الجنوب وبنغازي وأغلب مدن غرب ليبيا، والآخر يعمل تحت أكثر من مسمى ويتواجد في الزنتان غرب البلاد وبعض المدن الأخرى.

وعقب فشل المحاولة الانقلابية للواء المتقاعد خليفة حفتر في طرابلس في فبراير/شباط عام 2014، لجأ إلى شرق البلاد ليشكّل قوة مسلحة بقيادته، كانت السبب في إطلاق شرارة الحرب الأهلية في البلاد من خلال "عملية الكرامة" في 16 مايو/أيار من العام نفسه. وتصاعدت حدة الأزمة بتمكّن حفتر من احتضان مجموعة البرلمان، المطعون في شرعيته من المحكمة العليا، ليشكّل واجهته السياسية، مما زاد من حدة الاستقطاب السياسي وبالتالي شدة الاحتراب الأهلي ببروز عملية "فجر ليبيا" غرب البلاد كرد فعل على مساعي حفتر، وبدأت الأعمال المسلحة ضد "كتائب الزنتان" الموالية لحفتر في طرابلس في أغسطس/آب من ذلك العام.

وانتهت الحرب في غرب ليبيا بين قوات "فجر ليبيا" و"كتائب الزنتان" الموالية لحفتر في الأشهر الأولى من عام 2015، بينما لا تزال تدور رحاها في بنغازي ضد قوات "مجلس شورى" المدينة، وهي أفرزت تشكيلات عسكرية جديدة لتدخل في أتون الحرب، كان العامل البارز خلالها ظهور رموز نظام القذافي وكتائبه تحت مسميات جديدة. أولى ملامح عودة كتائب القذافي القديمة كانت في الزنتان، فقد اعترفت قيادات الزنتان مبكراً بأن لواءي "الصواعق" و"القعقاع" مؤلفان من "كتيبة امحمد المقريف"، وهي كتيبة خاصة كانت تحمي القذافي في معقله العسكري الشهير "باب العزيزية".

ثم ظهرت شخصيات عسكرية كانت ضمن منظومة حكم القذافي العسكرية من بينها اللواء صقر الجروشي، قائد سلاح الجو في قوات حفتر، واللواء عبد الرزاق الناطوري المعيّن من برلمان طبرق رئيساً لأركان الجيش، والعقيد ونيس بوخمادة قائد قوات الصاعقة في بنغازي.
وامتدت الحرب إلى جنوب ليبيا مع اندلاع قتال عنيف في اوباري بين قبيلتي الطوارق والتبو عدة أشهر، أسفرت عن عشرات القتلى المدنيين ونزوح كامل سكانها، قبل أن تنتهي إثر تمكّن "القوة الثالثة" المؤلفة من مقاتلي الجنوب من أسر العقيد محمد بن نائل، أبرز قيادات القذافي العسكرية، والذي كشف أثناء التحقيق معه أن بقايا منظومة القذافي كانت وراء إذكاء نيران الحرب، إذ شجعت حفتر على دعم قبيلة التبو بالسلاح من جهة، وإعادة إحياء كتيبة "المغاوير" أهم كتائب القذافي في جنوب ليبيا والمؤلفة من مقاتلي قبيلة الطوارق، من جهة أخرى.

وبعد دخول المجلس الرئاسي إلى طرابلس كطرف جديد في المعادلة الليبية، بدأت خريطة المجموعات المسلحة في التشكّل من جديد؛ ففي شرق ليبيا حظي حفتر بدعم أغلب القبائل، الموالية للبرلمان الرافض للمجلس الرئاسي، وتقدّم بمقاتليه الجدد من قبائل الزوية وحلفائها إلى منطقة الهلال النفطي. أما في غرب البلاد، فقد انحازت المجموعات المسلحة في مصراته تحت مسمى "المجلس العسكري لمصراتة" للمجلس الرئاسي، فيما انشطرت المجموعات المسلحة في الزنتان على نفسها، فـ"كتيبة أبو بكر الصديق" لا تزال على ولائها لبرلمان طبرق، بينما لا تزال كتيبة "عقبة بن نافع" تراوح بين مصالحها المرتبطة بعضو المجلس الرئاسي المقرب منها عمر الأسود، وبين الضغوط القبلية في المدينة الرافضة هي الأخرى للمجلس الرئاسي.

أما في العاصمة طرابلس، فقد ظهرت المجموعات المسلحة تحت مسميات جديدة، كـ"جهاز الحرس الوطني" برئاسة الاسلامي خالد الشريف والمؤلف في أغلبه من مقاتلي "مجلس ثوار ليبيا" الإسلامي، و"جهاز الأمن المركزي" الذي يقوده عبد الغني الكللي، القيادي البارز في "فجر ليبيا"، بالإضافة لجهاز "قوة الردع" الأكثر تسليحاً وعديداً بقيادة عبد الرؤوف كاره، والذي يتخذ من قاعدة امعيتيقة العسكرية مقره، وجهاز "مكافحة الجريمة" بقيادة هيثم التاجوري.

وباستثناء كتيبة عبدالغني الككلي، التي رحبت بدخول المجلس الرئاسي، وكتيبة "قوات الردع الخاصة" بقيادة كاره الذي كان له دور كبير في تسهيل وصول المجلس الرئاسي إلى قاعدة بوستة البحرية التي كانت تحت سيطرته، فإن "الحرس الوطني" الذي تكوّن بقرار من المؤتمر الوطني وبمباركة دار الإفتاء، لا يزال على موقفه الرافض للمجلس الرئاسي. بينما لا تزال الكتائب التي يقودها هيثم التاجوري والمسيطرة على تاجوراء شرق المدينة، في صمت تام حيال موقفها من المجلس الرئاسي.

وفي ظل هذه التحوّلات المتسارعة في خريطة المجموعات المسلحة في ليبيا، يبرز السؤال مجدداً عن جدية وقدرة المجلس الرئاسي على تشكيل "الحرس الرئاسي" وكيف سيضم هذا الطيف المجموعات المتناقضة سياسياً وعسكرياً.