رياضيات السلطة: ألف مصدّر = 89 مليون مصري

رياضيات السلطة: ألف مصدّر = 89 مليون مصري

08 يوليو 2015
الحكومة تستمر في دعم رجال الأعمال على حساب المصريين(Getty)
+ الخط -
ضغط المصدّرون المصريون ومجالسهم من أجل زيادة مخصصات دعمهم قبل إقرار الموازنة العامة، وأتت تلك المطالب استمراراً لمطالب رُفعت خلال العامين الماضين بإعادة الامتيازات كلها التي كانوا يحصلون عليها. نجح المصدّرون عبر تجمعاتهم، التي تشكل قوى ضغط، أن يحصلوا على امتيازات مالية عديدة، منها ما قدمه صندوق دعم الصادرات منذ 2002 والمستمر حتى الآن.

والحال أن دعم رجال الأعمال ليس مستغرباً، فسياسة مصر الاقتصادية تقوم على أن القطاع الخاص هو الأساس في عملية التنمية، وهذا المنهج لم يتغير بعد الثورة، تحت مبرّر أن ذلك سينعش الاقتصاد. وكأن أزمة المستثمرين هي أزمة الحكومة المصرية، ولِمَ لا، إذا كانت الحكومة موجودة لتمثيل مصالح هؤلاء. ففي عام اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية (2008) حظي رجال الأعمال والمصدرون بدعم حكومي ضخم لتلافي آثار الأزمة. ومنذ هذا التاريخ تصاعد حجم المساعدات المقدمة لهم حتى عام 2011، حيث فرضت أزمة الموازنة على وزراء المالية إعادة النظر في بنود الدعم، وضمنها دعم المصدرين.

"الدعم ليس بدعة!"، لم تصدر تلك العبارة عن أحد المدافعين عن دور الدولة الاجتماعي في تحسين ودعم الخدمات المقدمة للمواطنين، ولكنها صدرت عن أحد المتحدثين باسم لوبي المصدرين. فدعم رجال الأعمال ليس بدعة في عرفهم وعرف السلطة التي تجسّد مصلحة فئات طبقية محدودة، لم يكتفِ المصدرون بعبارة دعمنا ليس بدعة، بل أشاروا في عام 2011 إلى أن حلّ أزمة الدعم ليس بإلغاء دعم المصدرين، بل بإلغاء دعم الطاقة البالغ 141 مليار جنيه (حوالى 18 مليار دولار)، رغم أن دعم الطاقة يفيد حوالى 89 مليون مصري!

وصلت الدولة بعد تفاوضها معهم إلى خفض الدعم المقدم لهم من 3.1 مليارات جنيه إلى 2.6 مليارَي في ميزانية العام الماضي، لكن سرعان ما أعادت الدولة الدعم بزيادة 90%، ليصل إلى 5 مليارات جنيه. سبق هذا القرار مذكرة من المجالس التصديرية تطالب بزيادة الدعم، وبرّرت طلبها بأن معدل الصادرات تراجع بنسبة 20%.

وبالفعل قامت حكومة "الحبايب"، برفع الدعم وتم تسويق القرار للمصريين بمبررات جاءت في بيان لرئاسة الوزراء المصرية، منها أن القرار يهدف إلى فتح أسواق جديدة وزيادة نسبة التشغيل ورفع الحصيلة الدولارية.

اقرأ أيضا: النظام المصري "يدلّع" أباطرة الحديد ويثبّت احتكاراتهم

قد يذهب بعضهم إلى أن قرار صندوق دعم الصادرات يهدف إلى تقليل الخلل القائم في الميزان التجاري بين الواردات والصادرات، غير أن المؤشرات تكذب هذه الفرضية، حيث شهدت ثماني سنوات مضت ارتفاعاً في معدل الواردات، وانخفاضاً في معدل الصادرات، كتجلي لأزمة الإنتاج المرتبط بنمط الاقتصاد السائد.

كما تشير تجربة دعم المصدرين إلى أن عدد من يستفيد منه فئة محدودة للغاية، حيث تؤكد الأرقام المتاحة أن هناك ما يقارب ثلاثة آلاف شركة استفادت من الدعم، بل إن بعض المصادر تشير إلى أن 5 مليارات جنيه سوف يستفيد منها ما لا يزيد عن ألف مستثمر.

وتكشف التجربة أيضاً أن العديد من رجال الأعمال المدعومين، يغلب على سلعهم المكون المستورد، الأمر الذي يعني أن الدولة تدعم سلع دول أخرى، ويتكرّر الأمر ذاته حين تدعم الدولة رجال الأعمال العاملين في قطاع الغزل والنسيج والمنتجين للسلع طبقاً لاتفاقية الكويز التجارية، التي تسمح بتصدير منتجات إلى الولايات المتحدة معفاة من الجمارك ما دامت تحتوي مدخلات إنتاج قادمة من "إسرائيل".

من جهة أخرى، تترك الدولة شركات القطاع العام وقطاع الأعمال المنتجين لمصنوعات الغزل والنسيج نهباً للفساد وسوء الإدارة، ونقص مستلزمات الإنتاج، وضعف التدريب، والتأهيل للعاملين.

واقع الحال أن هذا القرار يثبت كغيره من القرارات الاقتصادية السابقة أن السلطة ترى رجال الأعمال كـ "نور عينيها"، وأنهم محل الاعتبار، وطلباتهم أوامر، كما يقال في العامية. وهو يثبت أيضاً أنهم المتحكمون الحقيقيون في القرارات الاقتصادية، حيث تتجلى فيه أعلى درجة من درجات تشابك علاقات السلطة والنفوذ والثروة.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية)

المساهمون