السودان: دولة الـ36 ألف ضريبة

السودان: دولة الـ36 ألف ضريبة

05 اغسطس 2015
الدولة تعتمد في ميزانيّتها بنسبة كبيرة على الضرائب (Getty)
+ الخط -
صدر توجيه من حاكم ولاية جنوب دارفور، غرب السودان، لوزارة المالية باستقطاع مبلغ عشرة جنيهات من رواتب الموظفين البالغ عددهم 27 ألف موظف، لصيانة وتأهيل الخدمات الصحية بمستشفى نيالا التعليمي، ما يكشف مدى اعتماد الولايات على المواطنين لتقديم الخدمات.

فكثيراً ما يشكو السودانيون في مختلف القطاعات من كثرة الرسوم والجبايات وتعدّد أشكالها، التي تطاول حتى المنازل المشيدة، إذ تفرض عليها رسوما سنوية تعرف "بالعوائد" تختلف فئتها بحداثة بناء المنزل، فضلاً عن المحال التجارية.


فقد أعلن وزير المالية السوداني بدر الدين سليمان عن اكتشاف 36 ألف رسم وضريبة عند تطبيق الوزارة لنظام التحصيل الإلكتروني للجبايات، التي تفرضها القطاعات المختلفة مقابل الخدمات التي تقدم للمواطنين، والتي كانت تتم بإيصالات ورقية عرفت بـ"اورنيك 15".

واعتبر خبراء أن حجم الجبايات التي أعلن عنها الوزير نتاج طبيعي لطبيعة النظام الإداري، الذي تطبقه البلاد والذي رفع عدد الولايات إلى 18 ولاية، فضلاً عن عدد ضخم من المحليات، الأمر الذي شكل ضغطاً على الدولة وعلى قدرتها على توفير الاعتمادات للوحدات المختلفة، هذا فضلاً عن كونها حمّلت الولايات والمحليات مسؤوليات خدمية فوق طاقتها المالية، مما جعلها تلجأ للجبايات لتوفير المال اللازم لتسيير أعمالها بابتداع مسميات عديدة للضرائب.

عادة ما تلجأ المحليات إلى فرض رسوم وضرائب على الشرائح كافة، بما فيها أصحاب الأعمال الهامشية في الأسواق والشارع العام كبائعي الشاي في الطرقات وسائقي الكارو (حمار يجر بعربة) وبائعات الكسرة والتوابل. وأحياناً تحتكر بعض الأعمال الهامشية على أن تفتح المجال لذوي الدخل المحدود للعمل كأجراء.

وأخيراً، سيطرت محلية الخرطوم على "الدردقة" وهي عبارة عن ناقلة خضار يقودها صبية لمساعدة مرتادي أسواق الخضار في حمل مشترياتهم. فلجأت إلى احتكار العمل بالأسواق، بأن عمدت إلى جلب الدرداق وتأجيرها مقابل بدل يومي قيمته 15 جنيهاً، يلزم سائق الدرداقة بنهاية اليوم تسليمها للمحلية بغض النظر عن توفر العمل من عدمه.

ويقول أحد التجار لـ "العربي الجديد" إنه "بعدما أحسّت المحلية أن العمل في الدرداقة يحقق أرباحاً صارت تزاحمنا، وأتت هي بالدردقات وقامت بترقيمها، ولو حاول أيٌّ منا العمل بدرداقة ملكه بالتأكيد ستصادر منه"، مشيراً إلى أن دخله في اليوم قد يصل إلى ستين جنيهاً يدفع منها 15 للمحلية، ولا يعفى منها ولا يوجد أي أعذار.


ويرى الخبير الاقتصادي أحمد عادل أن كثرة الرسوم والضرائب وتعددها ما هي إلا دليل ساطع على افتقار الدولة للإيرادات الحقيقية لتمويل الصرف على المركز والولايات، مؤكداً أن الدولة تعتمد في ميزانيّتها وبما نسبته 80% على الضرائب، لا سيما بعد خروج إيرادات البترول بانفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة. إذ "من تعدد الجبايات وكثرتها يتضح أن الحكومة تمول نفسها من الشعب، وذلك عائد إلى خروج الدولة عن النشاط الإنتاجي وتقلص المصادر الحقيقية للإيرادات". ويلفت إلى أن هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من معدلات الفقر وسط المواطنين، إلى جانب تأثيراتها على الاقتصاد الكلي في ما يتصل بالتأثير على الإنتاج وتقليل الطلب الكلي وقلة دخل المال.

ويختم بالقول إن "السليم ألا تمول الحكومة أنشطتها من محدودي الدخل، وأن تعمد في تغطية العجز إلى خفض النفقات الحكومية وتقليص الحكم الفدرالي".

ويقول التاجر أحمد "إن الحكومة بتعدد الرسوم التي تفرضها تجعلنا كتجار نخرج خاسرين، فمثلاً إذا لديك بضاعة في الميناء أو المطار لتخلصها فهناك 17 جهة تكون في انتظارك لتدفع لها رسوما".

أما صاحب البقالة، عبد الرحمن، فيقول: "قررت أخيراً أن أغلق البقالة لأني أدفع عليها أكثر مما يأتيني منها، بفعل ارتفاع الأسعار وكثرة الجبايات"، موضحا أن "هناك رسوماً شهرية تفرض علينا، وأخرى سنوية كالعوائد وترخيص الصحة، وحين السداد لا تراعى ظروفك، فإذا لم تدفع فإن المتحصلين يعمدون إلى تسجيل مقتنيات الدكان أحياناً كرهن"، مردفاً "بدلاً من أن تساعدنا الحكومة في الحفاظ على رزقنا تحاربنا فيه لننضم لجيش العاطلين عن العمل".

المساهمون