أردوغان ليس رئيس الجاليات

أردوغان ليس رئيس الجاليات

01 يوليو 2018
+ الخط -


في سياق الجدل الأوروبي الداخلي حول قضايا الهجرة، يبرز سؤال متضخم، ومؤجل لعقود، بعدما أمسك بطرفه يمين القارة المتشدد: هل فشلت سياسة أوروبا لدمج مواطنيها، إذ يعتبر البعض أن أردوغان رئيس له في مجتمعنا؟

حتماً السؤال ليس مطروحاً على شباب ضواحي مدن أوروبا الرئيسية، من فرنسا وبلجيكا وهولندا إلى ألمانيا فاسكندنافيا. ثمة أجيال ولدت وكبرت في أجواء الضواحي، ووجدت نفسها تعيش معضلة الانتماء إلى مجتمعين، النشأة والمتخيل في بلد منشأ الوالدين. وبين "إحباط" ويأس وجد بعض هؤلاء أنفسهم يقلدون، ضمن دورة الإرث الاجتماعي، البحث عن صورة الزعيم، مناكفة، وانتصارا زائفا على "عنصرية المحيط ورفضه" لهم. لا أحد يستطيع أن ينكر وجود تمييز عانى منه البعض، لكن الجواب عليه في الدساتير والقوانين والتعددية في هذه المجتمعات، وأولا وأخيرا كان التحصيل العلمي والعمل بوابة لا يمكن إغلاقها بوجه أحد.

في الحقيقة المغيبة لمقدمات السؤال، يبدو يسار السويد محقا حين يقول "لا يمكننا استقبال المزيد فيما نحن لم ننجز دمج من جاء مسبقا". ويبقى سؤال "التجانس العرقي"، الذي تسلح به اليمين، من غير أجوبة أيضا، وهو ما دفع إلى بروز "نحن وهم"، وبالمناسبة هو أيضا القول التربوي المتجني ذاته على الأبناء بقول بعض الآباء: هؤلاء عنصريون لا تختلط بهم.
لا أحد ينكر أيضا أن للأوروبيين الحق في حماية منجزاتهم الحقوقية والقيمية، ولولاها أصلا لما لجأ أو هاجر إليها الملايين، لكن بين هذا الحق والسؤال البليد عن مكانة أردوغان، الذي هو بالتأكيد ليس رئيس الأقليات، يغيب سؤال آخر عن سياسة التعنت في اعتبار المواطنة درجات، أو تستند إلى تجانس عرقي.
المشكلة التي واجهها جيل حاول أن يشب عن طوقين، أسري يتخذ طابع السيطرة والهيمنة الثقافية، الموغلة في نوستالجيا ستينيات الآباء، ومجتمع أوسع بتوجسه حين تبنى التعاطي مع أبنائه على أساس الأصل والاسم.

هذا بالإضافة إلى تشوش مفهوم "العنصرية"، كأسهل مفردة لوصف حالة متردية، تجد شبانا يجادلونك، وهؤلاء بأيديهم وسائل معرفة أكثر من جيل الآباء: لكن كيف تكون عنصرية والجميع متساو أمام القانون ويتلقى الحقوق نفسها، فيما في دول أخرى لو ولد وعاش ومات الشاب العربي في بلد أصلا هو عربي ممنوع أن يحصل على الجنسية، بل حين يصبح في عمر الدراسة الجامعية عليه المغادرة؟ تلك فقط واحدة من الجدليات التي تواجهها يوميا في عملك بين جيل شاب من أصل عربي في الغرب. بل يسألك البعض: كيف إذا كانت أم صديقي لبنانية وأبوه فلسطينيا تمنع أمه من منحه جنسيتها؟ هل هذا خوفا من نسيان فلسطين؟ طيب أنا ولدت ونشأت هنا وقضية فلسطين بالنسبة لي هي الأولى، أليس في هذا تناقض؟... لا يمكن لمن يتأفف ويتعالى على هذا الجيل أن يشعر أو يفهم بأنه على وشك تجاوزه، وعيا وبدايات شب عن طوق الموروث..


وفي المقابل، يبقى للأسف أنه طالما بقي الإيغال على الجانبين مستمرا، فستجد مرشحاً شاباً من أصل عربي إلى عضوية برلمان أوروبي، خرج من الضواحي، على قائمة حزب يساري، ليقع في أول مواجهة مع المجتمع الحقيقي والأوسع بإجابة عن سؤال "هل تستحق المرأة الزانية الرجم؟"، فتكون إجابته المبنية على ما تلقاه في دورة طبيعية من الحياة مقدمة لفخ آخر مارسه اليمين المتشدد في الخطابة وصحافته بكل براعة... فيما بعض رجال الدين يفركون أيديهم فرحا بأفخاخ حلفائهم غير المباشرين لتعزيز المزيد من الإحباط واليأس في صفوف الشباب.

في علوم الاجتماع الغربية ثمة تركيز مستمر على فكرة "كسر نموذج الإرث الاجتماعي"، بمعناه الإيجابي لانتشال أجيال عاش آباؤهم مثلاً على نمط الغرق في مشاكل اجتماعية متعددة.

ربما يحتاج جيل المَهَاجر لكسر تلك النمطية، بالخروج أولا من قراءة الذات، مرارا وتوريثا، كـ"ضحية". الضواحي بمعناها الجامد، من عمارات وأندية وشوارع، ليست هي الاشكالية، بل ما يجري فيها وفي محيطها الأوسع هو الإشكالية التي تجنب الطرفان الخوض فيها.

لذا سيظل سؤال: هل أردوغان رئيسكم؟ مستمرا... مثلما حنين الباحث سطحيا عن الحرية والديمقراطية، لجوءا، إلى "القائد القوي"، مستهزءا بالديمقراطية والتعددية، فينتج جيل يرى عبثية وجود برلمانات... أو حتى التصويت فيها... لك في كوبنهاغن على سبيل المثال انضمام صفوة شبابية ناجحة إلى فكرة "حزب التحرير"... الذي يسعده أن تسمح له الديمقراطية بالعمل، لكنه يحذر في الوقت ذاته أفراده من ممارستها... فأي تناقض محبط يراد أن يبقى لهذا الجيل؟

دلالات

المساهمون