في عزل الموسيقى الإيرانية

في عزل الموسيقى الإيرانية

24 اغسطس 2015
المشاركون في "مؤتمر الموسيقى العربية الأول" (القاهرة، 1932)
+ الخط -

تساءل الشاعر نجوان درويش في مقاله "تخت فارسي"، أول أمس، عن أسباب عدم تأثر الموسيقى العربية المعاصرة بالحضارة والموسيقى الفارسية، وبحق، يمكننا رؤية المشترك بين الثقافتين يطغى على المختلف، كحال أي بلدين شرقيين.

للمقامات الشرقية نهجٌ وفكرٌ مشابه في بنائها وتكوّنها عند العرب والأتراك والإيرانيين؛ قوالب العمل الفني كالأغاني واللونغات والسماعيات وغيرها متشابهة أيضاً في كل بلاد المشرق من حيث البناء واللحن والموضوع، إضافة إلى جوانب أخرى كثيرة يمكن التعمّق فيها في مقال آخر وبتوسّع. رغم كل ذلك، اهتمّ العرب إلى اليوم بدراسة الغرب أولاً، والأتراك بدرجة أقل في مرحلة متأخرة، فيما جرى غضّ الطرف كلياً عن الموسيقى الإيرانية.

الفجوة والجفوة اللتان يذكرهما المقال، ترتبطان تاريخياً، كما نظن، بـ "مؤتمر الموسيقى العربية الأول" الذي عُقد في مصر عام 1932 برعاية الملك فؤاد، بهدف رصد مشاكل الموسيقى العربية وما وصلت إليه حتى ذلك الوقت، ومحاولة رسم وتكهّن طريقها المستقبلي. وهو مؤتمر شديد الخطورة سنعود إليه لاحقاً.

دُعيَت إلى هذا المؤتمر نخبة مختارة من علماء الموسيقى والفنانين العرب، مثل أُم كلثوم وزكريا أحمد وسامي الشوا ومحمد عبد الوهاب وغيرهم. كما دُعي موسيقيون وعلماء موسيقى أجانب مثل باول هندميت وبيلا برتوك وكورت زاكس وآخرين. وقد تم استثناء أحد أهم مصادر الموسيقى الشرقية من الدعوة: إيران.

لا نعرف السبب الحقيقي وراء تهميش الدور الإيراني، لكن الدكتور فكتور سحاب يعتقد في كتابه "مؤتمر الموسيقى العربية الأول" (1997) أن "دعوة المحمرة (وهو الاسم العربي لمدينة خورّامشهر الإيرانية التي تنازع عليها العرب والإيرانيون بعض الوقت) لم تكن تسمح بدعوة وفد رسمي من طهران في الوقت نفسه".

برأيي، هنا كانت بداية الشرخ، أو لنقل، وضع الثقافة الموسيقية الإيرانية جانباً وتهميشها حتى إلغاء دورها كأحد مكوّنات النسيج الثقافي الفني في المشرق. خلال المؤتمر، حظِيت الموسيقى الكلاسيكية الغربية والجاز ومواضيعُهما بالاهتمام والدراسة كالأوركسترا والهارمونيا والكونترابونكت (فن الطباق) إلى جانب الآلات الموسيقية الغربية كالبيانو والفيولا والكونتراباص وآلات أُخرى؛ ما أدّى في ما بعد إلى تداخلها في العمل الفني العربي، لحنياً وإيقاعياً وفكرياً.

في ذلك الوقت، كانت القاهرة نبض الموسيقى العربية، لذا كان للمؤتمر الذي حظي بتغطية وضجة إعلامية كبيرة دور مهم في رسم طريق الموسيقى العربية لاحقاً.

ما نتمناه فعلاً، هو ألا ينتبه الغرب إلى العمق الفني الموجود في الموسيقى الإيرانية قبلنا، فهو قد بدأ منذ زمنٍ يبحث عن آفاقٍ جديدة "تهزّ" الركود الموسيقي الذي وصل إليه نهاية الربع الثالث من القرن العشرين، ومن شأن الموسيقى الإيرانية -كشأن أي منبع حضاري أصيل- أن توفر حلولاً وتفتح أبواباً وممكنات.


* موسيقي من فلسطين

المساهمون