الفجوة والجفوة اللتان يذكرهما نجوان درويش، ترتبطان تاريخياً، كما نظن، بـ "مؤتمر الموسيقى العربية الأول" الذي عُقد في مصر عام 1932 برعاية الملك فؤاد، بهدف رصد مشاكل الموسيقى العربية وما وصلت إليه حتى ذلك الوقت، ومحاولة رسم وتكهّن طريقها المستقبلي.
أذكر جيداً ولادة سوزي. وقفت أمامنا، غنّت بصوتها دون المتوسط، لم نقتنع. انقسمت مع زملائي الموسيقيين حول سوزي.. بعضهم رأى فيها حقبة زمنية عابرة، بعضهم اتهمها وأصدقاءها بتخريب الفن، أما أنا فرأيتها التكملة الطبيعية لانحدار فني بدأ نهاية الخمسينيات.
تنقّل الإيقاع في العمل الموسيقي العربي كأحد عناصر العمل بين عدة أدوار، إلّا أن آلاته لم تستقل كالعود والكمان والناي وآلات أخرى، كما لم يتطور كأحد أُسس بناء العمل، مثل اللحن والتوزيع والكلام، وبالتالي لم تتواز مكانته مع باقي العناصر.
كانت فاطمة إبراهيم البلتاجي "الصوت" في العمل الكلثومي، كما كانت نهاد حداد "الصوت" في العمل الرحباني. نحن نتحدث عن أصوات تولد ربما مرة كل مائة عام، لكنها تبقى "الصوت"، أي أحد أضلاع مثلّث الأغنية الذي تتساوى قيمة أضلاعه بالضرورة.
في ألبومه الموسيقي الأول، "حجاز حرب"، يبتعد الفنان الشاب محمد نور أحمد، أو "أبو غابي"، عن الغناء الصوفي الذي عُرفَ به، متّجهاً نحو الشارع السوري، باحثاً فيه عن ملامح المكان القديم. الحرب جاءت، وغيّرت الحكاية.
ماذا نفعل بتلك المشاهد التي رأيناها؟ وهل نباشر بمحوها؟ كيف؟ كل تلك القصص التي لم تكتمل، وكل تلك البيوت التي دُفنت في مقابر جماعيةٍ، كيف نمضي من هنا؟ نحن من لم نحظ بعدِّ غارات انفجرت هناك وتركت أجسادنا هنا؟
