الدبابة خلف البيت إذن

الدبابة خلف البيت إذن

19 فبراير 2017
هاني زعرب/ فلسطين
+ الخط -

إليها

بعين الروح
أراك ترشحين وجداً صامتاً
وتستدرجين النوايا إلى فخاخ البوح
وبعيني رأيتك شمعة
تضيء فكرة عزلاء


ثقب

الثقب يكفي لأرى العالم واقفاً على ساقه اليمنى،
ولا يرمش لي جفن

انحسري أيتها الموجة
واتركي مساحة هشة للضحية
كأن ترقص على رسلها مفتونة
والأسماء تتبعثر بين ساقيها

الصمت يطحن الوقت

السرير يزأر أحياناً

أحتمي بي٠ أصمت٠
فقاعات تملأ الحيز
رأيته يقفز
لم يكن سواي
ربما ظل تائه؟
أو شبح فاشل؟
تغمسني الحُمرة
تكسرني فأسيل
انحسري أيتها الموجة وابتعدي بي
كي ترقص على رسلها الضحية


مزهواً

يملأ رئتيه بغبار الفجيعة
يزفر مترنحاً بفرح غامض
كمن نجا من سقفين تعانقا
وأنجبا نهراً غامراً
يتلوى في مفاصل الوقت.


نبوءة

غضبى تطلّ السماء
تخطف زهو النجاة من عين الأفق
وتمسح الغيمات الكسولات
أبصرت ليلاً ناصعاً يحدّق في شمسه البعيدة
موتا حائراً في ضحاياه
ومجداً فارغاً من زيته.


متاهة

قلنا للمتاهة: اهدئي
دعيها تنام على جنبها الملتهب
حبيبتي الغبية ذات الشاطئ البليد
دعيها كما تشاء
لم تكن مهيأة إلا للكوابيس
بضاعة الليل الرائجة
لكن المتاهة علقت صبرها في عنق غزّة الرشيدة
وضيعت مخارج الحروف
نهاراً يبدل الناس كوابيسهم بأخرى
يتبادلون في الأسواق ووسط البلد المشدود
تلك الليلة
لم تكن غزّة مهيأة لأحد
وحدها نامت على فراش الغضب
تنهش روحها وتغفو
وأنا حارس الضحية


ظلّي

يمشي إلى جواري، مانحاً إياي الرفقة
نغذ الخطى كصديقين قديمين
أحيانا يستشيرني في ما سيحدث لو سقط فجأة في الطريق
هل سأترك ظلي ملقى وبارداً؟
ربما أمضي تاركاً إياه جثة تحمل أوزار الليل

في الصباح سأتجاهل تلك اللحظة الخسيسة،
ونمضي نهارنا غامقين
نرتاح في عز الظهيرة راضيين
ثم
ليذهب ويحترق مثلي
يحترق كفراشة بلا بوصلة


ضجيج

فقراءٌ طغاة
يتحدّثون في رأسي
يقذفونه بأقدامهم ويركضون
أوجاعهم تنحني لها المفردات
وثرثراتهم أجراسٌ بكماء
أصرخ صامتاً:
يا لكم، تاركين أحلامي تنزو
يا للفقراء الطغاة
يا لهم من قساة


دعاء

تتسكعين في رأسي كهاجسٍ
وفي الطريق إليك
أقاوم رغبة البكاء بين يديك المبتورتين
أشعر بجناحيّ الكسيرين ينبضان
أشعر كأننّي سأنجو
يا إله البحار
يا سيد اللازورد
أنثر فضاءك البهي على عتمة الطريق.


يأس

غير صالح لشيء هذا المساء
لذا سأمضيه غافلاً بين سلكين شائكين
الشوارع توجعها أقدام الغافلين
يركض الملل نائماً
يحمل شارة حمراء
الشارة دخلت في عين الثور ولم يحرك ساكناً
لا تقل شيئاً أيها المساء
صرتُ أذُناً أرهقها القولُ


غزة

ننكأ جرحها الأخضر
نحن العابرين كأطياف بلهاء
قالت:
كأني وُلدت الآن، لا أعرف شيئاً عن شيء
لم تنم تلك القيلولة ولم تحتمل قيظها
نفثت شبقاً كاذباً
وانزوت تحلم كمسخ في الجحيم


لوحة

يمدّ البورتريه رأسه
ويحدق كمن أصيب بعته.
أسحب الرأس وأجلسه إلى جواري
الكلاب تعوي كذئاب مفؤودة
الدبابة خلف البيت إذن.

تختبئ اللوحة في الجدار.


عراء

ارتعاش الشمعة بعثر الظلال
اللحظة تتقافز كضفدع في عيني
تتكسر أضلاع الوقت
وتثرثر بتفاصيل الخسارات العالقات
سأنضح صمتاً بين حربين سريعتين
في عراء الغرفة دائماً.


صوت هادئ رغم الحرائق
في حرائق غزة وحصارها يحافظ صوت الشاعر عثمان حسين (رفح 1963) على هدوئه وقصيدته الخافتة. في تموز 2014 دمّر العدوان الإسرائيلي منزله في شرق رفح واحترقت معظم مكتبته. من مجموعاته: "من سيقطع رأس البحر" (1996)، و"له أنت" (2000)، و"البحّار يعتذر عن الغرق" (2003). أما مجموعة "الأشياء متروكة في الزرقة" فهي أول ما ينشر له خارج فلسطين، حيث صدرت في القاهرة سنة 2004، وكذلك "كأني أدحرج المجرات" (2010).

المساهمون