"طنجة للفنون المشهدية": جرح النص وتعديل العرض

"طنجة للفنون المشهدية": جرح النص وتعديل العرض

15 سبتمبر 2016
شاطئ طنجة، هنري ماتيس، 1912
+ الخط -

منذ أكثر من عقد ابتكر "مهرجان طنجة للفنون المشهدية" مجالاً موازياً للبحث العلمي حول قضايا المسرح، حيث كانت كل دورة تطرح موضوعاً للنقاش يتعلّق بأسئلة وتطوّرات أشكال العروض المشهدية والأدائية والمسرحية.

على ذات النهج، يقترح "المركز الدولي لدراسات الفرجة"، الجهة المنظّمة للمهرجان في دورته الثانية عشرة، موضوعاً آخر يسعى إلى المزيد من البحث في دهاليز المسرح والعلاقات التي يقيمها مع فنون أخرى مجاورة له وعودة فنون الحكي، وهذه الأخيرة هي المحورالجامع لأعمال الدورة التي ستحتضنها مدينة طنجة بدءاً من اليوم لتتواصل على مدار ثلاثة أيام مقبلة.

يعيد مبحث عودة السرد أو الحكي أو الروي إلى المسرح طرح التساؤلات التي كانت تطفو بين الحين والآخر حول ضرورة وجود السرد في المسرح وجدوى دور الراوي فيه. هذه الدعوة التي أصبحت موضوعاً مهماً بعد استقرار بريشت على مفهوم المسرح الملحمي الذي يعتمد أساساً على الرواية، وهو الاتجاه الذي أصبح أقوى وأكثر حضوراً بعد تزايد الاهتمام بالموروث الحكائي للشعوب حيث كان الراوي دائماً يشكّل حلقة مهمة فيه، مثال على ذلك أساليب القص في المسرح الشعبي العربي وفن الحكواتي. زاد من حضور ورواج السرد في المسرح، تلاشي الحدود بين الأجناس الأدبية، فأصبح يعتد بدوره في خلق الفرجة والتواصل مع الجمهور بعيداً عن النظر إليه كفاعل في الدراما فقط.

الحاجة إلى إعادة النظر في علاقة السرد بالمسرح دعت المنظمين إلى طرح إشكالات أمام المشاركين في هذه الدورة يمكن إجمالها في عدّة محاور: "المنعطف السردي في المسرح المعاصر: أية علاقة؟" و"جماليات الفرجة السردية المعاصرة" و"مظاهر تسريد الأحداث الواقعية في المسرح" وكذلك "الرقص كآلية سردية: جدلية الجسد الناطق والنص المتحرّك"، إضافة إلى "الحكي الجريح: شهادات سنوات الجمر والرصاص في المسرح المغربي"، وأيضاً "المحكي الذاتي والمحكي الجماعي في المسرح" وليس أخيراً "عودة فنون الحكي العربي في الممارسة المسرحية المعاصرة"، وهناك محور حول "السرد العربي القديم: من التراث إلى النص إلى العرض".

بالنسبة إلى المشاركين، فهم كثر ومن خلفيات مختلفة أكاديمية وفنية، كتّابٌ وممثلون وباحثون ومخرجون وقيّمون على مسارح من دول عربية وأفريقية ومن أوروبا وأيضاً أميركا. هؤلاء سيتقاسمون المحاور السابقة ليتركوا خلفهم، مثل كل دورة تراكماً معرفياً جديداً ينضاف إلى مكتبة "طنجة إلى الفنون المشهدية".

يتعلق الأمر بكل من: حسن يوسفي وسعيد كريمي ومحمد سيف وإيلين أستون وعبد الرحيم الإدريسي وكيزيا بيرلسن وإيمان محمد سعيد التونسي والعياشي الحبوش وفران فلويد وكريستينا شموتز وباربارا أوريل وألابودي أوجونيي وكاثرين هينيسي وسالم كويندي وكمال خلادي ومحمد أبو العلى وبوسرحان الزيتوني وهشام بلهاشمي ومروة مهدي وكودي بولتن ومحمد الخطيب وأحسن تليلاني وسيف الهمداني ومحمد جلال أعراب ورشيد دواني وعصام يوسفي وعمر فرتات ومارجوري برتان وبيير كاتزوسكي وعز الدين بونيت وأناستازيا ريموندو وكودي بولتن وجولييت كوزيتا وهايك جيهرين وخميسة علاوي ومارغوري كانتر ومحمد العزيز وكرمة سامي وحليمة البخاري ومحمد زهير وفادي فوكيه وأنتوني دافيد وسعيد منطاق وميمون الداودي ويالي أزاكوري وتوريا خنوز وابتسام جدير وعبد الله بوبكري ويونس أسعد الرياني وأنس العاقل وآخرين.

كذلك يسهم المهرجان في تقديم مجموعة من الباحثين الشباب في مجال الفنون المشهدية، حيث ستعرف الدورة حضور 12 أكاديمياً يشاركون للمرة الأولى، من بينهم طارق الربح وآمال العلوي والخلفاوي خليدة وعبد العظيم هيندا ورجاء الخلوفي، زكيان بنعمار ورائد بلبشير خضراوي وجواد رضواني وسوسن ملا حسين وسيرين أوزكان ولوكاش هيرمان وفريدريك أوبركروم وهنري سوجي وجوليا شايد.

وإن كان اكتظاظ البرنامج النظري من ندوات ومحاضرات وورش، يجعلنا ننسى للحظة أن هناك عروضاً مشاركة، لا سيّما وأن أيام المهرجان قصيرة ومزدحمة، إلا أن هناك المحور الفني الذي يتضمن أنشطة فنية موازية ولكنها ترتبط بموضوع الدورة؛ هناك عروض مسرحية ومعارض وعروض سينمائية وثائقية وتواقيع كتب، كما تقام ثلاث ورش تدريبية لفائدة المحترفين والهواة، مثل "ورشة الارتجال والحكي" التي يشرف عليها الباحث المسرحي رشيد أمحجور. أما الباحث فاضل سوداني فيشرف على "ورشة المسرح البصري". ويشرف الفنانان النمساويان نكار حسيب وشمال أمين على ورشة مختبر "لاليش".

وفي ما يتعلّق بالعروض، فيتيح "طنجة للفنون المشهدية"، تقديم ما يزيد عن عشرة عروض فرجوية مفتوحة بحضور فنانين من المغرب ومصر والجزائر وألمانيا والنمسا وإسبانيا وإيران وفرنسا والعراق.

يعدّ مهرجان "طنجة للفنون المشهدية" من التظاهرات القليلة التي لا تنظر إلى المحاضرات والمحاور المعرفية كفعاليات مُكمّلة للعروض المقدّمة، بل على العكس تبدو العروض كما لو أنها واقعة على هامش المحاضرات والأبحاث التي يحاول أن يجعل منها المهرجانُ مكتبة مسرحية تضمّ دراساتٍ أكاديمية وأوراقاً قُدّمت على مدار السنوات السابقة، وهي مكتبة ضرورية إذ تفتقر لمثلها الساحة المسرحية العربية.


المساهمون