جزائري ومغربي في حلبة غونكور

جزائري ومغربي في حلبة غونكور

18 سبتمبر 2014
كامل داود (تصوير: فرحات بودا)
+ الخط -

مفاجأة جميلة وغير مسبوقة كشفها الإعلان عن قائمة الروايات المرشحة للفوز بجائزة "غونكور" للرواية، أقدم وأبرز جائزة أدبية فرنسية. فقد ضمّت هذه القائمة، بين رواياتها الـ 15، عملين لكاتبين عربيين هما "مِحَنُ السجلماسي الأخير" للمغربي فؤاد العروي الصادرة عن دار "جوليار" ورواية "ميرسو... تحقيق مضاد" للجزائري كمال داود الصادرة عن دار "أكت سود"، وهي روايته الأولى وسبق أن تم إدراجها في قوائم جوائز أخرى.

الروايتان حازتا على إعجاب النقاد الفرنسيين، ووصولُهما إلى قائمة "غونكور" ليس صدفة بالمطلق. إلا أن الأهم هو أن للروايتين قاسماً مشتركاً قوياً يتمثّل في تعبيرهما، ولو بدرجات متفاوتة، عن إحساس بالضيق والتململ من الثقافة "الفرنكفونية".

لنبدأ برواية فؤاد العروي التي تتناول سيرة مهندس مغربي تلقّى تعليمه في المدارس الفرنسية؛ بوابة تأهيل النُّخب المغربية، ويقرر ذات صباح، في أوج نجاحه المهني، التخلّي عن موقعه الاجتماعي المتألق ليعود إلى بلدة آزمور، مسقط رأسه، بحثاً عن جذوره وهويته التي نخرتها الثقافة الفرنسية، طامحاً إلى أن "يصير مرة أخرى المغربي الأصيل الذي كان عليه أن يبقى كما كان". هذه الهوية سيجد عناصرها في مكتبة جدّه العتيقة حيث سينكبّ على قراءة كنوز التراث العربي في الأدب والفلسفة.

من جهته، يقترح الكاتب الجزائري كمال دواود في "ميرسو... تحقيق مضاد" قراءة مغايرة لرواية ألبير كامو الشهيرة "الغريب" التي كرّست بشكل سلبي صورة العربي في الثقافة العالمية. ففي رواية كامو يقتل البطلُ (ميرسو) جزائرياً على الشاطئ ويقدَّم للمحاكمة التي تُصدر في حقه حكماً بالإعدام، من دون أن نعرف شيئاً عن دوافع القتل ولا عن شخصية القتيل الذي يُذكر 25 مرة في الرواية تحت اسم "العربي".

وهذا بالتأكيد ما دفع داوود إلى خلق شخصية شقيق "العربي" المغتال، ليدلي برواية أخرى، من زاوية مغايرة. وتطرح هذه الرواية الكثير من الأسئلة الحارقة بخصوص الهوية الجزائرية "الفرنكفونية" وتتساءل عن الغياب الفاضح لشخصية الجزائري في أعمال ألبير كامو الذي طالما تغنّى بحب الجزائر.

الروايتان تبحثان في سجلّين مختلفين، لكن متوازيين، وتعبِّران عن رغبة جارفة في مراجعة الذات والعودة بالهوية إلى جذورها المبتورة. ولا شك أن هذا المنطلق النقدي هو مفتاح نجاحهما ولفتهما الانتباه في ساحة روائية متخمة كالساحة الفرنسية، لكنها أصبحت ضجرة في العقدين الأخيرين من أدب "فرنكفوني" سطحي يجتر صوراً فولكلورية متقادمة.

وإذا كانت الروايتان لا تملكان حظوظاً قوية للفوز بالجائزة، فإن المفاجأة تمثلّت في حضورهما في قائمة "غونكور" التي استبعدتْ روائيين فرنسيين لامعين هما إيمانويل كاريير ولوران موفينيي رغم أنهما حظيا بإجماع النقاد في مراجعات الموسم الروائي لهذا العام.

المساهمون