العربية في تجاذبات أساطير الآخرين

العربية في تجاذبات أساطير الآخرين

04 يونيو 2016
(غرافيتي لـ إل سيد في باريس، تصوير: أوفنك)
+ الخط -

احتَدم مؤخراً النقاش تحت قبّة البرلمان الفرنسي، بَين وَزيرة التربية والتعليم العالي في فرنسا، نجاة بلقاسم، ونواب المعارضة التابعة لحزب "الجمهوريين"، وخاصة آني جونيفار، حول قانون تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية ابتداءً من المرحلة الابتدائية.

وعلّلت الوزيرة، ذات الأصول المغاربية، موقِفها بضرورة الانفتاح على الثقافات الأجنبية ولا سيما العربية؛ وهو ما سيساعد الدولة على مُحاربة بذور التطرف الذي من الوارد أن يُلقَّن مَع دروس اللغة في الجمعيات الخاصة والمساجد. وأما موقف النائبة اليمينية فَيقوم على أن تعليم العربية في المؤسسات التربوية يشجع على الطائفية والانقسام داخل فئات المجتمع الفرنسي، ويزيد من انغلاق الأطفال ذَوي الأصول العربية.

في ظاهر الأمر، يبدو هذان الموقفان على طرفي نقيضٍ. ولكنهما في الحقيقة يَنبعان من تصوّر واحدٍ للغة العربية، ويستندان إلى فَرضيَّة واحدة، وهي التلازم بين اللغة العربية وبذور التشدّد والطائفية، ما يستدعي ضَرورةَ تدخّل أجهزة الدولة للإشراف على مسار التدريس، وهو ما يتيحُ للمُؤسسات التربوية الفرصة لمراقبة البرامج و"فكِّ الارتباط" بين اللغة والدين الإسلامي وهياكله غير الحكومية.

ونذكِّر في هذا السياق بأن هذه الوزيرة نفسها هي مَن استحدثَ هذه السنةَ عَشرة كراسي لمنصب أستاذ محاضر في الإسلامولوجيا في الجامعات الفرنسية. وتهدف هذه الخطوات المتعاقبة إلى "افتكاك" جمهور الطلاب والتلاميذ من الجمعيات الدينية والمساجد التي تلقن مبادئ اللغة مع مبادئ التديّن ومنها تتسلل -حسب رأي هذه الشريحة من السياسيين الفرنسيين- بُذور التطرُّف وحتى الإرهاب.

وأما فرضية المُعارضة اليمينية فترى أنَّ تَدخل الدولة يكمن في حظر تدريس العربية حتى لا يكون ذريعةً للطائفية والانكفاء على الذات، وتأخير انصهار أبناء الجيل الثاني والثالث في بوتقة الجمهورية، وتعطيل اندماجهم في الإطار اللغوي-الذهني للجمهورية الفرنسية.

كلا الموقفين يحمل الفرضية اللاواعية ذاتها وهي القلق البنيوي القائم بين العربية والقيم الجمهورية والحداثية عمومًا، إذ يمكن لهذه اللغة أن تمثل خطرًا محتملاً، ولذا لا يمكن لها أن تنشط من دون مراقبة من آليات السلطة، بسبب احتمال تحولها، في كلِّ آن ودون سابق إنذار، إلى أداة للفظاعة ورديف للتصلّب ومنه إلى التشدّد.

إنَّ هذه الآليات في التفكير لَمِن أساطير الآخرين، التي ما برحت تكتنف التعاطي مع اللغة العربية رغم ما قطعته من أشواط في استيعاب الحَداثة...ولكنَّ للسياسة ضروراتها.

المساهمون