مواطنو الحواف
جرت العادة، منذ أحقاب، على ألا أنظر بكثير احترام إلى تاريخ البشر. فمن صنع أنظمة القنانة والإقطاع ورأس المال، ومن اخترع الإمبراطوريات وقسّم الذرّة ولعب في جينات البندورة أخيراً، ليس كثيراً عليه أن يلعب بمصائر أولادنا نحن سكان الهامش المنسي من الكوكب. سأحتاج إلى بلادة حس لا متناهية كي أطمئن قليلاً إلى هذا التاريخ وهذه الصيرورة.
في الحقيقة، الإنسان كائن شرير وفاشل بامتياز، ولا يغيّر من هذه النتيجة أنه "يعي" صفتيْه هاتين.
***
لقد جُرّدنا من وطننا، وطُردنا من حيّزنا، فلم يتقبّلنا حيزُ العالم المزحوم بالشرطة والمال ـ دعْك الآن من عدميّة ضميره. بعد هذا كيف يفارقني الشعور بأنني من سلالة تعيش دوماً على الحافة: حافة الفقر، حافة المرض، حافة الاغتيال، حافة التهجير .. إلخ.
الفلسطينيون مواطنو حوافّ، ومن شابه أهله ما ظلم. اليوم تحت سقف وغداً على الرصيف. وحتى في الشعر، سأظل كائن الحواف، الذي لا يمكن له أن يطمئن على مآل كلمة زفرَها هنا أو أُخرى كتبها هناك.
أحدهم، ممن يعرف بواطن الأمور، قال إن تأخّري "غير الطبيعي" عن الحصول على الإقامة الدائمة في إسبانيا يرجع إلى سببين: الأول، أني أؤيد استقلال كتالونيا. والثاني مجاهرتي باتجاهي الفكري على الملأ.
حتى أنت يا بروتسـ(تو)؟
***
وماذا كانوا يريدون ممن حُرم حقّ تقرير المصير، إلا أن يناصر كل الشعوب المحرومة منه، حتى مع اختلاف الوضع؟
ثم مالهم ومال اتجاهي؟
المحامي قال: اصمت حتى تحصّل الإقامة، وبعدها افعل ما بدا لك.
كلا لن أصمت، ولن أساوم على مبادئ وقناعات، ولو دفعتُ وعائلتي الثمن.
***
المؤسي والمؤسف فقط، أن الواحد يحدث أن يقرأ وهو في بلده عن الغرب "الديموقراطي جداً"، فيصدّق، إلى أن يأتيه ويرى!
آنَها يعرف أنه ما انتقل إلا من نظام أمني خشن إلى آخر من النوع نفسه، خلا أنه ناعم. وآنها يقول: ليتك يا أبا زيد ما تفيّزت.
تلك هي القصة بإجمالها، على مواطن حواف متعوّد.
فاصلة، والبقية عندكم.
