مقبرة قالونيا هدفاً للاحتلال مجدداً

مقبرة قالونيا هدفاً للاحتلال مجدداً

12 ديسمبر 2019
تخريب مقبرة باب الرحمة غير بعيد من قالونيا (الأناضول)
+ الخط -

إلى شمال غرب مدينة القدس المحتلة، تحديداً على الطريق المؤدّي من المدينة إلى الساحل الفلسطيني، وبجوار قرية أبو غوش، تقع قرية قالونيا المهجّرة. عند تخوم القرية، تقع مقبرتها الرئيسية التي كانت على مدى العقدَين الماضيَين هدفاً لأعمال النبش والتجريف والتخريب التي تنفّذها دوائر رسمية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي الدوائر ذاتها التي وضعت في مرمى نظرها مقابر إسلامية قديمة في عموم القدس المحتلة، سواء مقبرة مأمن الله أو مقبرتَي باب الأسباط الشهيرتَين باب الرحمة واليوسفية اللتَين تُستهدفان منذ عامَين تقريباً، فقد اقتطع الاحتلال مساحات من أراضيهما ومنع دفن الموتى المسلمين من أهالي بلدة سلوان فيهما.

يقول الشيخ رائد دعنا، وهو من المرجعيات الدينية التي رافقت وفداً من شخصيات مقدسية إلى مقبرة قالونيا في الأيام الأخيرة، إنّ "سلطات الاحتلال عادت لتواصل أعمال الحفر بعد توقّف لنحو عامَين، الأمر الذي يعني نبش القبور، متجاهلة قراراً لإحدى محاكم الاحتلال في هذا الشأن". ويشرح أنّ "المحكمة العليا الإسرائيلية كانت قد أصدرت في ذلك الحين أمراً احترازياً بوقف أعمال التجريف في مقبرة قالونيا التي تنفذها سلطة الآثار ودائرة الأشغال الإسرائيلية. ويأتي ذلك مرتبطاً بأعمال شقّ طرقات ومسارات للمركبات في محيطها".

وأبناء قرية قالونيا يقيم معظمهم في رام الله وضواحي القدس، أبو يعقوب القالوني واحد منهم يسكن في مخيّم شعفاط (شمال القدس). يقول إنّ "القبور التي استُهدفت بأعمال النبش في داخل مقبرة آبائي وأجدادي تعود إلى عام 1922"، مشيراً إلى أنّ "سلطات الاحتلال كانت قد نفّذت قبل أعوام حفريات بعمق مترَين وثلاثة أمتار بحثاً عن آثار، في سياق مخطط شقّ شارع 6. لكنّ أهالي القرية الذين لجأوا إلى محكمة الاحتلال العليا تمكّنوا في عام 2017 وبمساعدة من أبناء شعبهم في الأراضي المحتلة عام 1948 من وقف أعمال التجريف".



ودفعت الاعتداءات الإسرائيلية عدداً من أبناء القرية المهجّرة إلى تشكيل مجموعة شبابية كلجنة دفاع عن مقبرة آبائهم وأجدادهم حملت اسم "شباب عائدون". وفي عملية متابعة يومية، كان رصد لكلّ اعتداء مع محاولة التصدي له. وأكد تجمّع "شباب عائدون" في بيان أنّ أعمال الحفريات والتنقيب التي تقوم بها سلطة الآثار حالياً في جزء من أرض المقبرة تشكّل امتداداً للمقبرة التي كانت مردومة تحت الشارع، تأتي من ضمن مشروع كبير للتنقيب بدأ قبل سنوات في مسطح القرية، خصوصاً في الجهة الجنوبية منها، وذلك قبيل تنفيذ مخطط مدّ شبكة طرقات وأنفاق جديدة تلتهم مئات الدونمات وتغيّر طبيعة الأراضي والمعالم والأماكن التاريخية والأثرية للقرية التي تدلّ على عروبتها. يُذكر أنّ التجمّع نجح في توثيق الجزء الأكبر من تلك الأعمال.

وفي الخطوة العملية الأولى لمواجهة الحفريات المتجددة في مقبرة قرية قالونيا، أخيراً، عمل تجمّع "شباب عائدون على دفن رفات الأجداد في مقبرة قالونيا، وقد شمل ذلك أرض المقبرة التي كانت مجرّفة ومطمورة تحت الشارع الرئيسي للقدس - يافا منذ توسعته بعد عام 1948، حيث اكُتشف 15 قبراً. وفي الإطار نفسه، بهدف مواجهة ما يجري من اعتداء على المقبرة والمقابر الإسلامية الأخرى في القدس المحتلة، لا تملك المرجعيات الدينية والوطنية في المدينة المقدسة سبيلاً لمقاومة الاعتداء على المقابر إلا من خلال تنظيم وقفات واعتصامات احتجاجية، لكنّ الاحتلال يسارع إلى قمعها، مثلما حدث في أكثر من مرة في احتجاجات ضد الاعتداء على مقبرتَي مأمن الله وباب الرحمة. بالإضافة إلى ذلك، تصدر بيانات شجب وتنديد عن أعلى المرجعيات، سواء لجنة المقابر الإسلامية في القدس التي يرأسها المهندس مصطفى أبو زهرة، عضو الهيئة الإسلامية العليا، وكذلك رئيس الهيئة الشيخ عكرمة صبري الذي يستنكر الاعتداء الأخير على مقبرة قالونيا.



يقول صبري لـ"العربي الجديد": "لقد سبق أن اطلعنا قبل عامَين على أعمال الحفر والنبش في مقبرة قالونيا، وما يجري انتهاك لحرمة القبور ولكرامة الموتى فيها، حتى ولو كانت لغير المسلمين"، مؤكداً أنّ "أرض المقبرة وقف إسلامي وسوف تبقى وقفاً إلى يوم القيامة". يضيف صبري أنّ "اعتداءات مماثلة تتعرّض لها مقابر إسلامية عدّة في القدس المحتلة، مثلما يحدث منذ سنوات في مقبرة مأمن الله، غربي المدينة، حيث جُرفت مئات القبور وأقيم ما يسمى بمركز التسامح على أنقاضها، وكذلك مثلما يجري حالياً من اعتداء على مقبرتَي باب الرحمة واليوسفية في منطقة باب الأسباط". ويشدّد على "ضرورة أن يتوقّف هذا العدوان في الحال، إذ لا يمكن القبول به أبداً".