رمضان يرهق أطفال تونس

رمضان يرهق أطفال تونس

01 يوليو 2016
"دينار فقط"... (العربي الجديد)
+ الخط -

يومياً، يقطع الفتى، سيف عياري، البالغ من العمر 14 عاماً، مسافة 55 كيلومتراً من منطقة زغوان شمال البلاد إلى العاصمة التونسية، لبيع الماء في بعض أحيائها الشعبية التي لا يحبّذ سكانها شرب مياه الصنابير. منذ ثلاثة أعوام، وهو يعمل في فصل الصيف لتوفير نحو 300 دينار تونسي (نحو 137 دولاراً أميركياً) شهرياً. لكن في شهر رمضان الحالي، الموافق في الصيف، ومع ارتفاع درجات الحرارة، راح يعمل ليلاً مع والده.

منذ الساعة التاسعة ليلاً وحتى الواحدة من بعد منتصف الليل، يتنقّل في مركبة تحمل صهاريج بلاستيكية مملوءة بماء الأعين والآبار التي يجدها سكان بعض الأحياء الشعبية أفضل من مياه الصنابير. يخبر سيف: "نملأ الصهاريج بالماء عند ساعات الفجر، والدي وأنا، لكنّنا لا نوزّعه على البيوت إلا ليلاً في رمضان. درجات الحرارة مرتفعة والتنقّل بالماء في النهار تحت أشعة الشمس، يفقده عذوبته". ويشير إلى أنّه يبيع خمسة لترات من الماء بدولار أميركي واحد، وهو سعر يغري العائلات التونسية لشراء ماء الينابيع الطبيعية، والتي تبقى تكلفتها أقل من المياه المعدنية المعبأة. وهذا العمل "يساعدني في كلّ عام على توفير مصاريف الدراسة، فيما أقدّم العون لوالدي".

سيف واحد من أطفال تونسيين يختارون العمل في بعض أيام السنة، لا سيما في شهر رمضان، لتأمين مصدر رزق أو لشغل أوقات فراغ طويلة أو للتخفيف عن أهلهم. وقد تعوّد التونسيون على وجود الأطفال في شوارع العاصمة، يبيعون الفلّ والمشموم والعلكة والمناديل وبعض البضائع الأخرى، التي توفّر لهم مداخيل بسيطة، خصوصاً في فصل الصيف. فتجدهم يتنقلون بين المقاهي، يستعطفون الزبائن لشراء بضائعهم. ولعلّ ارتباط عملهم بالمقاهي والمطاعم جعلهم يعملون في ليالي رمضان على الرغم من صغر سنّ العديد منهم.

أحمد، ابن الأعوام السبعة، يعمل في بيع الفلّ والمشموم. يبدأ عند التاسعة ليلاً ولا ينتهي إلا عند السحور بعد إقفال المقاهي. يتنقّل برفقة أطفال آخرين بين الزبائن، ويعرضون عليهم بضائعهم بنبرة استعطاف. فيضع أحمد مشموماً على طاولة أحد مرتادي المقهى، قائلاً: "دينار فقط". يرجوه أن يشتري منه ويستعطفه بشتى العبارات. وبمجرّد أن يحصل على المبلغ، ينتقل إلى طاولة زبون آخر. في بعض الأحيان، قد ينهره النادل، فيما قد يغضّ الطرف عنه في أحيان أخرى حتى يتمكّن من بيع بعضاً مما لديه. يُذكر أنّ بيع المشموم يؤمّن لأحمد في كلّ ليلة، ما بين 15 و20 دولاراً.




تتراوح أعمار الأطفال العاملين الذين يجدون في شهر رمضان فرصة للعمل ما بين 10 أعوام و18 عاماً، فيما تختلف ظروفهم الاجتماعية كلّ بحسب البيئة التي يفد منها. كذلك، يختلف ما يحصّله هؤلاء الأطفال الذين يعملون في مهن موسميّة مختلفة، باختلاف المهام الملقاة على عاتق كل واحد منهم وأماكن العمل. ويختلف ما يقوم به هؤلاء الأطفال، وفقاً لسنّهم ولقدراتهم البدنية.

وترتفع ظاهرة عمالة الأطفال في الغالب مع شهر رمضان، الذي يحلّ في السنوات الأخيرة خلال فصل الصيف، فترتفع بالتالي وتيرة نشاطهم. ويستغل هؤلاء بمعظمهم، أجواء رمضان وطبيعة المناسبة لبيع بعض الأغذية والسلع التي تُقبل عليها الأسر التونسية، من قبيل الفواكه المجففة والمثلجات وأيضاً اللعب.

في كلّ ليلة، يحمل علي بو عبيد، ذو الأعوام العشرة، سلّته الصغيرة المليئة بالفواكه المجففة ويتنقّل في شوارع المدينة ابتداءً من موعد الإفطار. فيقصد شواطئ المدن المجاورة للعاصمة، ويتجوّل بين زبائن المقاهي والمطاعم وأيضاً الجالسين على رمال البحر. يشير علي إلى أنّه يوفّر في كلّ ليلة 10 دولارات لمساعدة والدَيه، ويقول إنّه يحبّ عمله لا سيما وأنّه يمكّنه من التجوّل على الشواطئ مع أصدقائه، فيستغلون بعض الوقت في اللعب. ولا يعود الصغير إلى منزله إلا بعد أن تغلق المقاهي أبوابها.

تفيد تقارير بعض منظمات معنيّة بشؤون الطفولة بأنّ نسبة تشغيل الأطفال ارتفعت في السنوات الأخيرة في تونس، خصوصاً في المدن الكبرى. بعضهم يشتغل لحساب الأهل ولمساعدة الوالدَين، والبعض الآخر دفعه التشرّد إلى العمل، فيما تُستغَل فئة أخرى من قبل مجموعات للعمل في بعض المهام، التي تختلف باختلاف المواسم والمناسبات.

تجدر الإشارة إلى أنّ تونس لم تنجز على مدى سنوات أيّة دراسات دقيقة حول ظاهرة عمالة الأطفال، وما زالت المعطيات والإحصاءات الرسمية مفقودة. في المقابل، بيّنت بعض الأبحاث التي أعدتها وزارة التنمية والتعاون الدولي والمعهد الوطني للإحصاء ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في عام 2013، أنّ نسبة الأطفال ما بين 5 و14 عاماً الذين انخرطوا في سوق العمل التونسية، تبلغ ثلاثة في المائة. وترتفع هذه النسبة في الأوساط الحضرية إلى خمسة في المائة، في مقابل اثنين في المائة في الأوساط الريفية. كذلك، أشارت الأبحاث نفسها إلى أنّ نحو 93 في المائة من هؤلاء الذين يشتغلون، يقصدون المدارس، أي أنّهم غير منقطعين عن التعليم.