مصر: وثائق التحقيق في تقديم قاضٍ رشوة لتسجيل أراضٍ

مصر: وثائق تقديم قاضٍ رشوة لموظف لتسجيل أراضٍ غير قانونية

27 أكتوبر 2017
وثائق التحقيق مع القاضي المصري بتهمة الرشوة (العربي الجديد)
+ الخط -
حصل "العربي الجديد" على نص تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا المصرية، بشأن تورُّط القاضي حاتم علاء الدين عباس الجداوي، المستشار بمحكمة استئناف طنطا، في قضية عرض وتقديم رشوة مالية وعينية إلى باحث هندسي بمأمورية شهر عقاري النزهة، مقابل إنهاء إجراءات تسجيل مساحة أرضٍ بالمخالفة للقانون والواقع.


وتظهر الوثائق أن القاضي اتفق مع الموظف محمد فتحي عباس عبد المؤمن، على دفع أموال وأمور أخرى بينها مواد مخدرة لتثبيت حقه بما ينال من حق آخرين، واستخراج خطاب بإزالة التناقض في حصة المباني المتنازع عليها لصالح القاضي على خلاف الحقيقة.

وبدأت وقائع الرشوة، وفقاً لأوراق القضية، بورود تحريات من هيئة الرقابة الإدارية بقيام الموظف محمد فتحي عباس، الباحث الهندسي بمأمورية شهر عقاري النزهة، بطلب وأخذ مبالغ مالية وعطايا عينية على سبيل الرشوة مقابل إنهاء إجراءات إشهار (تسجيل) العقار رقم 19 شارع محمد شفيق في النزهة بمصر الجديدة، ووجود شبهة لمخالفات قانونية بشأنها.


وبناء على التحريات جرى استصدار إذن من النيابة العامة بتاريخ 19 إبريل/ نيسان 2016، بمراقبة وتسجيل وتصوير اللقاءات والأحاديث الهاتفية التي تدور فيما بين المتهم الموظف بالشهر العقاري وبين آخرين.

وتبين من مراقبة وتسجيل المكالمات إجراء محادثات بين الباحث الهندسي وأحد الأشخاص أنه القاضي حاتم علاء الدين عباس الجداوي، المستشار بمحكمة استئناف طنطا، وتضمنت المكالمات تقديم القاضي بشكل مباشر بشخصه، وبواسطة آخر، مبالغ مالية وعطايا عينية على سبيل الرشوة للمتهم الأول الموظف بالشهر العقاري.


وثائق التحقيق في رشوة القاضي المصري 1 (العربي الجديد)


وشمل ملف القضية صورة رسمية من تفريغ التسجيلات الصوتية للمحادثات الهاتفية بين المتهمين، عبر رقم الهاتف المملوك للقاضي، والهاتف الخاص بموظف الشهر العقاري، والتي تضمنت أربع مكالمات كشفت الواقعة.

وفي المكالمة الأولى بتاريخ 23 إبريل/ نيسان 2016 تحدث "الموظف" مع "القاضي" داعياً إياه بـ"معالي الوزير"، حيث أردف الأخير "القاضي" خلالها قائلاً "ركز في اللي هقولك عليه ورد على القد. الفاكهة (يقصد بها مخدر الحشيش) اللي إنت رايح تجيبها للناس من المنوفية. متروحش تجيبها ومتجزفش بنفسك. الساعة 9 بالدقيقة هتلاقي (إيهاب) جايب لك الفاكهة دي اللي إنت أصلا مهما لفّيت العالم مش هتعرف تجيبها. اعتبر الموضوع منتهي".


وأجريت المكالمة الثالثة بتاريخ 3 مايو/ أيار 2016، وتضمنت تأكيد "القاضي: "إنت الوحيد اللي راجل محترم وعايز أشوفك، و(سامح) اتصل بـ(ريمون)، والنهاردة راحوا راضوه. وعديلي عنده معرض سيارات ومقفشينه لما شبعان وطلع وسخ. أنا كلمت مكتب مساعد الوزير النهادرة. المرحلة اللي أنها فيها دي ينفع أروح فيها الوزارة مش فارقة معايا، ويمكن أروح شهر عقاري ثاني".



وثائق التحقيق في رشوة القاضي المصري 2 (العربي الجديد)


ثم أضاف قائلاً: "كلمت مكتب مساعد الوزير. قالي يا باشا نجيبلك الناس تمضي الدفاتر لحد عندك. قلت له هجيلك بكرة الوزارة. أنا بس متغاط من (سامح)"، فعقّب الموظف قائلا، "هو بيعمل كل ده علشان يزود البنديرة"، فأردف القاضي قائلا، "الحاج (زكريا) قايله هبعتلك 2000 جنيه علشان المستشار (حاتم)"، فرد الموظف قائلاً "هو جشع وخواف شوية"، فرد القاضي: "بيقول عايز 5000 جنيه، خدهم ومينفعش تلففني حوالين نفسي ولا تنكد عليا. ورحمة أمي ما هسيبه".


أما المكالمة الرابعة فكانت بتاريخ 7 مايو/ أيار 2016، وتضمنت تأكيد القاضي: "لقيت (خالد) بيعترض على الخطوة اللي أنا أخدتها زيك بالظبط وقالي لأ. أنا قلت لك كل قاعدة ليها استثناء، وفي حاجات من دي بتعدي كثير، إنت كده بتضيّع حقك"، ثم تساءل، "معنى الكلام الورق مظبوط وكله تمام. بس كانوا بيتلككوا على كلام فاضي"، فأجاب الموظف "لا هما مش بيتلككوا على كلام فاضي. هو إتاخد الموضوع لشكل غلط. وزي ما قلت لحضرتك إحنا نصبر 10 أو 15 يوم هتلاقي الموضوع اتنسى. ويدخل عند (خالد) يخلصه من غير ما حد يشوف ولا حد يراجع".

فأردف المستشار، "إحساسي إن (خالد) هيقابلنا النهاردة إن فيه خير"، فعقّب الموظف: "(خالد) هيخلص. هو ليه ناسه اللي هو المراجع الثاني هيخلصه"، فأكد المستشار "إدوني جواب موجه للنزهة بإزالة التناقض في حصة المباني"، فرد الموظف "هو (خالد) هيظبطك. (خالد) هيقابلك النهاردة يقولك الموضوع. اصبر عليه أسبوع عشر أيام يتنسي بس. (خالد) هيقابلك علشان كده. إنما إنذار وتنزل حصة. حرام حضرتك تشتري ده كله وميبقاش لك نسبة في الأرض. وبعدين (خالد) ديته فلوس"، فوافقه المستشار قائلا، "ماشي تمام وأنا زي الفل. يعني بريزة مثلا"، فأجاب الموظف قائلاً "لا أقل من كده إن شاء الله"، فقال، "زي الفل يا عم لحد بريزة (10 آلاف جنيه)".


وثائق التحقيق في رشوة القاضي المصري 3 (العربي الجديد)


وعقب الانتهاء من تفريغ التسجيلات ألقت الرقابة الإدارية القبض على موظف الشهر العقاري، وأحالته إلى نيابة أمن الدولة العليا التي باشرت التحقيقات، واعترف بما جاء في التسجيلات والتحريات، وأقرّ أنه طلب وأخذ مبالغ مالية قيمتها 15 ألف جنيه، وكذلك هدايا عينية عبارة عن "الحشيش المخدر" و"حبوب الفياغرا"، ومستحضرات تجميل، بشكل مباشر من القاضي، كما حصل على هاتف محمول ماركة "أي فون 5S" منه عبر وسيط يدعى "إيهاب" بقيمة 3 آلاف و499 جنيهاً.

وأوضح الموظف المتهم أن ذلك كان "على سبيل الرشوة مقابل إنهاء إجراءات تسجيل مساحة 1300 متر مربع بالعقار الكائن بشارع محمد شفيق في النزهة، واعتبار القاضي أحد الملاك وله حصة في الأرض بشكل أكبر من آخرين، بالمخالفة للقانون والواقع، ولتثبيت حقٍّ القاضي الراشي بما ينال من حق آخر، والحصول على خطاب بإزالة التناقض في حصة المباني لمصلحة القاضي على خلاف الحقيقة، وذلك بمناسبة اختصاص المتهم الأول في إعداد البحث الهندسي لتسجيل المساحة المشار إليها وذلك في الفترة من مارس/ آذار وحتى مايو/ أيار 2016".

وأقرّ الموظف المتهم بتردده على منزل القاضي وأخد مبالغ مالية منه، كما أقر باعتياده على قبول مبالغ مالية من المواطنين المتعاملين مع المأمورية التي يعمل بها، مرجعاً ذلك لمرض زوجته ومروره بضائقة مالية.


وانتهت نيابة أمن الدولة بمذكرتها المؤرخة في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 إلى إرسال أوراق القضية للجهة الإدارية التابع لها الموظف بالشهر العقاري، لمحاكمته تأديبياً عما أسند إليه وإعادة الأوراق مشفوعة بالجزاء التأديبي.

وثائق التحقيق في رشوة القاضي المصري 4 (العربي الجديد)


وباشرت المستشارة ياسمين كمال الدين الإسلامبولي، رئيس النيابة الإدارية، التحقيق في القضية التي قيدت برقم 44 لسنة 2017 نيابة رئاسة الجمهورية، وانتهت التحقيقات إلى ثبوت إدانة الموظف في تلقية رشوة من القاضي، وأن ما قام به يمثل جريمة الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي والإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة وتعريض الثقة المفترضة في الوظيفة العامة للاهتزاز والتشوية، وهو ما ثبت في اعترافاته بنيابة أمن الدولة وكذلك التسجيلات الهاتفية وتحريات الرقابة الإدارية.


واكتفت نيابة أمن الدولة عقب ثبوت التهمة في حقه بتلك الأدلة القاطعة الجازمة، بمجرد توقيع الجزاء التأديبي عليه رأفة به وبمستقبله الوظيفي، وفقا لنص مذكرة النيابة الإدارية، ومن ثم قررت النيابة الإدارية إحالة المتهم للمحاكمة التأديبية لتوقيع الجزاء التأديبي المشدد، بينما لم تتمكن من إحالة القاضي الراشي إلى المحاكمة التأديبية لعدم اختصاصها في توقيع الجزاء عليه، إذ يقع الاختصاص على مجلس القضاء الأعلى.