باصات "تودروا" في موريتانيا

باصات "تودروا" في موريتانيا

31 مارس 2018
"تودروا" في أحد شوارع نواكشوط (العربي الجديد)
+ الخط -

يصرّ محمد الأمين على ركوب أحد باصات "تودروا" المتهالكة على الرغم من عدم توفّر مكان للجلوس. فيتمسك جيداً بحبل مشدود، ونيّته الوصول إلى مدرسته الواقعة في مجمّع المدارس بالقرب من سوق كلينك في العاصمة الموريتانية نواكشوط. وتنتشر تلك الباصات المتهالكة في داخل نواكشوط، فهي تعمل على خطوط معينة في مختلف مقاطعات العاصمة البالغ عددها تسعة. ولأنّ طريقة عملها فوضوية، فإنّها تتسبب كثيراً في حوادث سير يروح ضحيّتها مواطنون.

لا ينكر الأمين أنّه يدرك "خطورة التنقّل في باصات تودروا التي تتعرّض لحوادث شبه يومية، غير أنّ أسعارها المنخفضة تجعلها واحدة من أبرز وسائل النقل التي يلجأ إليها محدودو الدخل". ويؤكد الأمين أنّ لا وسيلة نقل أفضل منها للذهاب إلى المدرسة والعودة منها يومياً.

من جهتها، تقول خديجة بنت أمبارك وهي بائعة خضار إنّ "باصات تودروا وسيلة النقل المفضلة بالنسبة إليّ. أستخدمها في أثناء التنقل من مقاطعة توجنين شرقيّ العاصمة في اتجاه سوق مسجد المغرب جنوبيّ نواكشوط، لشراء حاجتي من الخضر يومياً". تضيف أنّ "باصات تودروا زهيدة الثمن وتتسع لما أشتريه من خضر، على الرغم من المخاطر نتيجة كثرة حوادث السير اليومية. فحاجتنا إلى وسيلة نقل بأسعار معقولة هي التي دفعتنا إليها". وتخبر بنت أمبارك أنّها كانت شاهدة على "عدد من حوادث السير، توفي خلال أحدها مواطنون، في حين يُصاب عادة ركاب بجروح متفاوتة نتيجة عدم مبالاة السائقين، وزيادة حمولة الباصات، وفوضى ركوب المواطنين خصوصاً الشباب". يُذكر أنّ الطلاب وبائعي الخضر وصغار التجار ومحدودي الدخل عموماً هم الذين يقبلون على باصات تودروا، التي تعني الخط المباشر.

ازدحام... (العربي الجديد) 

ويوضح محمد عبد الله ولد الشيخ محمد أنّ "حوادث السير تحصد أرواح ركاب كثيرين لباصات تودروا، نتيجة الازدحام وعدم اكتراث سائقيها بحياة الركاب. والسائقون بمعظمهم فاقدو المسؤولية وكذلك الأهلية". ويؤكد أنّ "هؤلاء لا يحترمون معايير السلامة المطلوبة، لا سيّما مراعاة السرعة وزيادة الحمولة". يضيف ولد الشيخ محمد أنّ "تساهل السلطات الأمنية مع السائقين وتغاضيها عن حجم الفوضى التي يعيشها قطاع النقل الخاص، لا سيّما عملية النقل الخاصة بالباصات، هو ما يتسبب في الأساس في ارتفاع حوادث السير". لكنّه يقرّ بأنّ "باصات تودروا استطاعت توفير النقل والمساهمة في حلّ مشكلاته في نواكشوط، في حين ساعدت مئات الفقراء الذين يعتمدون عليها يومياً في تنقلاتهم لانخفاض تعرفتها في مقابل تعرفة سيارات الأجرة".

في سياق متصل، تحصد حوادث السير في موريتانيا عموماً أرواح المئات سنوياً، وتتسبب في عاهات وإعاقات لدى كثيرين. ويشير معنيون إلى ارتفاع خطير في الوفيات خلال عام 2017 من جرّاء حوادث السير في البلاد وسط صمت رسمي، ليُصار إلى تحميل المسؤولية في معظم الحوادث إمّا لرعونة السائقين أو للإفراط في السرعة. من جهتهم، يعيد السائقون النتائج الدموية لحوادث السير إلى أسباب كثيرة، منها تهالك الطرقات وضعف الصيانة وغياب الإشارات التوجيهية فضلاً عن الفوضى في منح رخص القيادة.

وتكشف مقارنة بين الوفيات خلال العامَين الأخيرَين 2016 و 2017، ارتفاعاً في وفيات حوادث السير بنسبة 246 في المائة. فقد بلغ عدد الوفيات المسجلة خلال العام المنصرم 443 وفاة، في حين لم يتجاوز عدد الوفيات 128 وفاة خلال العام الذي سبقه. وتبلغ حصيلة العامَين اللذَين عرفا تطبيق وزارة التجهيز والنقل لاستراتيجيتها الهادفة إلى الحد من حوادث السير 571 وفاة.

إلى ذلك، تشير معطيات رسمية متوفرة حول حوادث السير في موريتانيا، إلى إصابة خمسة موريتانيين بجروح كل يوم في عام 2017، أي بزيادة بلغت 27 في المائة عن عام 2016. وقد سجّل عام 2017 سقوط 2031 جريحاً، في حين بلغ عدد الجرحى 1601 جريح خلال عام 2016.


ودفع تزايد حوادث السير في البلاد وارتفاع عدد الضحايا في اتجاه إطلاق مبادرات للتوعية حول تلك الحوادث والعمل على الحد منها. وقد نظمت أنشطة عدّة على المحاور الرئيسية لمدينة نواكشوط لتوعية السائقين حول خطورة السرعة وضرورة اعتماد الحيطة. وقد سعت تلك المبادرات إلى الحصول على فتوى من المجلس الأعلى للفتوى والمظالم حول حكم السرعة المفرطة الخاصة بالسيارات، غير أنّ المجلس لم يجب على هذا السؤال حتى اليوم، على الرغم من مضيّ نحو عام على تقديمه.