ورش المعادن تخنق الإسكندرية

ورش المعادن تخنق الإسكندرية

12 نوفمبر 2016
تعاني المحافظة من ارتفاع نسب التلوث (ابراهيم رمضان/ الأناضول)
+ الخط -

"لا يمكنني فتح نوافذ المنزل أو الحصول على هواء نظيف بسبب صعوبة التنفس والسعال المستمر من كمية الدخان الذي يملأ المنطقة المحيطة ويزكم الأنوف" يروي الموظف محمود السيد معاناته ومعاناة أهالي منطقة اللبان في محافظة الإسكندرية، شمال مصر، من وجود ورش سبك المعادن أسفل منازلهم. وهي التي تحاصرهم بالأمراض. يضيف "نموت تدريجياً بسبب التلوث الذي نتعرض له منذ عقود ولا حياة لمن تنادي".

تستخدم في عمليات صهر المعادن زيوت السيارات المرتجعة والمازوت، وهو ما يتسبب في تلوث الهواء والأبنية بالمعادن الثقيلة، بالإضافة إلى التأثيرات الصحية على العاملين في المسابك نفسها.‏ وتتصاعد يومياً كميات ضخمة من الأدخنة الملوثة من فوهات المسابك، وهي ناتجة عن صهر المعادن المختلفة منذ أكثر من 80 عاماً، لتغطي سماء وسط المدينة الساحلية، فلا تجد طريقاً سوى صدور سكان المناطق المجاورة، وهو ما يهدد بإصابتهم بالأمراض الصدرية والرئوية.

في هذا الإطار، حذر تقرير لمعهد الدراسات العليا والبحوث في جامعة الإسكندرية من خطورة بقاء هذه المسابك داخل الكتلة السكنية لخطورتها على الصحة العامة للمواطنين. وأكد ارتفاع نسبة التلوث في هذه المناطق إلى حد التوصية بحظر الإقامة فيها. فالعيش هناك يتعارض مع قواعد الصحة العامة، مع تحوّل المنطقة إلى كتلة من الدخان.

استند التقرير إلى الإحصاءات التي أعدها جهاز شؤون البيئة في المحافظة ليشير إلى وجود 240 مسبكاً في المحافظة تتركز في مناطق اللبان وأبي الدرداء والفراهدة والعطارين. وتشمل مسابك النحاس والألومنيوم والحديد الزهر، وتلحق أضراراً صحية خطيرة بالسكان.

الموظف محمد عاشور من سكان منطقة وسط البلد يقول: "أدت الأدخنة إلى إصابة أعداد كبيرة من المواطنين، خصوصاً الأطفال بالأمراض الصدرية. كما أنّ المسابك تطل مباشرة على منطقة كوم الناضورة الأثرية، ما يجعلها تؤثر على السياحة أيضاً". يحمّل عاشور الحكومة والجهات التنفيذية في المحافظة مسؤولية إصابته وأهالي المنطقة بالأمراض الصدرية بسبب عدم تصدّيها لمصادر التلوث التي تخرج من المسابك، وعدم توفير أماكن بديلة مناسبة من جميع النواحي لأصحاب تلك المسابك. يشير إلى أنّه وأفراد أسرته ضيوف دائمون على عيادات الأطباء لمعاناتهم من ضيق مستمر في التنفس. ويقول إنّ الأطباء فشلوا في علاجهم، طالما أنّهم لم يتمكنوا من نقل سكنهم بعيداً عن مصدر الدخان، وهو الأمر الذي يصعب تنفيذه بسبب ضيق الأحوال الاقتصادية.




أما محمود حسن، وهو صاحب إحدى الورش فيقول: "الكثير من أصحاب المسابك لا يوجد لديهم مشاكل في الانتقال، لكن إلى بيئة مناسبة تضمن توفير جميع الاحتياجات والبنية الأساسية اللازمة للحفاظ على حقوقهم ومعهم آلاف العمال وأسرهم، وليس محاربتهم في أرزاقهم وتشريد أبنائهم".

يشير إلى أنّ شعبة المسابك في اتحاد الصناعات المصرية قدمت شكوى إلى محافظة الإسكندرية تتهمها بإهدار عشرات الملايين بسبب الأخطاء التي وجدها أصحاب مصانع المسابك في المنطقة التي خصصتها لهم الدولة لنقل مصانعهم إليها خارج المدينة. وذلك بسبب الأخطاء الكبيرة في المباني والتصميم وعدم مطابقتها المواصفات، ما قد يؤدي بدوره إلى تلوث بيئي.

يرى رئيس اتحاد عمال الإسكندرية فتحي عبد اللطيف أنّ مهنة صهر وتصنيع المعادن باتت من المهن المهددة بالانقراض نظراً إلى كونها بدائية جداً، وهناك محاولات للتخفيف من حدة تلك الأدخنة، والاعتماد على الماكينات المتطورة. مع ذلك، فإنّ الكثير من مسابك المدينة يعتمد على الطرق القديمة التي تصهر المعادن وتعيد تصنيعها من جديد، وهي الخطوة التي تؤدي إلى التلوث، وتصاعد الأدخنة بكثافة واتشاح العمال والمنطقة بالسواد. يؤكد أنّ المسابك تمثل صناعة مهمة والعاملين فيها يقدرون بأكثر من 5 آلاف عامل لكلّ منهم دور معين.

من جانبها، تقول رئيسة "جمعية رواد البيئة" وأستاذة العلوم البيولوجية في جامعة الإسكندرية الدكتورة وفاء المنسي: "هذه المشكلة تعاني منها المحافظة منذ الثمانينيات، وبالرغم من التوصيات والقرارات بنقل جميع الورش الصناعية الضارة بالصحة العامة خارج المدينة، وموافقة وزارة البيئة على إقامة مجمع المسابك الجديد بإجمالي 240 مسبكاً، إلا أنه حتى الآن ما زالت المسابك تعمل وسط السكان ولم يجرِ نقلها أو تنفيذ أيّ قرارات في شأن الضرر الذي يتعرض له السكان المجاورون". وفي هذا الإطار، تشير إلى وجود عدد من التقارير الطبية التي تؤكد أنّ دخان العوادم الناتج من عمليات الاحتراق داخل المسابك يحتوي على مواد شديدة الخطورة، وأنّ هناك الكثير من أهالي المنطقة مصابون بأمراض خطيرة في الجهاز التنفسي، نتيجة التعرض فترات طويلة إلى الأدخنة.

بدوره، يوضح مصدر مسؤول في محافظة الإسكندرية أنّ غياب الإرادة السياسية ونقص الإمكانيات والموارد اللازمة هما السببان الرئيسيان في عدم اكتمال نقل المسابك إلى المكان الجديد بغرب الإسكندرية.