أسود الكربون يهدّد أهل الإسكندرية

أسود الكربون يهدّد أهل الإسكندرية

20 يوليو 2016
مهدّد في صحّته ورزقه (العربي الجديد)
+ الخط -

عندما أنشئ مصنع أسود الكربون في الإسكندريّة، لم يعرف أهالي المنطقة المحيطة به أنّه سوف يستهدفهم في رزقهم وفي صحّتهم وأنّهم سوف يجدون أنفسهم وحيدين في المواجهة.

لم تكن الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحاً عندما انتهى سالم أبو الحسن من معاينة الطماطم، متحسّراً على المحصول الذي كسته بقع سوداء، نتيجة تراكم طبقات من الغبار والأتربة الكثيفة. ذلك المصنع القريب من أرضه في محافظة الإسكندرية شمال مصر، غطّت انبعاثاته معظم المنطقة المحيطة به.

ليست مشكلة أبو الحسن في الأدخنة المحمّلة بأتربة سوداء والمتصاعدة من المصنع الهندي الذي ينتج الكربون الأأسود - منذ سنوات - والتي تجبر المارة على سدّ أنوفهم وحبس أنفاسهم فحسب، بل أيضاً في أضرار الانبعاثات التي تصيب معظم أهالي القرية بأمراض الربو والتحجّر الرئوي أو الانسداد الرئوي المزمن، والتي تسبّبت كذلك في إتلاف وتلويث المحاصيل الزراعية في الأراضي المحيطة بالمصنع.

يقول أبو الحسن لـ"العربي الجديد" إنّه "مذ شُغّل المصنع في قرية النهضة غرب الإسكندرية، فوجئنا بتصاعد الدخان الأسود الذي راح يملأ المنطقة المحيطة، من ثم بظهور بقع سوداء عند منبع مياه الريّ التي أستخدمها في أرضي الزراعية. كذلك وجدت كتلاً سوداء على أوراق الزرع وضموراً كاملاً في بعض المحاصيل الحيوية التي تساعدنا في معيشتنا. حتى المنازل وملابس الأهالي تغيّر لونها من كثرة ترسّبات الكربون الأسود". يتابع وهو يشير إلى يديه اللتَين غطّاهما السواد، أنّ "الغبار ملأ سماء المنطقة على مدى سنوات عدّة، من دون أن تدرك الدولة وأجهزتها التنفيذية مأساة أهالي قريتَي النهضة وأبو سمبل. وذلك على الرغم من أنّنا رفعنا شكاوى أمام الجهات المسؤولة، محذّرين من المخاطر الصحية التي نتعرّض لها والتي تسببت في بوار الأراضي الزراعية".

يتدخّل المزارع محمود شعبان قائلاً إنّ "الحكومة وعدتنا بحلّ المشكلة، لكن شيئاً لم يتغيّر. وقد تقدّمنا بشكاوى لغلق المصنع نهائياً وتعويض الأهالي عمّا أصابهم من أضرار وأمراض، إلا أنّ أحداً لم يسأل ولم يهتم". ويستطرد وهو يسير حافي القدمَين في حقله، إنّ "هذه الأراضي الزراعية كانت من الأفضل في المحافظة. لكنّها تتقلّص يومياً ونحن نموت ببطء بسبب تلوّث المنطقة بدخان الشركة". ويشير إلى أنّ "الجميع يعاني من مشاكل صحية والأطفال معرّضون في أكثرهم للإصابة بأمراض سرطانية أو صدرية من جرّاء الاختناق بغازات المصنع السامة، فيما الأطباء يؤكدون بمعظمهم أنّ الحل الوحيد هو الابتعاد عن المنطقة من أجل صحة أبنائنا".




في هذا الإطار، يستنكر عصام موسوليني، وهو عضو سابق في مجلس المحافظة المحلي ومن أهالي المنطقة، "تشييد مصانع في أحياء سكنية تضرّ بصحتهم وتفسد بيئتهم". ويلفت إلى أنّ "دولاً كثيرة في المنطقة وأفريقيا عموماً رفضت إنشاء هذا المصنع على أراضيها، خوفاً على صحة مواطنيها على الرغم من الإغراءات المادية الهائلة". ويؤكد أنّ "السكان ضاقوا ذرعاً بهذا المصنع الذي تتسبّب انبعاثاته في قتل المزروعات والمحاصيل، وهي مصدر الدخل الوحيد لكثيرين من سكان المنطقة. هو يلوّث البيئة ويقتل الإنسان والحيوان".

في سياق متّصل، يقول الطبيب الاستشاري في الأمراض الصدرية، الدكتور صلاح عادل إنّ "لانبعاثات هذه الشركة أضراراً جسيمة على سكان المنطقة، كذلك فإنّها تؤثّر سلبياً وبطريقة خطيرة على الشركات المجاورة ومنتجاتها". ويشرح أنّ "الأمراض الصدرية كالسعال وضيق التنفس والربو وانتفاخ الرئة تأتي نتيجة ما يحتويه الغبار المتصاعد من مركّبات مثل الكربون والهيدروجين، وهي منتشرة بين الأطفال والبالغين. ونتيجة هذا التلوّث بالغازات السامة، فإنّ نسبة الاستجابة للعلاج بين أهالي القرية منخفضة جداً. وبعضهم معرّض للإصابة بالسرطان، وثمّة تهديد بتشوّه الأجنّة، بالإضافة إلى الصداع المزمن، وغيرها".

من جهته، يؤكد المتحدث الرسمي باسم "حركة تغيير" ووكيل الأهالي، إيهاب القسطاوي، أنّ "آلاف المواطنين في قريتَي النهضة وأبو سمبل يعانون صحياً بسبب ملوّثات مصنع أسود الكربون الذي أنشئ وسط بيوتهم وزراعاتهم والذي يملكه مستثمرون أجانب في جنوب غرب الإسكندرية، التابع لحيّ العامرية". ويشير إلى أنّ مساحة الأراضي المتضررة تصل إلى سبعة آلاف فدان، موضحاً أنّ "الأهالي من دون حماية على الرغم من أنّ القوانين في صالحهم. وقد أجبِر عدد كبير منهم على التنازل عن المحاضر التي حرّروها، ليتركوا أراضيهم في مقابل تعويضات مادية". يضيف القسطاوي أنّ وزارة الدولة لشؤون البيئة سبق وأصدرت قراراً في عام 2011 يقضي بوقف خط الإنتاج الخامس لشركة الإسكندرية لأسود الكربون، نظراً لتأثيره السلبي على الصحة وإتلاف آلاف الأفدنة الزراعية وتلويث البيئة وتجاوز الانبعاثات الصادرة من الشركة للحدود والمعايير المعمول بها عالمياً. لكنّ القرار لم يُنفّذ حتى اليوم، إذ إنّ الشركة رفعت دعوى أمام القضاء الإداري للاستشكال ضدّ قرار وزير البيئة.

في المقابل، يشير مصدر مسؤول في جهاز شؤون البيئة في المحافظة، فضّل عدم الكشف عن هويته، إلى أن "تفتيشاً دورياً يجري في المصنع للتأكد من مطابقته المعايير البيئية وتحرير محاضر بالمخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية المتبعة حيالها"، لكنّه يرفض تحديد ماهية هذه الإجراءات. ويقول إنّ "إغلاق المصنع أو نقله بحجّة أنّه وسط كتلة سكنية ويهدّد صحة السكان، هو أمر مستبعد، بل مستحيل. فتكلفة نقل المصانع تقدّر بمئات الملايين، كذلك فإنّه يضرّ بمناخ الاستثمار في البلاد". أمّا الحلّ بالنسبة إليه، فهو "توفيق أوضاعه مع الإدارة الهندية ومعالجة مشاكله البيئية إن وُجِدت".