"أنا" في مرآة

"أنا" في مرآة

09 مايو 2016
"سيلفي" مع رفيقة السوء (فؤاد هاشم)
+ الخط -

ربّما يعتقد البعض أنها مجرّد إطار يضم زجاجة تعكس الأشكال المقابلة لها. وقد تكون لديها وظائف أخرى. لكن لا. لن أُطيل الشرح. كنتُ أنظرُ إليها وأنا أحلق ذقني حين حدثتني للمرة الأولى. ولقدر ما صدّقتها، اعتقدت أنني في أحد أفلام "ديزني"، وخطر في بالي أن أسألها إذا كان هناك أحد أجمل وأذكى مني. لكنّها باغتتني وقطعت عليّ أفكاري. نصحتني بألا أحلق ذقني كونها موضة قديمة. طلبت مني غسل وجهي جيداً وترتيب شعري. "انظُر إليّ لأرى إن كان مظهرك مناسباً". وطال الحديث وأنا في حالة ذهول.

حاولتُ استعادة وعيي. وكوني في فيلم، صفعتُ وجهي لأتاكد من أنني لا أحلم. عدت إلى المرآة من جديد وأمعنت النظر وعرفت أن من يتكلم هو "الأنا" المنعكس في المرآة. ضحكت لأن هذه لم تكن المرة الأولى. وكلّما كانت تتحدث إليّ، اعتقدت أنني أحاكي نفسي أو أن أفكاراً تراودني. بعدها، أيقنت أن جميع المرايا تعكس وجهي، لكن بـ"أنا" مختلفة.

أخرج من بيتي وأركب دراجتي النارية وأنظر إلى المرآة اليمنى وتلك اليسرى. عادة ما تستقبلني الأولى ببعض الأسئلة الحازمة: "أين سترتك الواقية وخوذتك وأوراقك الثبوتية، إلخ؟". في حين تبتسم المرآة اليسرى، "رفيقة السوء"، ابتسامة شقية وتهمس لي بأن دعك منها. وما أن أدير محرك الدراجة حتى تأخذ المرآة اليسرى نفساً عميقاً لتبدأ بتوجيهي لأصل إلى الأماكن التي أريد الوصول إليها، وأتفادى إشارات المرور وحواجز الشرطة. وكلما حاولت اليمنى التدخل، تقاطعها اليسرى وتشتت انتباهي وتدندن معي أغنيات أعشقها.

وإذا ما اشتد السجال بينهما حتى أتركهما وأستلم دفة القيادة. بعدها، أعيد اليسرى إلى مكانها لألتقي بالأنا من خلالها. لا نتكلم. فقط ندندن الأغنيات ونتبادل الأفكار والابتسامات. لا أنكر أنني أشفق أحياناً على الجهة اليمنى. أنظر إليها فلا تتوقف عن الكلام. لكنني أعيدها إلى حالتها السابقة، مجرّد مرآة عادية أرى من خلالها ما يجري خلف دراجتي، لا أكثر.

أركن دراجتي وأسحب نفسي من المرآة اليمنى واليسرى وأتجه إلى المصعد. في كل مرة أنتظر وصوله، أتمنى ألا يكون في داخله مرآة. فالأنا في مرايا المصاعد تعتبر نفسها أساساً. أما أنا، فمجرد زائر في هذه العلبة. في بعض الأحيان تكون ودودة. وفي أحيان أخرى قاسية. لكن في الحالين، يتأثر يومي بحسب الانعكاس الموجود في مرآة المصعد. لكن، وفي كل مرة أقف فيها في مواجهة المرآة، أبحث عن انعكاس ذلك الطفل الذي لعب معي في المرة الأولى التي رأيت نفسي فيها. وما زلت أبحث عنه في كل انعكاس، علّني ألتقيه ويخبرني بما حصل في لقائنا
الأول.


دلالات

المساهمون