أمور لا نتعلمها في المدارس

أمور لا نتعلمها في المدارس

07 يناير 2016
تظاهرة مناهضة للتحرش (فرانس برس)
+ الخط -

كانت ماريا (اسم مستعار) تسير في أحد الشوارع الفرعية ذات مساء. نزلت مرتدية ملابس الرياضة، ووصلت إلى الدكان القريب. كانت تهم بالخروج من المحل بعد أن حاسبت البائع، وإذ بامرأة ستينية توقفها من يدها. نظرت إليها من الأسفل للأعلى أو بالعكس. سألتها باستعلاء، "هل تعلم "معلّمتك" (تعبير فوقي للإشارة إلى ربة العمل) بأنك خارج المنزل في مثل هذه الساعة، ولا ترتدين ملابس العمل؟". شعرت ماريا بالقرف، وبقليل من القهر واجتاحتها رغبة بالضحك. ماريا تعمل في إحدى المنظمات الدولية في لبنان.

تحسب كاثرين (اسم مستعار) ألف حساب حين تهمّ بالخروج من المنزل مساءً لقضاء سهرة مع الأصدقاء. يبدأ التوتر من اللحظة التي توقف فيها سيارة الأجرة. تنظر إلى السيارة وتقدّر كم ستكون عليه سماجة السائق. تميل إلى اختيار السائقين الأكبر سناً. هذه استراتيجية تعتمدها معظم النساء. لكن نسبة احتمالات المضايقة أو التحرّش لا تختفي مع التقدم بالعمر. بالكاد نجت بتوصيلة أو اثنتين من دون مضايقات منذ أن جاءت إلى لبنان قبل أربعة أشهر. ما أن تنتهي من مهمة الوصول بسلام دون تحرش حتى تبدأ مهمة أخرى حين تدخل منزل الأصدقاء. يظن معظم الشبان أصدقاء أصدقائها بأنها "سهلة". تبذل جهداً مضاعفاً لقضاء سهرة بسيطة كما تحب. وتكره أن تكون مضطرة إلى محاربة صورة نمطية عامة مسقطة عليها. تشعر بكثير من الإحباط والضغط والتوتر المستمر، فالحيّز الاجتماعي والعام خاصتها غير آمن.

تنتظر سهى (اسم مستعار) صباحاً سيارة الأجرة للذهاب إلى العمل. تتوقف العديد من السيارات بلوحات بيضاء (مخصصة للنقل الخاص وليس العام) بقربها. يطل السائق برأسه ويسألها عن "سعرها". في أول الأمر، لم تردّ. ثم قررت أن تدافع عن مساحتها بوجه من ينتهكها. باتت تطلق شتيمة بصوت مرتفع، يُحرج الرجل. هي تعرف أنها لن تردعه ولن تغير له سلوكه، لكنها بالتأكيد تشعر بقليل من الارتياح. هذا السلوك تجاهها يشعرها بأن كرامتها الإنسانية بحاجة إلى درع حماية ذاتية.

التجارب أعلاه هي لنساء غير لبنانيات يعشن في لبنان. لا تهم جنسيات النساء. أصلاً لا يهم سواء كنّ لبنانيات أو لا، فتجاربهن ليست حوادث فردية. التحرش الكلامي، النكات الإيحائية، السلوكيات الذكورية والنظرة الاستعلائية هي من وسائل القمع السلوكي والفكري التي تُمارس بحق النساء في الشارع والمجتمع. هناك من يسمح لنفسه أو لنفسها بإطلاق أحكام عامة ومواقف مسبقة وتمييزية بحق النساء ليس لأنهن نساء وحسب، بل لأنهن من عرق ما، أو يمتلكن لون بشرة معينا، أو من جنسية معينة. لكل عامل من هذه العوامل وصفة تمييز خاصة لا يحتاج الناس معها إلى مدارس لتعلمها وممارستها.

(ناشطة نسوية)

اقرأ أيضاً: المباراة غير متكافئة

المساهمون