تونس: مأساة قوارب الموت التي تُزهر مع الربيع

تونس: مأساة قوارب الموت التي تُزهر مع الربيع

14 ابريل 2015
إنقاذ 7 آلاف مهاجر من المتوسط خلال خمسة أيام
+ الخط -

تتزايد مخاوف واستعدادات السلطات والمنظمات التونسية مع بداية كل ربيع، توجسا من ارتفاع موجات الهجرة السرية إلى إيطاليا عبر السواحل التونسية، حيث تستغل مافيا تهريب المهاجرين تحسن أحوال الطقس لزيادة كثافة قوارب الموت التي يسيّرونها في المتوسط.

ولئن كانت أغلب هذه الرحلات تنطلق من السواحل الليبية، فإن بعض الموانئ التونسية ما تزال تشكل منطلقا لهذه الرحلة المخيفة باتجاه لمبادوزا الإيطالية، ما حوّل البحر المتوسط إلى مقبرة للشباب الأفريقي، وموضوع الهجرة عموما، إلى مأساة إنسانية احتارت المنظمات الإنسانية المحلية والدولية في وقف نزيفها وإيجاد حلول حقيقية لها.

وصرح مسؤولون أوروبيون اليوم بأنه تم إنقاذ نحو 7000 شخص منذ يوم الجمعة الماضي، من بينهم 3500 لا يزالون على متن سفن الإنقاذ ويتم نقلهم إلى إيطاليا، وأنه تم انتشال 11 جثة حتى الآن.

وكانت البحرية التونسية أعلنت، أمس الإثنين، عن إنقاذ قرابة 175 مهاجرا غير شرعي على متن قاربين، بالقرب من سواحل مدينة جرجيس التابعة لمحافظة مدنين، جنوب شرق البلاد، التي أصبحت ملاذا للصوماليين والنيجيريين والغانيين، بالإضافة إلى سوريين ومصريين وفلسطينيين أيضا، وتم إحباط عملية هجرة، مساء أمس، من جهة المنستير في الوسط التونسي.

القارب الليبي الذي أنقذته البحرية التونسية، أمس الإثنين، كان يحمل نساء وأطفالا وامرأة حامل، ما يفرض على السلطات المستقبلة في أي ساحل أن تتعامل معها بشكل خاص، وفق ما يفرضه القانون الدولي إزاء هذه الفئات الهشة، وهو تكتيك معتمٓد بعناية وتخطيط من طرف عصابات الاتجار بالبشر، كما وصفه لـ"العربي الجديد" رئيس الهلال الأحمر التونسي، الدكتور الطاهر الشنيتي.


اقرأ أيضا:
وفاة 9 وإنقاذ نحو 300 مهاجر سري في المتوسط


وأضاف الشنيتي أن كل الذين يشاركون في رحلة الموت، يبادرون بحرق أوراقهم الشخصية قبل الصعود إلى القارب، لتجنب إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، ما يطرح صعوبات كبيرة في التعامل معهم، برغم الاستعانة بقنصليات بلدانهم في تونس، بالإضافة إلى منظمات غوث اللاجئين وبعض الدول الأوروبية التي تساعد في إيواء المهاجرين الذين تتزايد أعدادهم بشكل واضح، ما يشكل عبئا جديدا على الحكومة التونسية.

إجراءات تونسية
ويؤكد الشنيتي أن السلطات التونسية قررت ألا تقيم مخيمات للاجئين، كما حدث في بداية الثورتين التونسية والليبية، وهو ما حول المهمة إلى إيوائهم في ظروف حسنة في البداية، وهو ما يتوفر إلى حد الآن، ثم إدماجهم في المجتمعات المحلية. وهناك الآن مئات من الصوماليين الذين يعيشون في تونس، لأن القانون يمنع إعادتهم إلى بلدهم الذي يعاني من تفكك كبير، بحكم الحرب الدائرة هناك والوضع غير المستقر، وهناك من الصوماليين من هو مولود أصلا في ليبيا ولا يعرف الصومال مطلقا، والقانون الدولي يفرض التعامل معهم بشكل خاص. وهناك الآن منظومة جديدة في النظر إلى قضية اللاجئين تقوم على أساس "تمدين الهجرة"، أي إدماجهم في المجتمع المحلي، مع ما يفرضه هذا من ضرورة إعانة المجتمع المحلي نفسه، الذي يحتاج أيضا إلى الإعانة، حتى لا يتم رفض اللاجئ ولفظه من الإقامة في المكان والاندماج في الحياة اليومية.

ويشدد الشنيتي على ضرورة التفريق بين اللاجئ والمهاجر، مشيرا إلى أن نصف المهاجرين الآخرين يرفضون العودة إلى موطنهم الأصلي، ويندمجون في المجتمعات المحلية، ويقومون ببعض الأعمال التي تمكنهم من جمع مبلغ من المال لإعادة الكرَّة ومحاولة السفر مجددا إلى السواحل الإيطالية، التي تغيرت استراتيجية حمايتها مع مطلع هذا العام.

فقد كانت المنظومة التي تتولى من خلالها إيطاليا التعامل مع المهاجرين، هي منظومة "ماري نوستري"، أي "مياهُنا"، وهي منظومة إنسانية وقع تغييرها إلى "فرانتاكس" الموجودة من قبل، وتعني "جبهة" المكلفة بحماية الحدود الأوروبية والتصدي للهجرة، وهي تتعامل بالتالي مع قضية المهاجرين من منظور أمني صرف، دون أن يعني هذا رفضها لإغاثة المستغيثين على القوارب المتضررة.

ويؤكد الشنيتي أن هذه القوارب تشكل مأساة إنسانية بكل معنى الكلمة، فمُلّاكها الأصليون لا يقودونها بأنفسهم في هذه الرحلات، لأنهم يعتبرونها منتهية الصلاحية، سواء وصلت إلى إيطاليا وتم حجزها، أو غرقت في البحر، وتبعا لذلك يقومون بتعليم المهاجرين أنفسهم مبادئ مبسطة في الإبحار، ليتولوا مهمة قيادتها وإغراقها مع أول نسمات تهب في المتوسط، وإذا لم تغرق فتبقى تائهة تدور حول نفسها في عرض البحر، مؤكدا أنهم عثروا على كثير من هذه المراكب التائهة وعلى متنها موتى من الجوع والعطش.

ويضيف الشنيتي أن تونس والمنظمات المحلية والدولية تتعامل مع الوضع، انطلاقا من مبادئ إنسانية بحتة، نظرا لغياب قانون ينظم هذه العملية، مشيرا إلى أنه يوجد الآن قانون للهجرة معروض على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه، لينظم أُطر العلاقة والتعامل مع قضية الهجرة، التي أصبحت واقعا حقيقيا لا بد من التعامل معه وفق منظور شامل.
لأن أساليب الهجرة تغيرت وأصبحت هناك شبكات وسماسرة يتدخلون في هذه العمليات، بالإضافة إلى تزايد أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى الموانئ التونسية، وخصوصا ميناء جرجيس.

اقرأ أيضا:
المجلس الأوروبي يدين سوء معاملة المهاجرين
إنقاذ 79 مهاجراً غير شرعي قرب السواحل التونسية
إيطاليا: وفاة نحو 25 مهاجراً بعد انتشالهم من البحر