تعليم البريطانيين والأبحاث العلميّة على المحكّ

تعليم البريطانيين والأبحاث العلميّة على المحكّ

22 يونيو 2016
من أمام جامعتهم، صوّتوا قبل الموعد للبقاء في الاتحاد(الأناضول)
+ الخط -

غداً، 23 يونيو/ حزيران 2016، عندما يصوّت البريطانيّون لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، لا بدّ من أن يأخذوا بعين الاعتبار مستقبل البحوث العلميّة وكذلك التعليم الجامعي.

يغلب محور التأثير الاقتصادي على حملة النقاش حول الاستفتاء الأوروبي، ويعجز الجميع عن معرفة ما تؤول إليه الأمور بصورة دقيقة في حال خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكنّ ذلك، بلا شكّ، خطوة سوف تؤثّر على كلّ جوانب الحياة في البلاد، منها الجامعات والبحوث العلمية التي تساهم بريطانيا بنسبة 3.3 في المائة منها في العالم، وتُعدّ تلك مشاركة هامة بالنسبة إلى بلد يشكّل 0.9 من سكان العالم، فيما ينتج 6.9 في المائة من الناتج العلمي العالمي.

ويحتلّ الاتحاد الأوروبي الصدارة على مستوى العالم في البحوث العلمية (22.2%) تليه الصين (19.1%) والولايات المتحدة الأميركية (16.7%). وبريطانيا من أكبر المستفيدين من تمويل البحوث العلمية في الاتحاد الأوروبي، ففي الجولة الحالية لبحوث الاتحاد الأوروبي تحت عنوان "أفق 2020"، تحظى بـ 15.4 في المائة من الأموال ولا تسبقها إلا ألمانيا. كذلك يُسجَّل تزايد لتعاون الباحثين البريطانيين عالمياً. منذ عام 1980، ارتفعت بحوث بريطانيا العالمية بنسبة 15 في المائة، أي ما يعادل أكثر من 50 في المائة اليوم. أمّا الباحثون المحليّون، فتزايد عددهم بنسبة 85 في المائة.

إلى ذلك، تشير بيانات جديدة إلى أنّ ما يقارب الألف مشروع في 78 جامعة بريطانية ومراكز بحوث علمية، تعتمد على التمويل من "مجلس البحوث الأوروبي". بذلك تحصل بريطانيا على النسبة الأكبر من التمويل بالمقارنة مع البلدان الأخرى، وتصل إلى 22 في المائة من مجموع المشاريع التي يموّلها مجلس البحوث الأوروبي والموزّعة على أكثر من 25 بلداً.

تقول نائبة مدير معهد بحوث الإعلام والفنون والأداء في جامعة بيدفوردشير، الدكتورة نهى ميلر، لـ "العربي الجديد"، إنّ "في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سوف تموّل الحكومة البحوث العلمية، بطريقة مستقلة تقريباً". تضيف أنّ "الحملة المطالبة بالخروج من الاتحاد، تزعم أنّ الأموال التي تدفعها بريطانيا للاتحاد الأوروبي سنوياً، سوف توفَّر وبالتالي يعاد توزيعها داخل قطاعات البلاد بما في ذلك البحوث. لكنّ ذلك غير صحيح كلياً. ربّما، لن تكون البحوث العلمية من ضمن أولويات الحكومة، بل من المرجّح أن تُعطى الأولوية لخدمات الصحة العامة والسكن وما إليهما". وتلفت ميلر إلى أنّ "صافي مساهمة الاتحاد الأوروبي في البحوث العلمية في بريطانيا يبلغ ثلاثة مليارات وذلك وفقاً للجمعية الملكية. ومن غير المتوقّع أن تنفق الحكومة مثل هذا المبلغ الكبير سنوياً على البحوث".




في هذا السياق، تشير صحيفة "ذي غارديان" البريطانية إلى أنّه من غير الضروري ربما التراجع عن "أفق 2020"، لكن ينبغي على الحكومة قبول عضوية المنتسبين اعتباراً من عام 2020 فصاعداً. أضافت أنّ التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي الذي يعني حريّة تحرّك العلماء في بريطانيا، كان قد جعل منها لاعباً مهماً في ميدان البحوث العلمية. وتابعت أنّ نسبة الأكاديميين في المؤسّسات التعليمية البريطانية تبلغ 15 في المائة من مواطني الاتحاد الأوروبي، وترتفع النسبة لتصل إلى 20 في المائة في جامعات النخبة.

عن حريّة تنقّل العلماء، تقول ميلر "إنّ لدى بريطانيا عدداً كبيراً من الباحثين البارزين الذين يقودون حالياً مشاريع عديدة مموّلة من الاتحاد الأوروبي. ومن حيث المبدأ، سوف يتمّ التفاوض على حريّة الحركة، حتى لو خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنّ المشكلة الأكبر تبقى قضية التمويل". تكمل ميلر "من حيث التمويل، سوف تتلقّى البحوث العلمية في بريطانيا ضربة شديدة. أمّا من حيث حريّة تنقّل موظفي الجامعات، فإن عدد هؤلاء سوف ينخفض على الرغم من أنّهم يتوقّعون اتفاقات جديدة. المشكلة تكمن في المدّة التي سوف تستغرقها المفاوضات حولها".

كذلك، تحدّثت ميلر عن الطلاب، مشيرة إلى أنّ "هذه مسألة لم تتناولها وسائل الإعلام بأكثرها. في الوقت الحالي، يصار التعامل مع طلاب الاتحاد الأوروبي على قدم المساواة مع طلاب بريطانيا، ويدفع جميعهم الرسوم ذاتها. طلاب بريطانيا الذين يدرسون في ألمانيا أو فرنسا مثلاً، يدفعون الرسوم ذاتها التي يدفعها مواطنو تلك الدول، مع الإشارة إلى أنّ التعليم الجامعي في باقي دول الاتحاد الأوروبي مجاني. لكن في حال خروج بريطانيا من الاتحاد، فإنّ ذلك قد يتوقّف ويُحرَم كثيرون من طلاب بريطانيا من فرصة متابعة الدراسة مجاناً في بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى".

وتسأل ميلر: "إلى أيّ درجة سوف يكون مشجّعاً أو مناسباً موقف الاتحاد الأوروبي من بريطانيا في حال خروجها منه؟"، قبل أن تجيب: "من المرجّح أن يركّز الاتحاد الأوروبي على باقي الدول الأعضاء الـ 27 فيه، ويحاول ثنيها عن الاقتداء ببريطانيا. لذلك من غير المتوقّع أن يقدّم صفقة جيّدة للأخيرة في أي مفاوضات تتعلّق بالبحوث أو السوق الواحدة".

من جهة أخرى، وقبل أيام قليلة من موعد الاستفتاء التاريخي (غداً في 23 يونيو/ حزيران 2016) حذّر علماء وأكاديميون في اسكتلندا من الخروج من الاتحاد الأوروبي. ووقّع 205 من العلماء في اسكتلندا (من أصل ثلاثة آلاف و414 عالماً في بريطانيا) على بيان مشترك يقول، إنّ الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف يؤدي إلى خنق العلم والابتكار وفرص العمل في البلاد.

تقول في السياق ذاته، كبيرة المستشارين العلميين السابقين في اسكتلندا، البروفسور دام آن غلوفر، إنّ العلوم والهندسة والتكنولوجيا تزدهر من خلال التمويل والتعاون الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي، وهذه تشكّل جوهر الاقتصاد الناجح. كذلك، حثّ كبير المسؤولين الطبيين السابقين في اسكتلندا، البروفسور السير هاري بيرنز، وهو عضو في المجموعة الاستشارية "اسكتلندا أقوى في أوروبا"، الناخبين على دعم البقاء في الاتحاد الأوروبي.

تجدر الإشارة إلى أنّ الجامعات والشركات في اسكتلندا تلقّت أكثر من 200 ألف باوند (نحو 300 ألف دولار أميركي) من صندوق علوم الاتحاد الأوروبي منذ عام 2014، ومن المتوقع أن تحصل على 1.2 مليار باوند (نحو 1.8 مليار دولار) بحلول عام 2020، إن صوّتت بريطانيا على البقاء في الاتحاد الأوروبي.

في المقابل، يُذكر أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يسمح بتهرّبها من بعض شروطه المرهقة، مثل القواعد التي تحكم التجارب السريرية والتي يعتقد أنّها تؤثّر على الابتكار.