مدخّنون في روسيا يتكيّفون مع قانون مكافحة التبغ

مدخّنون في روسيا يتكيّفون مع قانون مكافحة التبغ

04 أكتوبر 2016
سيجارة على الرغم من الحظر (ألكسندر أوتكين/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ سنوات، تتجه دول كثيرة إلى حظر التدخين في الأماكن العامة، عبر وضع قوانين وإجراءات رادعة. من شأن ذلك أن يخفّف على غير المدخين، وإن لم يأتِ بنتيجة إيجابية على هؤلاء الذين أدمنوا التبغ. هذه هي الحال في روسيا.

بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على بدء تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة في روسيا، بات تجمّع المدخنين أمام المطاعم والحانات مشهداً عادياً في كلّ أنحاء البلاد.

بدأ تطبيق القانون في الأول من يونيو/ حزيران 2013 عبر منع التدخين في المؤسسات التعليمية والرياضية والثقافية والطبية ووسائل النقل والمطارات وغيرها. وبعد عام في الأوّل من يونيو/ حزيران 2014، شمل القانون منع التدخين في الحانات والمطاعم والفنادق، بما في ذلك الشيشة أو النرجيلة. وقد حظر القانون أيضاً إعلانات منتجات التبغ وبيعها في الأكشاك وكذلك على مسافة تقلّ عن 100 متر من المؤسسات التعليمية.

وقد أسفر القانون الجديد عن انخفاض عدد المدخنين في روسيا بصورة ملحوظة، إذ أظهر استطلاع أجراه "المركز الروسي لدراسة الرأي العام" أخيراً أنّ نسبة المدخنين انخفضت من 41 في المائة في عام 2013 إلى 31 في المائة حالياً، وهو أدنى مستوى منذ سبع سنوات.

يوضح الناطق باسم مركز "بيختيريف" لعلاج الإدمان، ألكسندر تيخوميروف، أنّ "تطبيق القانون أدّى إلى انخفاض محدود في عدد المدخنين، ولعلّ الأثر الأكثر إيجابية هو الذي خلّفه على غير المدخنين الذين لم يعودوا يستنشقون دخاناً في المطاعم والمقاهي". يضيف لـ"العربي الجديد": "وضع هذا القانون أمر إيجابي، إلا أنّ ثمّة تقصيراً في تطبيقه. كذلك يتطلب الإقلاع عن التدخين مساعدة من طبيب متخصص". وحول أساليب التخلص من هذه العادة يقول إنّ "الأمر يستلزم علاجاً شاملاً يتضمّن أدوية تساعد على الامتناع عن التدخين، بالإضافة إلى التعامل مع الجانب النفسي لهذه العادة المضرّة. وبالتأكيد تبقى إرادة الشخص هي الأهم وعزيمته على الإقلاع عن التدخين وعدم العودة إليه".

ويتحدّث عن دوافع بدء التدخين على الرغم من العلم المسبق بأضراره، مشيراً إلى أنّ "المدخنين هم مثال سلبيّ، لا سيما للشباب الذين يقلّدون الكبار. كذلك، ثمّة من يرغب في ملء الفراغ، وثمّة من يجرّب التدخين صدفة ثم يعتاده. وهي الأسباب نفسها لتناول الكحول والمخدرات".




يختلف تطبيق القانون بين الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، إذ لا تزيد الغرامات للأشخاص عن 1500 روبل (نحو 25 دولاراً أميركياً)، وفي أحيان كثيرة يكتفي رجال الأمن بإنذار المدخّن من دون تغريمه. في المقابل، ينصّ القانون على فرض غرامات كبيرة على الشركات والمحال، لا سيما عندما يتعلق الأمر ببيع السجائر للقاصرين والسماح بالتدخين في الأماكن حيث يحظر ذلك. وتصل قيمة هذه الغرامات إلى 100 ألف روبل (نحو 1500 دولار)، الأمر الذي دفع المطاعم والمقاهي إلى التعامل مع الحظر بجدية.

في جولة على بعض مقاهي موسكو، لم تعثر "العربي الجديد" إلا على اثنَين يتجاهلان قرار الحظر، فاستمر مرتادوهما في التدخين، وهو ما قد يعرّض إدارتيهما إلى المساءلة في حال تقديم شكوى. إلى ذلك، كان القانون قد نصّ على منع تدخين النارجيلة، لكنّ مقاهي كثيرة التفت عليه في هذه النقطة عن طريق الزعم بأنّها تقدّمها خالية من التبغ، من دون أن يتغيّر شيء في الواقع.

يوضح مدير أحد المطاعم في وسط موسكو أنّ الجهات المعنية تتعامل بصرامة شديدة مع مسألتَي التدخين في المطاعم وتقديم المشروبات الكحولية للقاصرين، ولكنها تتساهل مع النارجيلة. ويقول لـ"العربي الجديد" مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إنّه "مع بدء تطبيق القانون، لم نعد نسمح بالتدخين إلا على الشرفة في موسم الصيف، وقد حذفنا السجائر من القائمة. لكنّنا مستمرون في تقديم الشيشة".

وكان تطبيق القانون الجديد قد أثار ردود أفعال متباينة في المجتمع الروسي بين مؤيّد ومعارض، بين من رأوا فيه دفاعاً عن صحة المواطنين ومن وصفوه بانتهاك لحريتهم الشخصية. يوليا اعتادت التدخين مذ كانت طالبة جامعية قبل أكثر من عشر سنوات. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الاستمرار في التدخين هو خيار شخصي. لكن بعد تطبيق القانون، أصبحت أعاني كثيراً أثناء اللقاءات في المطاعم، لا سيما في الشتاء. فأنا أضطر في كلّ مرة إلى ارتداء المعطف والخروج إلى الشارع للتدخين. وقد تعرّضت لغرامات أكثر من مرة". من جهتها، أقلعت إيرينا عن التدخين قبل بضع سنوات، فيما ترى أنّ القانون الجديد غيّر حياة غير المدخنين نحو الأفضل. وتقول لـ"العربي الجديد" إنّه "قبل منع التدخين، كانت المطاعم بقسمَين، قسم للمدخنين وآخر لغير المدخنين. لكنّ الدخان كان يصل كذلك إلى الجناح حيث يحظر التدخين".

بصرف النظر عن تطبيق قوانين مكافحة التدخين أو عدمه، ثمّة ما يشبه إجماعاً بين أطباء علاج الإدمان على أن التخلّص من العادات المضرّة هو بإرادة الشخص وعزيمته وحرصه على صحته، وليس في اتخاذ إجراءات حازمة بحقه.